سياسة
«داعش» يضرب بنيجيريا.. «العين الإخبارية» تتقصى سر التوقيت والتداعيات

تصاعدت الهجمات الإرهابية في نيجيريا، بعدما وجد تنظيم "داعش" موطئ قدم في البلد الأفريقي، فما سر التوقيت وما هي التداعيات المحتملة؟
"داعش" كثف هجماته في نيجيريا بتكتيكات جديدة، ليضع تحديات إضافية أمام السلطات الأمنية التي تكافح لمجابهة تنظيم "بوكو حرام"، مما ينذر بتطورات خطيرة في الوضع الأمني، ويعيد إلى الأذهان سنوات العنف الدامي في هذا البلد.
وفي آخر هجماته، قتل مسلحون تابعون لتنظيم "داعش" الإرهابي، 11 جنديا نيجيريا على الأقل، بعدما هاجموا قاعدة عسكرية في شمال شرقي البلاد وأحرقوها.
هجمات متلاحقة
واستهدف الهجوم قاعدة للجيش في ولاية "يوبي" في شمال شرق البلاد، وسط توقعات بارتفاع عدد القتلى في ظل استمرار فقدان العديد من الجنود، وأفادت مصادر عسكرية بأن مقاتلين من تنظيم "داعش" في غرب أفريقيا هاجموا قاعدة في بلدة "بوني غاري" في وقت متأخر الجمعة.
وتبعد قاعدة بوني غاري 60 كيلومترا عن داماتورو، عاصمة ولاية يوبي، وهي القاعدة الثامنة التي يهاجمها المسلحون خلال الشهرين الماضيين، كما صعّد تنظيم "داعش" في غرب أفريقيا ومنافسه "بوكو حرام" في الآونة الأخيرة هجماتهما على أهداف مدنية وعسكرية في شمال شرق نيجيريا.
وقُتل أكثر من 100 مدني في هجمات شنها مسلحون في أبريل الماضي، ووعد الرئيس النيجيري بولا تينوبو بتجهيز القوات بشكل أفضل لمكافحة تهديدات الإرهاب.
صراع نفوذ
ووفق تقارير واردة من المنطقة فإن وتيرة المعارك تتصاعد في شمال شرقي نيجيريا منذ أشهر، ما بين فصيلين من جماعة "بوكو حرام"، أحدهما يبايع تنظيم "داعش"، والآخر محتفظ بالولاء لتنظيم "القاعدة". وذكرت التقارير أن داعش يخسر في هذه المعارك.
كما حذرت مما سمته "مواجهة كبرى" ما بين "داعش" و "بوكو حرام"، ستكون تداعياتها خطيرة على السكان المحليين في منطقة حوض بحيرة تشاد، الواقعة على الحدود ما بين نيجيريا، وتشاد، والكاميرون والنيجر، وذلك بعد انهيار مساعي وساطة محلية من أجل تحقيق المصالحة بين التنظيمين.
جذور الصراع
وترجع جذور الصراع بين التنظيمين إلى عام 2016، حين أعلن فصيل من جماعة "بوكو حرام" الانشقاق عن تنظيم القاعدة ومبايعة تنظيم داعش، وأصبح يحمل اسم "داعش في غرب أفريقيا"، ومنذ ذلك الوقت يحاول الفصيل المنشق بسط نفوذه على المنطقة.ويسعى كل طرف إلى فرض سيطرته على المناطق الاستراتيجية الغنية في حوض بحيرة تشاد.
وفي ظل هذا الصراع شكّلت دول المنطقة (نيجيريا، وتشاد، والكاميرون، والنيجر وبنين) قوة عسكرية إقليمية مشتركة، هدفها توحيد الجهود من أجل القضاء على خطر الإرهاب.
وأعلنت هذه الدول أن قوتها العسكرية الإقليمية نجحت في تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، وأكدت في يناير/كانون الثاني الماضي أن القضاء على الإرهاب مسألة وقت.
وأضاف استخدام التنظيمات الإرهابية للطائرات المسيرة بعدا جديدا لهجماتها، ما يثير التساؤل مجددا حول سر التوقيت وأسباب تمدد الإرهاب في هذه المنطقة.
عوامل داخلية
وأرجع مدير المركز النيجيري للبحوث العربية البروفيسور الخضر عبدالباقي تزايد وتيرة الهجمات الإرهابية في نيجيريا والدول المتاخمة لها إلى مجموعة من العوامل الداخلية.
وقال عبدالباقي لـ"العين الإخبارية" إن الأزمات والتوتر الداخلي في بعض البلدان الأفريقية بما فيها نيجيريا والنيجر قد يكون له الدور الكبير في هذا التزايد، مضيفا أن هناك خلافات داخلية سياسية في نيجيريا، خاصة بين بعض الأطراف الذين ينتسبون إلى الأحزاب الكبيرة وأيضا داخل الحزب الحاكم.
وأشار إلى أن هناك حالات انشقاقات في بعض الأحزاب الكبيرة في البلاد، وأن هذه الانشقاقات تمثل شخصيات تثير الجهوية والمناطقية في نيجيريا، وقال إن هذه الجهوية من جهة الشمال الشرقي والتي ينشط فيها "بوكو حرام"، وكذلك في الغرب.
وأضاف أن كل تلك التوترات تعكس عدم اليقين في المشهد السياسي، بمعنى أن الذين يقودون المرحلة القادمة داخل الأحزاب هناك توتر فيما بينهم، موضحا أن هناك بعض الولايات في شرق البلاد لديها عدم استقرار سياسي.
ورأى أن تلك الخلافات تؤرق بعض القبائل مثل "الإيبو" في الشرق، وذلك ينعكس على الوضع العام في منطقة البحيرات العظمى والمناطق المتاخمة لنيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر.
وتابع أن التوترات التي تشهدها بعض الأطراف في نيجيريا قد ترفع من أسهم هذه الجماعات لتتحرك أكثر خاصة في المناطق البعيدة التي ينتمي إليها الساسة.
تحول خطير
بدوره، رأى الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور رامي زهدي أن ما يحدث في نيجيريا ليس مجرد تصعيد أمني طارئ، بل هو تحول استراتيجي خطير يعكس قدرة الجماعات الإرهابية على إعادة التموضع والتكتيك.
وقال زهدي لـ"العين الإخبارية" إن هذه الجماعات مستفيدة من الفوضى الإقليمية وضعف الحوكمة المحلية، لافتا إلى أن استخدام الطائرات المسيّرة في الهجمات يفتح صفحة جديدة من الإرهاب العابر للحدود.
وقال إن ذلك يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، إما دعم أفريقيا لفرض أمنها بنفسها، وإما مواجهة واقع يتحول فيه الساحل وغرب أفريقيا إلى نسخة من العراق وسوريا إبان سيطرة "داعش".
واعتبر أن توقيت الهجمات ربما يعود لضعف السلطة المركزية رغم انتخاب الرئيس بولا تينوبو، مشيرا إلى أن الحكومة النيجيرية لا تزال تُعاني من ضعف قبضة الدولة في مناطق الشمال الشرقي والوسط، حيث تنتشر جماعات مسلحة، وتعاني القوات من نقص التمويل والتدريب.
ولفت إلى الفراغ الأمني الإقليمي بعد تراجع التنسيق بين بلدان حوض بحيرة تشاد، نتيجة لانشغال تشاد والصراع الداخلي في السودان، وفشل جهود القوة المشتركة لمحاربة الإرهاب، وقال إن ذلك أدى إلى خلق بيئة ملائمة لإعادة تنظيم صفوف التنظيمات الإرهابية.
رسالة مزدوجة
وبحسب الخبير المصري، فإن التنظيمات الإرهابية تسعى لإيصال رسالة مزدوجة إلى الداخل النيجيري والمجتمع الدولي بأنّها ما زالت قادرة على تهديد الاستقرار في قلب أفريقيا، خاصة مع تزايد الضغط الدولي على "داعش" في ليبيا ومنطقة الساحل.
وقال إن الجماعات انتقلت من الهجمات الكلاسيكية إلى استخدام تكتيكات جديدة مثل الطائرات المسيّرة والاستهداف الدقيق للمدنيين والبنية التحتية، معتبرا أن ذلك تكرار جزئي لأساليب "داعش سوريا والعراق".
وأضاف: "حتى الذكاء الصناعي وبرامج السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية الحديثة أصبحت كلها أدوات دعم لأنشطة هذه الجماعات".
وتابع "تُظهر التحليلات الاستخباراتية أن هناك تدفقات سلاح من منطقة الساحل، خصوصًا من النيجر ومالي، بعد الانقلابات الأخيرة التي أدت إلى تفكيك العديد من الشراكات الأمنية الغربية"، ورأى أن هناك هشاشة أمنية حدودية تمكن من تنفيذ عمليات التهريب وتبادل المصالح وأعمال اللوجستيات غير المشروعة.
تمدد الخطر
وأشار الخبير المصري إلى الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة، وقال إن الجماعات الإرهابية تنشط و تتغذى على الفقر المدقع والبطالة ونقص الخدمات في المناطق الطرفية، مما يسمح لها بتجنيد الشباب ودفع السكان المحليين لتوفير الدعم اللوجستي.
وأضاف أن القاعدة الأساسية كلما زادت الظروف الاقتصادية والمجتمعية صعوبة كلما دعم ذلك من تنامي عمليات الإرهاب، محذرا من تداعيات إقليمية محتملة، وصفها بـ "الخطيرة والمتشابكة".
وقال إن تلك التداعيات المحتملة تشمل تمدد الخطر نحو دول الجوار، فالكاميرون، والنيجر، وتشاد معرضة لخطر تصاعد العمليات الإرهابية، وهو ما يهدد مشروع الاستقرار الإقليمي.
وأشار أيضا إلى تهديد خطوط النفط والغاز شمال نيجيريا وجنوبها، وهي خطوط مرتبطة بمشاريع حيوية للطاقة، وبالتالي فإن تزايد العمليات الإرهابية قد يهدد الإمدادات، مما يؤثر على الأمن الطاقي لأوروبا.
وقال إن هناك احتمالات متصاعدة لموجات نزوح جديدة، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن الهجمات الأخيرة قد تدفع عشرات الآلاف للنزوح، مما يشكّل عبئًا على الموارد الأممية والداخلية.