النيجر وأوروبا.. شراكة وتعاون يفرضهما درس أوكرانيا
كان لافتا تواتر الزيارات من الشرق والغرب بأعلى مستوى سياسي لدول ومناطق عديدة في القارة أفريقيا بحثا عن دعم جيوستراتيجي وكسب تأييد الأفارقة للمواقف المتعارضة في قضايا عالمية بالغة الأهمية.
قادة ومسئولون روس وفرنسيون وأمريكيون وأوروبيون قاموا بجولات وزيارات لدول أفريقية مختلفة عام ٢٠٢٢ نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية والمطامح العسكرية المتصاعدة، وكانت منطقة الساحل من المناطق التي تشهد هذه المنافسة، خاصة بعد سلسلة الانقلابات التي وقعت في بعض دولها، والتي أثَّرت سلبًا في الوجود الفرنسي وعززت النفوذ الروسي.
ولا يمكن فصل هذا التوجه العالمي عن إعلان المجلس الأوروبي، اليوم الإثنين، إطلاق بعثة شراكة عسكرية لسياسة الأمن والدفاع المشتركة في النيجر.
وقال وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل، في بيان لهم اليوم، إن الإجراء اتخذ لدعم البلاد في حربها ضد الجماعات المسلحة الإرهابية.
وأوضحوا أن الهدف من بعثة الشراكة، التي أنشئت رسميًا في 12 ديسمبر/كانون الأول 2022 بناءً على طلب السلطات النيجيرية، هو تعزيز قدرة القوات المسلحة النيجرية على احتواء التهديد الإرهابي وحماية السكان في البلاد وضمان بيئة آمنة ومأمونة، وفقًا لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وستدعم البعثة على وجه الخصوص إنشاء مركز تدريب الفنيين في القوات المسلحة، وتقديم المشورة والتدريب المتخصص عند الطلب إلى المتخصصين في القوات المسلحة النيجرية، ودعم إنشاء كتيبة جديدة لدعم الاتصالات والقيادة.
درس أوكرانيا
في مارس/آذار ٢٠٢٢، تأكدت أوروبا من هذا الوضع الجديد، أثناء تصويت الأمم المتحدة لإدانة العملية الروسية في أوكرانيا؛ حيث اتخذت ٢٥ دولة أفريقية موقف رفض القرار أو الامتناع عن التصويت بينما صوَّتت ٢٨ دولة أفريقية لصالح القرار.
وتبعت ذلك سلسلة زيارات إلى عدة دول أفريقية من قبل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سامانثا باور، والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد.
وبين ١٣ و١٥ من ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٢، استضافت الولايات المتحدة نحو ٥٠ دولة أفريقية ومسئولين من الاتحاد الأفريقي لتجديد علاقتها مع القارة.
وهو ما تتجلى معه الاستراتيجيات الأوروبية الجديدة التي تتمحور حول مواجهة روسيا والمنافسين الآخرين بحملات إعلامية، وتعزيز الوجود العسكري الأوروبي لدى الحلفاء في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
ارتفع مستوى الدعاية والحملات الإعلامية المضللة في أفريقيا منذ عام ٢٠١٣، وشهدت القارة مئات المحاولات المنظمة للتأثير في الرأي العام عبر الشبكات الاجتماعية. وأظهرت تقارير أن المؤسسات الروسية أو الجهات التي لها علاقة مع موسكو من الجهات الرئيسية الفاعلة في معظم الدعاية الأجنبية في أفريقيا، حيث تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر وتليجرام وغيرها لتشويه بيئة المعلومات والأخبار.
هذا بدوره دفع دبلوماسيين إيطاليين وألمان لإبداء استعدادهم لاتخاذ موقف أكثر عدوانية في مواجهة روسيا وخوض حرب المعلومات في الساحل، وفقًا لما كشفته مجلة "أفريكا إنتليجنس"، في ديسمبر/كانون الأول٢٠٢٢.
وفي مايو/أيار ٢٠٢٢، اقترح الاتحاد الأوروبي إرسال حوالي ثلاث عمليات تدريب أو مهام عسكرية إضافية إلى منطقة الساحل وغرب إفريقيا تنفيذًا لإستراتيجية تحقيق الاستقرار في الساحل ودول خليج غينيا.
بعثة الاتحاد الأوروبي للنيجر
بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في النيجر هي مهمة بناء القدرات مدنية في النيجر، أطلقها الاتحاد الأوروبي في عام 2012 بموجب سياسة الأمن والدفاع المشتركة.
ومنذ عام 2018، رئيس البعثة هو فرانك فان دير مورين، ضابط شرطة بلجيكي.
وبشكل أكثر تحديدًا، يشمل دعم قوى الأمن الداخلي للدولة ما يلي:
- دعم قوات الأمن في تحسين قابليتها للتشغيل البيني ووضع استراتيجيات عمل مشتركة.
- دعم القوات الأمنية في تحسين كفاءاتها الفنية، بما في ذلك سياساتها المتعلقة بالموارد البشرية والتدريب والإدارة اللوجستية.
- دعم قوات الأمن في تحسين سيطرتها على تدفقات الهجرة والهجرة غير النظامية ومكافحة الأنشطة الإجرامية المرتبطة بها.
- دعم الدولة بتنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
البعثة جاءت استجابة لطلب من حكومة النيجر، تم إنشاء البعثة من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي في يوليو 2012 ، لمدة عامين في البداية. كان الدافع وراء الطلب هو تزايد المخاوف بشأن الإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة.
منذ إنشائها في عام 2012، تم تكليف البعثة بتدريب وإسداء المشورة لقوات الأمن الداخلي النيجيرية، ولا سيما الشرطة الوطنية والدرك والحرس الوطني، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وتم تعيين العقيد فرانسيسكو إسبينوزا نافاس لقيادة البعثة للعام الأول، وتم إنشاء المقر الرئيسي للبعثة في نيامي بمكتبي اتصال في باماكو، مالي ونواكشوط، موريتانيا، في حين تم إغلاق مكاتب الاتصال في البلدان المجاورة في وقت لاحق، تم افتتاح مكتب ميداني في مدينة أغاديس شمال البلاد في عام 2016.
منع تدفق المهاجرين
التصدي للإرهاب ودعم الأمن ليس مجال التعاون الوحيد بين الاتحاد الأوروبي والنيجر حيث أطلق الجانبان في يوليو/تموز 2022 خطة مشتركة للتصدي لتهريب المهاجرين ومنع تدفقهم إلى ليبيا المجاورة، والذين يحاولون التسلل إلى السواحل أملًا في الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
واعتبر بيان صحفي مشترك صادر عن دولة النيجر والاتحاد الأوروبي، أن مكافحة تهريب المهاجرين تمثل تحديًا مشتركًا يتطلب تعاونًا وتنسيقًا قويين مع الدول الشريكة الرئيسية على طول طرق الهجرة، بما يتماشى مع نهج الاتحاد الأوروبي الشامل للهجرة.
وأبرز البيان، إشكالية المنطقة التي تقع فيها النيجر في قلب منطقة الساحل، وهي منذ عقود على مفترق طرق لتدفقات الهجرة إلى شمال وغرب أفريقيا وإلى الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن كونها مقصدًا للمهاجرين.
ولفت المصدر إلى جهود النيجر الكبيرة للتصدي لتهريب المهاجرين والمساعدة في إجلاء الأفراد المتضررين من ليبيا وضمان عودة كريمة للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم.
وفيما يتعلق بمضمون إجراءات الشراكة التشغيلية، فإنها تشتمل على ضمان تكيفها مع السياق المحيط بالهجرة وتطور الظاهرة نفسها، الأمر الذي سيعزز نجاح مهمة فريق التحقيق المشترك في النيجر، حيث يعمل مسؤولون من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والنيجر جنبًا إلى جنب، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، على تعطيل نموذج أعمال مهربي البشر والشبكات الإجرامية وفق البيان ذاته.
ومنذ العام 2017 تم اعتقال أكثر من 700 مجرم وبدء أكثر من 400 دعوى قضائية، إذ ستعمل الشراكة التشغيلية على تعظيم تأثير فريق العمل المشترك وتقوية الروابط مع تفعيل الأنشطة التشغيلية الأخرى في المنطقة للتصدي لتهريب المهاجرين. وأضاف البيان، أنه سيتم أيضًا إطلاق حملات إعلامية وتوعية جديدة لشرح مخاطر الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين، فضلًا عن تحديد البدائل الممكنة.
وتعد الصحراء الكبرى من أكثر طرق الهجرة خطورة وفتكًا في العالم، ووفقًا لمشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة، تم توثيق أكثر من ألفي حالة وفاة في صفوف المهاجرين منذ العام 2014، في الصحراء الكبرى وحدها، لكن الخبراء يعتقدون أن الأرقام أعلى.