المخطط التهويدي الجديد لبعض المربعات داخل الأحياء الشرقية لمدينة القدس، يأتي في اطار الحرب غير التقليدية، والمُتصاعدة ولو في شكلٍ خافت ومن دون ضجيجٍ كبير معظم الأحيان
المخطط التهويدي الجديد لبعض المربعات داخل الأحياء الشرقية لمدينة القدس، يأتي في اطار الحرب غير التقليدية، والمُتصاعدة ولو في شكلٍ خافت ومن دون ضجيجٍ كبير معظم الأحيان، والتي تَشُنها سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» ضد المواطنين المقدسيين أصحاب الوطن الأصليين داخل أحياء المدينة على وجه التحديد. حرب لا تُستخدم فيها الأسلحة التقليدية، إنما يُستخدم فيها سلاحان مزدوجان: أولهما عملية مصادر البيوت والضغط على الناس بوسائل مُختلفة، ومنها «التطفيش» والمضايقات اليومية، والتهديد بسحب الهويات المقدسية، وحتى الإغراء المالي، لبيع منازلهم لمجموعات يهودية تعمل، وتحت عناوين مختلفة على الانتشار داخل الأحياء الشرقية من المدينة لتهويدها من داخلها. وثانيهما استخدام السلاسل والزنازين وحملات الاعتقال ضد مواطنين مدنيين عُزّل، وأحياناً القليل من الرصاص الحي والرصاص المطاطي، لكبح عمل مجموعات النشطاء السلميين من الشبان والشابات في دفاعهم عن القدس والأقصى.
فقد شَهِدَت الأشهر الأخيرة، ارتفاعاً مُتسارعاً في محاولات شراء عقارات من أصحابها داخل أحياء الجزء الشرقي من المدينة، وتوجيه انذارت لبعض أصحابها بالإخلاء تحت عنوان التطوير العمراني والخرائط الجديدة، والتعويض المالي لهم. كما شَهِدَت الشهور الأخيرة أيضاً تزايد وتيرة الاعتقالات من سلطات الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين في شكلٍ عام، حيث تُشير الإحصائيات الحقوقية إلى أن سلطات الاحتلال اعتقلت أكثر من (5677) مواطناً فلسطينيًا منذ بداية انتفاضة القدس مطلع تشرين أول (أكتوبر) 2015، منهم مايزيد عن (1872) مواطناً فلسطينياً من أبناء الجزء الشرقي من مدينة القدس. وذلك بحجج مُختلفة، منها التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات ضد الاحتلال ووجوده، الأمر الذي يَدُلُ على مدى فعالية العمل السلمي الشعبي من الفلسطينيين والداعمين لعملهم في مواجهة سلطات الاحتلال.
سلطات الاحتلال، تَعتَرِف الآن، وتُقِرّ، بأن المُدونات ومواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية في الداخل، والتي يديرها نُشطاء سلميين من الشبان والشابات وحتى الفتيان الفلسطينيين، وخصوصاً في منطقة القدس، تَلعَبُ دوراً مهماً في الكفاح السلمي، وفي إشعال الحماس ضد وجود الاحتلال وتجسيداته على الأرض، وفي تحشيد الناس لمناهضة الاحتلال، ومقاومته، ومقارعته بالوسائل الحضارية المُتوافرة، والدفاع عن الأقصى بالطرق السلمية، واتباع طريق وخيارات الكفاح الشعبي الجماهيري، بما في ذلك إقامة الحشودات والسلاسل البشرية، ودَفع الناس لتوسيع عملية الصلاة في الأقصى، وصلاة ظهر يوم الجمعة.
وانطلاقاً من ذلك شَمِلت الاعتقالات التي قامت بها قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية خلال الأشهر الأخيرة، شباناً وناشطين وصحافيين، منهم الصحافية المقدسية (سماح دويك) حيث تم الحُكم عليها بالسجن لمدة ستة أشهر بسبب استخدامها كلمتي (شهيد) و (انتفاضة) اللتين اعتبرتهما سلطات الاحتلال من الكلمات المُحرضة على العنف.
وهكذا أصبحت منشورات بعض المقدسيين على المدونات وعلى صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تُثير الرعب لدى أجهزة أمن الإحتلال وجيشه - على رغم لغتها الحضارية الراقية في مواجهة الاحتلال، وابتعادها عن لغة الصلف والغرور والفاشية والعنصرية التي تزخر بها المدونات العائدة للإسرائيليين - الأمر الذي استدعى من المَراجِع «الإسرائيلية» العمل السريع على تأسيس فرق خاصة لمراقبة حسابات مواقع التواصل الاجتماعية في فلسطين، خصوصاً مع نجاح العديد من الحملات الداعمة لانتفاضة القدس والأقصى.
في هذا السياق، علينا أن نلاحظ أن الأعمال الاستفزازية لجماعات المستوطنين، لم تتوقف، بل وتزايدت في شكلٍ عام، في القدس الشرقية المحتلة، وقد اقتحم (8960) مستوطنًا وشرطياً باحات المسجد الأقصى منذ بداية العام الحالي 2016، معظمهم من المستوطنين ونشطاء وأفراد الجماعات اليهودية المتطرفة، ومنظمات الهيكل المزعوم وفق تقرير اعتمد التوثيق الميداني اليومي ومعلومات دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، منهم (7183) مستوطنًا، و (482) من عناصر مخابرات «الاحتلال الإسرائيلي»، إضافة لـ (241) من الجنود بزيهم العسكري والشرطة بزيهم الخاص.
وتُشير المعطيات التي نشرها المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان في فلسطين أن نيسان (إبريل) الماضي 2016، كان الأكثر عدداً في الاقتحامات التي قامت بها جماعات المستوطنين وجنود الاحتلال لباحات المسجد الأقصى، إذ وصل عدد المقتحمين فيه الى (1908)، تلاه حزيران (يونيو) الماضي بواقع (1335) مقتحماً، فيما أطلق ناشطون صهاينة في فعاليات بناء «الهيكل» المزعوم واقتحام المسجد الأقصى حملة لجمع تبرعات، استكمالًا لتمويل مشروع لبناء تطبيق إلكتروني بهدف تكثيف الاقتحامات اليهودية للأقصى. وقد لقيت المبادرة تأييدًا من قيادات دينية يهودية عدة، والتي دعت إلى دعم المشروع.
ما يهمنا هنا، القول إن المدينة المُقدسة تحت المهداف «الإسرائيلي» أكثر من أي وقتٍ مضى، وتحت زحف غول الاستيطان والتهويد، وهو مايستدعي أدواراً استثنائية لدعم المدينة، وإسناد مواطنيها، وفي شكلٍ ملموس بكل أسباب التمكين والبقاء على أرضها في مواجهة الاحتلال وسياساته.
نقلاً عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة