صواريخ كوريا الشمالية.. وتيرة بمدار النار والغضب
تجارب صاروخية مكثفة تجريها كوريا الشمالية، منذ مطلع 2022، ترفع وتيرة الغضب والنار في شبه الجزيرة الكورية الرابضة على بركان التوترات.
فمنذ يناير/ كانون ثاني الماضي، أطلقت بيونغ يانغ 23 صاروخا، بينها 5 جولات خلال الأيام العشر الماضية فقط، بما في ذلك الثلاثاء، عندما أطلقت صاروخين باليستيين تجاه مياهها الشرقية، بحسب مسؤولين يابانيين وكوريين جنوبيين.
لكن التجربة التي أجرتها، الثلاثاء، زادت المخاطر بشكل كبير؛ حيث أطلقت صاروخا فوق اليابان للمرة الأولى منذ عام 2017، بدون تحذير طوكيو مسبقا، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مشيرة إلى أن هذا الصاروخ حلق لمسافة أطول عن أي شيء أطلقته كوريا الشمالية في السابق.
ويمكن للتجارب الصاروخية خدمة عدة أهداف، بينها تحسين القدرات الفنية وإرسال رسالة سياسية، محليا وعالميا. كما أنها بمثابة تذكير بعدم إحراز تقدم في لبدء المفاوضات النووية مع النظام ومدى تطور القدرات العسكرية لبيونغ يانغ خلال فترة الجمود.
التحليق فوق اليابان
استيقظ السكان في اليابان، صباح الثلاثاء، على صوت صافرات الإنذار التي تحذرهم من عملية إطلاق صاروخي، حيث أطلقت كوريا الشمالية صاروخ باليستي قصير المدى.
وحلق الصاروخ لمسافة 4600 كيلومتر لمدة 22 دقيقة فوق مدينة آوموري اليابانية قبل السقوط في المحيط الهادئ، بحسب ما قاله المسؤولون اليابانيون، وبلغ ارتفاع ألف كيلومتر.
ولم يتضح نوع الصاروخ، فيما قال مسؤولو الدفاع اليابانيون إنه مشابه لهواسونغ-12، الذي يمكنه الوصول إلى اليابان وجوام، والأخيرة جزيرة أمريكية بالمحيط الهادئ.
وربما يكون الصاروخ نسخة محدثة عن هواسونغ-12، بالنظر إلى مساره والمسافة التي قطعها، بحسب كيم دونج يوب، ضابط سابق بالبحرية الكورية الجنوبية ويدرس في جامعة كيونغ نام في سول.
وكانت كوريا الشمالية تختبر بقوة أسلحتها تماشيا مع الخطة الخماسية لزعيمها كيم جونج أون، وفي وقت سابق من هذا العام، قال كيم إنه "سيعزز ويطور" البرنامج النووي والأسلحة لبلاده "بأعلى سرعة" ممكنة.
وعادة ما تطلق كوريا الشمالية صواريخها عاليا في الفضاء، والتي تهبط لاحقا في المياه بين البلاد واليابان لتجنب تهديد أمن جيرانها. لكن رأى بعض الخبراء أن إطلاق صاروخ عبر اليابان ربما كان مقصودا لتوضيح نقطة سياسية.
لماذا الآن ولماذا اليابان؟
لم تحدد "واشنطن بوست" بالضبط النقطة أو الهدف من تلك العملية، حيث تعتبر كوريا الشمالية أحد أكثر الدول المنغلقة في العالم، ولم تتحدث علانية عن عمليات الإطلاق الصاروخي التي أجرتها خلال ستة أشهر. لكن هناك مؤشرات يمكنها المساعدة في فهم الرسالة التي ربما تحاول إرسالها.
وعلى مدار الشهرين الماضيين، كانت جيوش الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية تجري تدريبات عسكرية تستهدف إظهار جاهزيتها للعمل معا في حال حدوث صراع.
وفي حين يقول الحلفاء إن المناورات دفاعية في طبيعتها، لطالما اعتبرها نظام كيم أعمال عدئية واستغلها لتبرير تطويره للأسلحة والبرنامج النووي.
وبعد تجربة، الثلاثاء، أجرت جيوش الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان مناورات جوية وبحرية وبرية ردا على ذلك.
وأصبحت الديناميكيات الأمنية في شمال شرق آسيا متقلبة على نحو متزايد مع التهديدات العسكرية الصينية المتنامية وفي أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا. ومنذ الحرب، تقاربت كوريا الشمالية أكثر مع روسيا، في حين تدهورت علاقات اليابان مع موسكو.
ومع تصاعد التنافس الأمريكي الصيني، قربت الصين كوريا الشمالية، وتزايد ابتعاد الكوريتين الشمالية والجنوبية، مع وجود حكومة محافظة جديدة في سول مستعدة للوقوف بجانب واشنطن واتخاذ موقف أكثر تشددا تجاه بيونج يانج.
وبالنظر إلى ذلك، ربما ترى كوريا الشمالية فرصة لاستغلال عدم الاستقرار في المنطقة وتذكير عالم يركز على الحرب الروسية في أوكرانيا أنها لازالت مهمة، بحسب روبرت وارد، باحث أقدم لدراسات الأمن اليابانية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وأضاف وارد: "الإطلاق الصاروخي يزيد حدة التهديد الأمني على طول الجناح الغربي لليابان – روسيا في الشمال، كوريا الشمالية في الوسط، والصين بالجنوب. وأحد التهديدات الاستراتيجية المهمة التي يجب الانتباه لها هي التعاون بين روسيا والصين وكوريا الشمالية، مما يزيد المخاطر بالنسبة لليابان."
ومن وجهة نظر كوريا الشمالية، لا يوجد العديد من خيارات مسارات الطيران لصاروخ يتجاوز مداه 4 آلاف كيلومتر بخلاف المسار فوق شمال اليابان باتجاه المحيط الهادئ، بحسب ماساشي مورانو من معهد هدسون في واشنطن، وستعتبر الخيارات الأخرى محاولة لضرب البر الأمريكي أو الوصول إلى جوام.