ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما مساء الثلاثاء الماضي خطابه الأخير كرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما مساء الثلاثاء الماضي خطابه الأخير كرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لم يكن أوباما كعادته منفعلاً. هو يقدم نفسه عادة على أنه الرئيس الذي يريد حل الأزمات عبر الدبلوماسية. ولعل نجاح المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي هو أبرز إنجازات أوباما.
لكن أوباما ليس مختلفاً عن غيره من الرؤساء الأمريكيين. سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً فإن الجميع يعمل للمصالح الأمريكية. هذه تتطلب أحياناً شن الحروب وأحياناً جهداً دبلوماسياً. في فييتنام مثلاً كان العمل الأمريكي مختلطاً بين الحرب والدبلوماسية. في العراق كانت الحرب هي وسيلة الأمريكيين لتحقيق مصالحهم. كانت حرب العراق القضية الأكبر في تاريخ العلاقات الدولية. كذبتان عن علاقة صدام حسين بتنظيم «القاعدة» وثانية عن أسلحة الدمار الشامل كانتا كافيتين لتدمير بلد بأكمله لا يزال جرحه ينزف دماً ودماراً.
في سوريا كان الوضع أكثر «ذكاء». رفع باراك أوباما عند قدومه إلى البيت الأبيض شعار الخروج من أفغانستان ومن العراق ومغادرة زمن الحروب.
لم يكن هذا سوى تغيير وسائط الوصول إلى المصالح الأمريكية، لتنتقل الولايات المتحدة من الحروب المباشرة إلى الحروب بالوكالة.
إن إظهار صورة أوباما على أنه رسول سلام وليس مثل جورج بوش الابن (وكذلك الأب) داعية حروب وغزوات كان في أساس منحه جائزة نوبل للسلام في أول عهده ولم يكن بعد قد حقق أي إنجاز.
ولكن إذا قمنا بإلقاء نظرة خاطفة على ولايتي أوباما الأولى والثانية نجد أن ما يسمى مثلاً ب «الربيع العربي» قد حدث خلالهما بل في منتصف ولايته الأولى. بما يمكن أن يفيد بأن السنتين الأوليين من عهد أوباما كان مرحلة التحضير لهذا الربيع الدموي الذي لم تكن شعاراته سوى ذر الرماد في العيون. وإلا فكيف تنقلب كل «الثورات» في كل البلدان التي حلت فيها إلى جحيم أحرق الأخضر واليابس وأدخل المجتمعات المعنية في صراعات غير مسبوقة وأنتج حساسيات دينية ومذهبية وإثنية لم تكن موجودة أو على الأقل غير مؤثرة؟
لقد رفع أوباما شعار عدم تورط أمريكا في الحروب. هذا كان يعني تحييد الدم الأمريكي. لكن كان بحاجة لأدوات وسيطة للقتال. من هنا نشأت هذه التنظيمات المتشددة التي استطاعت بسرعة قياسية من السيطرة والتمدد على مساحات واسعة من سوريا والعراق وليبيا. واليمن ليست بعيدة عن المشهد الدموي هذا.
سنوات من الحروب على الأرض بين الجيوش المحلية وتنظيمات ليست دولاً. اشتغل أوباما على توظيف هذه التنظيمات لتغيير المعادلة مع فارق أن نتائج حروب الدول قد تكون أكبر لكن الجراح التي تتركها حروب التنظيمات وهي بجزء منها من المكونات المحلية هي التي تترك آثاراً بعيدة المدى، حيث يكون الدم هو الفيصل بين الأخ وأخيه.
من هذه الزاوية فإن حروب أوباما بالوكالة هي أكثر خطورة و«ذكاء» غير إنساني من دون إراقة نقطة دم أمريكي واحدة.
هي غرفة عمليات قد تشارك فيها دول أخرى وأطراف متعددة لكن الأساس هو الدور الأمريكي فيها. ليس من قوة عبقرية قادرة على أن تدير كل هذا الكم من المعارك على مساحة واسعة في العالم الإسلامي من سوريا إلى ليبيا ومن العراق إلى اليمن وصولاً إلى تونس ومالي ونيجيريا وماليزيا وغيرهم ، سوى أن تكون دولة عظمى وليست دولة عادية أو حتى متوسطة الحجم. هذه ليست من أعمال تنظيمات يختبئ قادتها تحت سابع أرض وفي المغاور. وفي أساس أهداف هذه الحروب استمرارها لمزيد من استنزاف قدرات العدو والذي هو هنا شعوب المنطقة. بحيث يكون الرابح الأكبر هنا الكيان «الإسرائيلي» ومعه الولايات المتحدة.
لذلك عندما يخرج أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة واصفاً «إسرائيل» بأنها دولة محتلة ويجب أن تنهي هذا الاحتلال، فلا يعمل سوى في المزيد من تضليل العالم وخداعه ومن زرع الأوهام في نفوس شعوب المنطقة ولاسيما الشعب الفلسطيني. وإلا فماذا فعل أوباما خلال ثماني سنوات من حكمه لكي يحل القضية الفلسطينية ولو مليمتر واحد؟ ولو كان مخلصاً في توصيفه الأخير ل«إسرائيل» لما كان وقّع قبل يومين من خطابه أمام الأمم المتحدة على أكبر مساعدات عسكرية في تاريخ أمريكا ل«إسرائيل» بلغ مقدارها 38 مليار دولار كانت «هدية» أوباما قبل أن يغادر البيت الأبيض مسلّماً الرئاسة لرئيس آخر لا يختلف عن سلفه وأسلافه إلا بالاسم.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة