حسنًا، نضع الأخلاق والقيم والمواثيق الُملزمة حيالها جانبًا ونحصر همنا في المصالح
حسنًا، نضع الأخلاق والقيم والمواثيق الُملزمة حيالها جانبًا ونحصر همنا في المصالح، فسياسات الدول، وهذا ليس اختراعًا للبارود، تحركها المصالح أوًلا وأساسًا. والعالم، حتى إشعار آخر، مؤسس على دول. أما التحدي الذي يواجهه واقع الدول، إذا ما أخذنا في الحسبان «بريكزيت» من جهة، وحروب الهويات من جهة أخرى، فليس تجاوزه إلى ما هو أعلى منه، أي أكثر إنسانية وأخلاقية، بل الانتكاس به إلى ما هو أدنى، أي أقل إنسانية وأخلاقية.
إذًا، ومن دون أوهام أو قياس على عوالم مفترضة أو طوباوية، لنتحدث في المصالح فحسب.
فسورية، أي قلب المشرق العربي، تحترق على يد حاكم ونظام يندر أن يوجد ما يماثلهما في الوحشية. مع هذا، لا يحصل أي تدخل دولي لكّف يدهما. لا «اليسار» يريد ذلك لأنه ليس تدخليًا، ولا «اليمين» لأنه ليس دوليًا. لكن الوحشية لا يقتصر فاعلوها على نظام وحاكم، إذ هناك دولتان على الأقل، هما روسيا وإيران، تشاركان بهمة في إنزال هذه الوحشية بالسوريين، ومعهما عدد من المليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية. وما تفعله هذه الأطراف يوسع النفوذ الروسي الإيراني في سورية وفي المشرق العربي تاليًا. مع هذا، لا يحصل أي تدخل دولي لإنجاد السوريين، ولو كان ذلك مجرد ذريعة لصد النفوذين الروسي والإيراني. لا «اليسار» يريد ذلك ولا «اليمين».
وما دام أن الغرب عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، هما حتى إشعار آخر، الراسم الأول للخرائط والمحدد الأول للمعاني، جاز التساؤل الحارق والجارح لنرجسيتنا: هل نفتقر في الصفري بحيث لا نصلح ذريعة لدفاع الآخرين عن مصالحهم المفترضة؟ وهل بتنا فعًلا مجرد «جيران» لإسرائيل بعدما صرنا نفتقر إلى أهمية الجيرة مع حقول النفط العربية وطرق إمداداته بسبب انخفاض سعر النفط؟
صحيح أن الأوبامية، المسنودة بمزاج طاٍغ على الرأي العام الغربي، تفسر إدارة الظهر هذه.
والحجج، المعلنة أو الضمنية، صارت أكثر من معروفة: الاقتصادات تتجه إلى آسيا والباسيفيكي، وتجربتا العراق وليبيا عميقتا التأثير، والمعارضة السورية لم تعرف كيف تخاطب العالم، فيما إسلاميوها كفيلون بتنفيره... إلخ، لكْن من قال إن حالات التدخل السابقة كانت دائمًا تستند إلى نظريات وأيديولوجيات تدخلية؟ فليندون جونسون، مثًلا، حين تورط في فيتنام لم يكن ذا وعي تدخلي، وكان همه الأساس «الحرب على الفقر» في بلاده، إلا أنه انجر تحت وطأة ما تراءى لإدارته تمددًا للنفوذ الشيوعي، السوفياتي الصيني، في جنوب شرق آسيا؟ وبدوره فجورج دبليو بوش الذي فاز في انتخابات 2000 الرئاسية وهو يرفع شعار المناهضة لـ «بناء الأمم» الكلينتوني، تحول إلى صقر حربي لا سابق له نتيجة ما تراءى لإدارته مصلحة استراتيجية.
إذًا، السوابق لا تجيز إلا الإلحاح على السؤال إياه: هل نفتقر في سورية وفي المشرق العربي إلى ما يخاطب المصالح؟ وهل يصل افتقارنا إلى هذا الحد الصفري؟ هل بتنا فعًلا مجرد «جيران» لإسرائيل؟
سؤال كهذا ينبغي أن يؤرق الجميع، أكانوا مناهضين للأسد أم مؤيدين له عن قناعة ولأسباب أيديولوجية، وأن يتقدم بقية الأسئلة. فهو واقع يقول إننا بتنا جميعًا بلا أي وزن في هذا العالم الذي لا يستحضرنا إلا في صورتي اللاجئ والإرهابي. أما السؤال الآخر الذي لا بد من أن يلي، فَمن المسؤول عن أيلولة المنطقة إلى هذا البؤس المريع؟ غني عن القول إن حاًلاُمرًا كهذا لا يطاول فريقًا بعينه أو جماعة بعينها. وهو، بالطبع، ليس «أزمة» أو «كبوة». إنه يطاول منطقة برمتها وبجميع فرقائها، وسيبقى يطاولها إلى زمن مديد.
نقلا عن / الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة