موسى برمو.. هل ينقذ الصديق القديم الحبل السري بين النيجر وواشنطن؟
تستقر قاعدة الانقلاب في النيجر بمرور الوقت وتبحث الدول الرئيسية عن قنوات للتواصل مع القادة الجدد لترتيب كثير من الأوراق المعلقة.
هنا تبرز أهمية الروابط القديمة، وأسماء ذات ثقل في المراسلات بين الأطراف الدولية، بينها الجنرال موسى سالاو برمو، الذي بات القناة الدبلوماسية الرئيسية بين واشنطن والمجلس العسكري في النيجر.
والتقى برمو مؤخرا، مع القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكي، فيكتوريا نولاند، في العاصمة نيامي، إذ حثته الأخيرة على التوسط في اتفاق من شأنه أن يُمكن النيجر وحلفائها الغربيين القدامى من العودة إلى محاربة تنظيمات القاعدة وداعش وبوكو حرام، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
كان ظهور الجنرال موسى سالاو برمو بين قادة الانقلاب في النيجر، قد أثار صدمة في الأوساط العسكرية الأمريكية في الأيام الأولى للتحرك العسكري، نظرا لمدى الصلة القوية التي تربط الجنرال بوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون".
أصل الحكاية
وتعود الصلة بين برمو والجيش الأمريكي إلى قرابة 30 عاماً، وكان أهم ملامحها إيفاد البنتاغون، الجنرال النيجري، إلى جامعة الدفاع الوطني المرموقة في واشنطن.
ويتواجد رقم هاتف برمو، على هواتف ضباط ودبلوماسيين أمريكيين لأنهم يعتبرونه أفضل فرصة لإعادة الديمقراطية إلى البلد الأفريقي، ومنع حرب إقليمية فوضوية من شأنها أن تغرق واحدة من أفقر دول العالم في أزمة عميقة.
وكان برمو يقود القوات الخاصة في النيجر، قبل أن يرقيه المجلس العسكري إلى منصب رئيس الأركان، وعملت قواته جنباً إلى جنب مع الجيش الأمريكي حتى التمرد الذي اندلع في 26 يوليو/ تموز الماضي ضد الرئيس المعزول محمد بازوم.
وتتشارك القوات الخاصة الأمريكية مع قوات برمو مواقع في بلدة أولام في النيجر، حيث تقاتل الفروع المحلية لتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وبلدة ديفا، حيث تركز العمليات القتالية على عناصر "بوكو حرام" الذين يشنون هجمات حول بحيرة تشاد.
وكان برمو يعلم يقينا أن الانقلاب العسكري يعني توقف التدريبات المشتركة، والنصائح التكتيكية التي يقدمها الجيش الأمريكي، والمعلومات الاستخبارية التي تقدمها الطائرات المسيرة الأمريكية، لكنه كان مستعدا لهذه المغامرة.
وقال في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" بعد أيام قليلة من الانقلاب: "إذا كان ذلك هو الثمن الذي يتحتم علينا دفعه مقابل سيادتنا، فنحن سعداء بذلك".
ومن المفترض أن يسفر إعلان وزارة الخارجية الأمريكية رسمياً أن ما جرى في النيجر انقلاباً، عن إجراء المزيد من التخفيضات في المساعدات العسكرية بموجب القانون الأمريكي.
عسكري حتى النخاع
ومنذ الطفولة، كان الالتحاق بالجيش حلم برمو، ما دفعه لمغادرة النيجر، بإيعاز من أحد جيرانه، إلى المدرسة العسكرية في ساحل العاج. ثم الانتقال إلى الأكاديمية العسكرية في الكاميرون.
وقام والد برمو، وهو موظف حكومي، بعد استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960، بمحاولة لمنع ابنه من الانضمام إلى الجيش، أملا في أن يواصل دراسته، لكن الابن أصر على رأيه وانضم إلى الجيش عام 1989.
لمع اسم برمو في الجيش ما دفع واشنطن لاتخاذ خطوات لجذبه إلى المدار الأمريكي. ففي عام 1994، حضر دورة في اللغة الإنجليزية في قاعدة لاكلاند الجوية في سان أنطونيو. وهو الآن يتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية والهوسا، وهي لغة يتحدث بها السكان من نيجيريا إلى السودان.
أرسلت الحكومة الأمريكية برمو إلى سلسلة من الدورات لتدريبه على قيادة هجمات قوات المشاة والمظلات. كما حضر دورات في جامعة العمليات الخاصة المشتركة.
وفي عام 2004، تولى برمو قيادة أول سرية للقوات الخاصة في النيجر، دربتها القوات الخاصة الأمريكية. وترك المنصب بعد ثلاث سنوات، وانتقل إلى واشنطن العاصمة، وحصل على درجة الماجستير في دراسات الأمن الاستراتيجي من جامعة الدفاع الوطني.
معضلة غريبة
قبل أقل من ستة أسابيع من محاصرة القوات النيجيية للرئيس بازوم في مقر إقامته، نشر الجيش الأمريكي صورة لبرمو وهو يبتسم ويحتضن قائد قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، اللفتنانت جنرال جوناثان براغا، في قاعدة نيامي الجوية المشتركة بين البلدين.
وكان هدف الزيارة هو مناقشة سياسة وتكتيكات مكافحة الإرهاب، وفقًا للتغريدة المصاحبة للصورة.
في بعض الأحيان، كانت تلك التحالفات المهنية تلقي بظلالها على الصداقات الشخصية. فأحضر برمو ذات مرة ماعزًا مطبوخًا إلى منزل آمن في نيامي لتناول العشاء مع مارك هيكس، وهو جنرال متقاعد من القوات الجوية الأمريكية، وقائد العمليات الخاصة الأمريكية، وأفراد سفارة الولايات المتحدة في النيجر.
على النقيض من الود مع الأمريكيين، كان برمو يكن مشاعر عدائية لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في النيجر. وفي لقاءات مع نظرائه الأمريكيين، عبّر عن هذه المشاعر.
وفي عام 2021، أقام الجنرال حفلة ليلة رأس السنة الجديدة في منزله في نيامي، حيث دعا ضباطًا أمريكيين وبريطانيين ولم يوجه الدعوة لضباط فرنسيين، وفقًا لضابط أمريكي تحدث لـ"وول ستريت جورنال".
وقال الضابط الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن برمو استاء من ممارسات فرنسا في القيام بعملياتها الخاصة ضد الجماعات المسلحة، دون استشارة القادة النيجريين.
يشار إلى أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 500 مليون دولار لبناء قوات الدفاع النيجرية، بينها 110 ملايين دولار لإنشاء قاعدة طائرات مسيرة أمريكية الصنع في بلدة أغاديز، وقواعد تضم حوالي 1100 جندي أمريكي في البلاد.
وعانت منطقة الساحل الأفريقي من هجمات الجماعات المتطرفة التي تسعى لتعزيز موطئ قدمها في المنطقة، والتي أسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص في السنوات الأخيرة، ما جعلها واحدة من أكبر ساحات القتال بالعالم ضمن المعركة المستمرة منذ أكثر من 20 عاماً ضد المتطرفين.
ويرى ضابط عسكري بارز في منطقة الساحل أن الجهود الدبلوماسية الأمريكية لا تزال الأمل الأفضل في التوصل إلى نتيجة "دون إراقة دماء"، مشدداً على ضرورة أن "تختار الولايات المتحدة إما البقاء في النيجر أو ترك المكان لفاغنر".
aXA6IDMuMTM5Ljg3LjExMyA=
جزيرة ام اند امز