بين القصف والنزوح المحفوف بالموت.. سكان شمال غزة أمام خيارات مرّة
إما النزوح في «رحلة محفوفة بالمخاطر»، تحت وقع القصف المتواصل، أو القتل في «حرب مستعرة بلا هوادة».
هذا هو حال مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة، خصوصا في مخيم جباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون.
تلك الصورة «القاتمة»، رسمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيانين منفصلين، حول الأوضاع في شمال القطاع.
وحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، فإنه قُتل 20 فلسطينيا على الأقل في غارة جوية استهدفت عدة منازل في مخيم جباليا، أكبر مخيمات قطاع غزة، كما قُتل 40 فلسطينيا في قصف جوي استهدف منطقة سكنية في بيت لاهيا، القريبة من مخيم جباليا.
واستهدف القصف المدفعي الإسرائيلي اليوم مخيم جباليا، وبلدة بيت لاهيا، ومحيط منطقتي التوام، والصفطاوي، كما استمر قطع شبكة الاتصالات والإنترنت عن الشمال منذ أكثر من أسبوع.
وأفادت مصادر طبية، بأن الهجمات التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ ثلاثة أسابيع على جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا في شمال القطاع أسفرت حتى الآن عن مقتل نحو 1000 شخص، حسب "وفا".
صدمة أممية
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان نشره المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك، على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، إن محنة المدنيين الفلسطينيين المحاصرين في شمال غزة لا تطاق، مضيفا: "خلال أسابيع قليلة فقط، قُتل المئات، وأُجبر أكثر من ستين ألف شخص آخرين على الفرار مرة أخرى، وكثيرون منهم يخشون عدم قدرتهم على العودة".
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن "صدمته إزاء المستويات المروعة من الموت والإصابة والدمار في الشمال، إذ حوصر المدنيون تحت الأنقاض، وحُرم المرضى والجرحى من الرعاية الصحية المنقذة للحياة، وتفتقر الأسر إلى الغذاء والمأوى، وسط تقارير عن تشتت الأسر واحتجاز العديد من الأشخاص".
وأوضح أن السلطات الإسرائيلية تستمر في رفض تقديم المحاولات المتكررة لإيصال الإمدادات الإنسانية الضرورية للبقاء على قيد الحياة، كالغذاء والدواء والمأوى، باستثناءات قليلة، الأمر الذي يعرض حياة أعداد لا حصر لها من الناس للخطر، كما يؤدي تأجيل المرحلة النهائية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في شمال غزة إلى تعريض حياة الآلاف من الأطفال للخطر.
وحذر الأمين العام من أن الدمار الواسع النطاق والحرمان الناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال غزة، وخاصة حول جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، يجعلان ظروف الحياة غير محتملة بالنسبة للسكان الفلسطينيين هناك.
إما التهجير أو الموت
من جهته، رسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، صورة أكثر تفصيلا عن الأوضاع في القطاع، عبر بيان نشره الموقع الرسمي للمفوضية السامية.
وقال تورك إن "شمال غزة يعيش أحلك لحظات الصراع، إذ يُعرض الجيش الإسرائيلي السكان بأكملهم للقصف والحصار وخطر المجاعة، فضلاً عن إجبارهم على الاختيار بين التهجير الجماعي أو أن يعلقوا في منطقة نزاع نشط".
وأضاف: "القصف في شمال غزة لا يتوقف، وأمر الجيش الإسرائيلي مئات الآلاف بالإخلاء، دون ضمانات بالعودة"، لافتا إلى أنه "لا توجد وسيلة آمنة للمغادرة: فالقنابل تتساقط باستمرار، والجيش الإسرائيلي يفصل بين العائلات ويعتقل الكثيرين، كما تفيد تقارير بأن الذين يفرون يتعرضون لإطلاق النار".
وتابع: "الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم بشكل لا يمكن تصوره، فسياسات الحكومة الإسرائيلية وممارساتها في شمال غزة تهدد بإفراغ المنطقة من جميع الفلسطينيين، لذا فنحن نواجه ما يمكن أن يرقى إلى مستوى الجرائم الوحشية، بما في ذلك ما يحتمل أن تصل إلى الجرائم ضد الإنسانية".
خطة الجنرالات
وأثارت سياسة إسرائيل بتهجير سكان شمال قطاع غزة، مخاوف لدى السكان من أنها تنفذ ما تسمى "خطة الجنرالات"، التي صاغها الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيؤرا آيلاند، وعدد من الضباط اليمينيين القدامى.
وتنص الخطة على إخلاء شمال قطاع غزة من السكان، ومنحهم فترة أسبوع للرحيل قبل فرض حصار مشدد على المنطقة لإبقاء المسلحين أمام خيار الموت أو الاستسلام. ولا تتضمن الخطة ما يشير إلى السماح للسكان بالعودة.
وأوضح تورك أن "تقارير تفيد بأن الجماعات الفلسطينية المسلحة تواصل العمل بين المدنيين، بما في ذلك أماكن الإيواء، مما يعرض المدنيين للخطر، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق".
وأكد أن "إمكانية الوصول إلى شمال قطاع غزة محدودة جداً، ولم تصل أي مساعدات إلى المنطقة منذ أسابيع، لذا يواجه الكثيرون الآن خطر المجاعة".
وأشار إلى أن "الجيش الإسرائيلي يقوم بقصف المستشفيات، حيث قُتل وجُرح موظفون ومرضى أو أُجبِروا على الإخلاء، كما تتعرض الملاجئ، التي كانت في السابق مدارس، للقصف يوميا، في وقت يبقى الاتصال مع العالم الخارجي محدوداً للغاية".
وقال إن "التقارير تفيد بأن أكثر من 150 ألف شخص قد قُتلوا أو أصيبوا أو فُقدوا في غزة، وأخشى أن يرتفع هذا العدد بشكل كبير، بالنظر إلى كثافة واتساع نطاق العملية الإسرائيلية الجارية حالياً في شمال غزة وحجمها وطبيعتها القاسية".
في غضون ذلك، قُتل تسعة فلسطينيين، بينهم ثلاثة صحفيين، في قصف إسرائيلي اليوم الأحد، استهدف مدرسة تؤوي نازحين في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية.