بلغ هذا التوافق السعودي الإماراتي ذروته في عملية "عاصفة الحزم" في اليمين الشقيق، حين امتزج الدم السعودي بالإماراتي على أرض يمن العروبة.
في الـ23 من سبتمبر 1932 أصدر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أمرا ملكيا للإعلان عن توحيد المملكة العربية السعودية، ليكون هذا الإعلان إيذانا بتحوّل المملكة من مناطق تقطنها قبائل متناحرة إلى وطن يتوحد فيه الجميع تحت راية التوحيد وينعم مواطنوه والمقيمون على أرضه بالأمن والاستقرار، ومنذ ذلك اليوم وهذا البلد العربي الأصيل يمضي بخطوات متسارعة نحو تبوّء المكانة المتميزة التي تليق بالمملكة ليس على الصعيد الإقليمي فحسب بل على المستوى العالمي أيضا.
وبالنظر إلى الأوقات العصيبة التي مرّت بها المنطقة منذ توحيد المملكة، فإنه يحسب لملوك المملكة وقادتها حنكتهم السياسية وحسن إدارتهم للأزمات، وهو ما وضع المملكة في مصاف الدول القيادية والمؤسسة للعديد من المنظمات والهيئات الدولية في العالم وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة حيث تعد المملكة عضوا مؤسسا لهذه المنظمة، وقبل ذلك، فإن المملكة تعد أيضا عضوا مؤسسا في جامعة الدول العربية التي تأسست قبل المنظمة الدولية، واليوم تعد المملكة ذلك الرقم الصعب واللاعب الأساسي في كل العلاقات الدولية الذي يحسب له العالم ألف حساب، وذلك بفضل علاقاتها الدبلوماسية المتميزة مع جميع دول العالم علاوة على مكانتها الاقتصادية الراسخة والقوية والتي جعلت منها عضوا فاعلا في مجموعة العشرين.
والمتابع لمسيرة المملكة العربية السعودية خلال عهد ملوكها السبعة منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز وأبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله "رحمهم الله"، وامتدادا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، يلاحظ حجم التطور الكبير الذي شهدته المملكة في جميع المجالات كالاقتصاد والتعليم والبنية التحتية والقوة العسكرية، بحيث باتت المملكة صمام أمان لجميع دول المنطقة بحكم مكانتها الدينية كونها مهبط الوحي وقبلة المسلمين علاوة على مكانتيها السياسية والعسكرية، هذه المكانة التي حتّمت على المملكة أن تكون في موقع القيادة للوطن العربي، خاصة في ظل التهديدات والأزمات التي باتت تحيط بالوطن العربي من كل حدب وصوب.
وفي الوقت الذي تمر فيه علينا ذكرى اليوم الوطني الـ86 للمملكة العربية السعودية، لمس الجميع حجم الاحتفاء بهذا اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي اكتست مبانيها ومعالمها العمرانية باللون الأخضر ورفرف في طرقها وساحاتها الرئيسة علم الشقيقة الكبرى بكل عز وافتخار، ورددت حناجر طلاب الإمارات وطالباتها السلام الملكي السعودي، وتُوّج هذا الاحتفاء بإطلاق اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على أحد أهم الطرق الرئيسة في دبي، ويعلم مواطنو البلدين أن هذه العلاقة المتميزة والقوية التي تربط البلدين الشقيقين لم تكن وليدة العهد القريب بل امتدت على مدى التاريخ الطويل للمنطقة عبر العلاقات والروابط الاجتماعية بين شعبي البلدين، وبعد قيام الاتحاد تطابقت المواقف السعودية الإماراتية في كل القضايا الإقليمية والعالمية، فما زال العالم يتذكر ذلك الموقف الشجاع للبلدين الشقيقين بإعلان حظر بيع النفط للدول الداعمة لإسرائيل خلال حرب 1973 بقرار من الملك فيصل والشيخ زايد رحمهما الله.
وامتد هذا التطابق في الموقف السياسي إلى حرب تحرير دولة الكويت الشقيقة من العدوان العراقي الغاشم والذي شكل منعطفا قويا في العلاقات بين البلدين ودفع بها إلى المزيد من الترابط والمتانة، ناهيك عن المواقف الموحدة في العديد من القضايا التي تهم المنطقة، ومع بداية ما سمّي بأحداث "الربيع العربي" الذي جلب الويلات والمآسي للكثير من الشعوب العربية، وكان سببا رئيسا في انعدام الأمن والاستقرار في الوطن العربي مما جعل منه هدفا للكثير من القوى الإقليمية والدولية، كان لقيادتي البلدين الشقيقين موقف موحد وثابت تجاه العديد من الأزمات والقضايا التي حلت بالعديد من الدول العربية، ويأتي في مقدمتها الموقف الأصيل والحازم تجاه التدخلات الإيرانية في مملكة البحرين الشقيقة والذي لعبت فيه المملكة والإمارات دورا محوريا ومؤثرا في دعم مملكة البحرين وتعزيز الاستقرار فيها، من خلال إرسال قوات "درع الجزيرة" والوقوف بشكل حازم تجاه الأطماع الإيرانية في البحرين، ولا يمكن للمتابع أن ينسى تلك المواقف الثابتة التي عبرت عنها المملكة والإمارات في جميع المحافل الدولية بتقديم الدعم الكامل للقيادة البحرينية وشعبها تجاه ما تعرضت له من استفزازات سياسية وعمليات إرهابية من إيران وأذنابها.
ومع توالي أحداث مصائب "الربيع العربي" كان للموقف السعودي الإماراتي الدور البارز والمؤثر في استقرار الغالية مصر بعد أحداث ثورة الـ30 من يونيو والتي عبّر عنها الملايين من الشعب المصري الشقيق برفضهم لحكم جماعة الإخوان الإرهابية، حيث وقفت السعودية والإمارات موقفا قويا وملموسا من خلال الرحلات المكوكية إلى العديد من العواصم والمدن العالمية التي قام بها كل من الراحل الأمير سعود الفيصل "رحمه الله" وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لدعم مصر وتوضيح خطورة تلك العصابة المجرمة التي حاولت زعزعة استقرار مصر وإخراجها من حضنها العربي، وتواصل هذا الدعم للشقيقة مصر من خلال الدعم السياسي والاقتصادي، حيث قدمت السعودية والإمارات عشرات المليارات دعما للتنمية والاستقرار في مصر، وتم تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كجماعة إرهابية محظورة في البلدان الثلاث السعودية والإمارات ومصر.
وبلغ هذا التوافق السعودي الإماراتي ذروته في عملية "عاصفة الحزم" في اليمين الشقيق، حين امتزج الدم السعودي بالإماراتي على أرض يمن العروبة، في موقف بطولي سيذكره التاريخ للأجيال القادمة بكل فخر واعتزاز، حيث كان للتدخل العسكري للبلدين بجانب أشقائهما في التحالف العربي الدور الأكبر في دحر عصابات الحوثي وصالح ودعم الحكومة الشرعية في اليمن، وهو ما كان له الدور الأكبر في قطع الطريق على الميليشيات الحوثية وعصابات المخلوع من اختطاف اليمن وتسليمه على طبق من ذهب لإيران، وهو الموقف الذي شكّل علامة فارقة في العلاقات السعودية الإماراتية وعبرت عنه قيادتا البلدين في العديد من المناسبات، ومنها تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بمناسبة اليوم الوطني الـ86 للمملكة حيث قال سموه "إن دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية إخوة متعاضدون وأشقاء متحالفون يدافعون عن أوطانهم وعن أرض الحرمين، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ملك السعودية، رجل دولة، وصاحب موقف، وصانع قرار في المنطقة، أجمع شعبه على محبته، وأجمع المسلمون على صدق نيته في خدمة دينه"، وكذلك تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة حيث قال سموه "نحتفل مع أشقائنا في المملكة في ذكرى يومها الوطني الـ 86، يوم له دلالته العميقة في انطلاق المسيرة لخير المملكة وخدمة المسلمين، ونبارك للقيادة والشعب السعودي باليوم الوطني ونثمن مواقف خادم الحرمين الشريفين التي أعادت للعرب والمسلمين روح التلاحم والتكاتف".
إن العلاقات المتميزة بين قيادتي البلدين ممثلة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود "حفظهما الله" تمضي بثبات وثقة نحو مزيد من التقارب والتآخي، وما احتفال الإمارات قيادة وشعبا باليوم الوطني السعودي إلّا تأكيد على المكانة الكبيرة والمتميزة التي تحظى بها المملكة الحبيبة في قلوب أبناء الإمارات التي تنبض بحب السعودية، فكلنا إيمان وثقة بأن أي تقدّم وازدهار واستقرار تنعم به المملكة فإن الإمارات أكبر المستفيدين من ذلك، وأن أي تقارب بين البلدين هو بمثابة مسمار يدق في نعش كل عدو لأمتنا العربية والإسلامية، أصدق التهاني وأطيب الأمنيات بأن يمُنّ الله عزّ وجل بالأمن والاستقرار والتقدم والازدهار على مملكتنا الغالية وعلى ملكها وقيادتها وشعبها الكريم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة