جائزة نوبل.. تكفير عن ذنب يتحول إلى تقدير عالمي
الجائزة تمثل تكريما لأشخاص لا يزالون على قيد الحياة، لأنها لا تمنح لأي شخص متوفى، مهما بلغ حجم إنجازاته العلمية وأهميتها
كان الكيميائي السويدي ألفريد نوبل يظن أن اختراع الديناميت الذي توصل له عام 1867 سيكون وسيلة للتطور والتقدم، لكنه اكتشف أنه صار أداة للقتل والدمار، الأمر الذي جعله يشعر بذنب كبير أراد أن يكفر عنه.
أوصى ألفريد نوبل بتخصيص معظم ثروته وأملاكه لإطلاق جائزة عالمية تحمل اسمه، وصارت هذه الجائزة، التي يتم منحها، الثلاثاء، للفائزين بها هذا العام، هي الأرفع عالميا.
ومنحت هذه الجائزة لأول مرة منذ 119 عاما، وتحديدا عام 1901 في فروع الفيزياء، الكيمياء، الأدب، والسلام، وعلم وظائف الأعضاء (الطب)، ثم أضيف لها في عام 1968، جائزة في العلوم الاقتصادية، والأخيرة دشنها البنك المركزي السويدي في ذكرى ألفريد نوبل.
وتمثل هذه الجائزة تكريما لأشخاص لا يزالون على قيد الحياة، ولا تمنح لأي شخص متوفى مهما بلغ حجم إنجازه العلمي وأهميته.
وتحرص اللجنة التي تقوم بترشيح الفائزين على أن يكون لأعمالهم دور واضح في خدمة البشرية، لذلك ليس من المستغرب أن يحصل أحد العلماء على الجائزة، رغم أن العمل الذي أهله يعود تاريخه إلى سنوات عديدة مضت، وذلك لأن هذا العمل احتاج بعض من الوقت حتى تظهر تأثيراته الإيجابية.
بطاريات "الليثيوم أيون"
منحت جائزة نوبل في الكيمياء هذا العام لـ3 علماء ساهموا في ظهور بطاريات "الليثيوم أيون"، مع أن الأساس العلمي لها تم وضعه مع أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي، حيث كانوا يبحثون عن تقنيات الطاقة الخالية من الوقود الأحفوري.
وأصبحت هذه البطاريات تستخدم في كل شيء بدءًا من الهواتف المحمولة حتى أجهزة الكمبيوتر المحمولة التي نستخدمها للتواصل والعمل والدراسة والاستماع إلى الموسيقى والبحث عن المعرفة.
كما أنها تستخدم أيضا في المركبات الكهربائية وتخزين الطاقة من مصادر متجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وبدأ البريطاني ستانلي ويتنجهام من جامعة ولاية نيويورك هذا العمل في السبعينيات، وحدث تطوير له عام 1980 على يد العالم الأمريكي جون جودنوف، البالغ من العمر 97 عاما، ومؤخرا جاء العالم الياباني ليستفيد مما أنجزه ويتنجهام وجودنوف، ليبتكر أول بطارية "ليثيوم أيون" قابلة للتطبيق عام 1985.
المثير أن العالم الأمريكي جون جودنوف سيصبح بعد تتويجه أكبر عالم يحصل على الجائزة، محطما الرقم القياسي السابق للعالم الأمريكي آرثر أشكِن، الذي فاز بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2018 عن عمر يناهز الـ96 عاما، مناصفة مع آخر.
نشأة الكون
كما منحت جائزة نوبل في الكيمياء لجهد بحثي بدأ في السبعينيات، وهو الأمر نفسه مع جائزة نوبل في الفيزياء التي منحت لثلاثة علماء أحدهم بدأ أبحاثه في الستينيات، وهو العالم الأمريكي الكندي الأصل جيمس بيبلز.
ومنحت أبحاث "بيبلز" نظرية "الانفجار العظيم حول نشأة الكون" الأساس العلمي، بعد أن كان ينظر لها على أنها نوع من "المضاربة" ليمنحه هذا الجهد البحثي المستمر منذ 59 عاما جائزة نوبل في الفيزياء مع عالمين آخرين هما السويسريان ميشيل مايور وديدييه كيلوز اللذان أعلنا في أكتوبر 1995 أول اكتشاف لكوكب خارج نظامنا الشمسي، يدور حول نجم في درب التبانة.
الأكسجين والأمراض
كانت اختيارات الفائزين بجائزة نوبل في الطب، نتيجة لنجاح علماء في استكمال جهود بحثية قديمة حول أهمية الأكسجين في العمليات الحيوية بالجسم.
ومنح العالم النمساوي أوتو فاربورج جائزة نوبل عام 1931، بعد اكتشافه أن عملية تحويل الغذاء إلى طاقة يتم بواسطة طاقة الخلية "الميتوكوندريا" الموجودة في جميع الخلايا تقريبا، وأن هذا التحويل عملية إنزيمية.
ومنحت جائزة نوبل عام 1938 للعالم كورنيل هيمانز، لاكتشافه أن استشعار الأكسجين في الدم عبر خلايا متخصصة متاخمة للأوعية الدموية الكبيرة على جانبي الرقبة، يتحكم في معدل التنفس عن طريق التواصل المباشر مع الدماغ.
وبالإضافة إلى هذا الاكتشاف، هناك الكثير من التكيفات الفسيولوجية الأساسية التي تحدث بالجسم عند نقص الأكسجين، منها ارتفاع مستويات هرمون "الإريثروبويتين" (EPO)، ما يؤدي إلى زيادة إنتاج خلايا الدم الحمراء (الكريات الحمر).
وظل تحكم الأكسجين في هذه العملية لغزا ساهمت أبحاث الحاصلين على جائزة نوبل هذا العام في تفسيره، وهما الأمريكيان وليام كيلين وجريج سيمينزا، بالإضافة إلى البريطاني بيتر راتكليف.
وساهمت أبحاث الثلاثة في معرفة كيفية شعور الخلايا وتأقلمها مع مستويات الأكسجين، وحددوا كيفية انعكاس ذلك على عملية الأيض الخلوية والوظيفة الفسيولوجية، وهو ما يمهد الطريق لاستراتيجيات جديدة واعدة لمكافحة فقر الدم والسرطان والعديد من الأمراض الأخرى، إما عن طريق تنشيط أو عرقلة آلية استشعار الأكسجين.
جائزة ثلاثية
ويبدو أن جوائز نوبل هذا العام حملت شعار "الثلاثة"، إذ منحت أيضا في فرع الاقتصاد لثلاثة فائزين، وهم الأمريكي أبهجيت بانيرجي المولود في الهند والفرنسية الأمريكية إستر دوفل والأمريكي مايكل كريمر عن أعمالهم حول الفقر.
وتعد دوفلو ثاني امرأة تنال جائزة نوبل في هذا الفرع، ليعد ذلك رقما قياسيا آخر هذا العام، إضافة لكون أحد الحاصلين على جائزة الكيمياء هو الأكبر في تاريخ الجائزة.
فرعا الأزمات
عادة لا تثير الفروع السابقة من الجائزة "الفيزياء - الكيمياء - الطب - الاقتصاد" جدلا، ولكن الجدل الذي يثار دائما يكون في الاختيارات الخاصة بفرعي الأدب والسلام.
وفي فرع الأدب، تم الإعلان هذا العام عن فائزين، أحدهما عن عام 2018 والآخر عن العام الحالي، وجاء ذلك لحجب جائزة عام 2018، بعد فضيحة اعتداء جنسي هزت الأكاديمية التي تمنح الجائزة.
وذهبت جائزة عام 2018 إلى الكاتبة البولندية أولجا توكارتشوك، في حين ذهبت نسخة الجائزة لعام 2019 إلى المؤلف النمساوي بيتر هاندكه الذي أثار اختياره جدلا واسع النطاق، وكأن قدر جائزة الأدب أن تثير دوما الجدل.
وجاء الجدل هذه المرة لمواقف هاندكه السياسية ومناصرته لحرب الصرب على البوسنة والهرسك، وإلقائه كلمة عام 2006 في جنازة مجرم الحرب الصربي "سلوبودان ميلوسوفيتش".
الجائزة في أرقام
جائزة السلام هي الوحيدة التي تمنح في احتفال يقام في قاعة مدينة أوسلو بالنرويج، بينما تمنح باقي الجوائز في احتفال يقام بالأكاديمية الملكية الموسيقية في مدينة ستوكهولم السويدية، ويحضرها ملك السويد.
ولم يحضر الملك تسليم الجوائز عام 1901، ولكن بداية من 1902 قام بنفسه بتسليم الجائزة، ويقال إن الملك "أوسكار الثاني"، ملك السويد وقتها، تردد في بداية الأمر في تسليم جائزة وطنية لغير السويديين، ولكنه تقبل الوضع فيما بعد لإدراكه للدعاية العالمية التي ستجنيها السويد.
ومنحت جائزة نوبل منذ بدايتها حتى عام 2019 إلى 27 مؤسسة وهيئة، 857 رجلا و51 امرأة، وحملت عالمة الفيزياء والكيمياء البولندية ماري كوري الجائزة مرتين، إحداها في الفيزياء عام 1903 والأخرى في الكيمياء عام 1911، كما أنها كانت أول سيدة تحصل عليها.
وهناك مفارقة أخرى لها علاقة بتلك العالمة، وهي أن ابنتها إيرين جوليوكوري وزوج ابنتها فردريك جوليوكوري اقتسما جائزة نوبل لعام 1935 في الطب.
وتعد الولايات المتحدة هي أكثر الدول الحاصلة على الجائزة بعدد (384) تليها بريطانيا بعدد (132) ثم ألمانيا (108) وفرنسا (70) والسويد (32) واليابان وسويسرا (28).
aXA6IDMuMTQ2LjEwNy4xNDQg جزيرة ام اند امز