هل تجرؤ تركيا على غزو شرق الفرات؟
خيارات تركيا في العملية العسكرية شرق الفرات (شمال سوريا) تبدو محدودة ومعقدة، وتحمل مخاطر جيواستراتيجية.
انتهت في 30 سبتمبر/أيلول الماضي المهلة التي حددتها أنقرة لإنشاء منطقة آمنة بالشراكة مع واشنطن في شمالي سوريا تفصل بين مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية"قسد".
وترفض واشنطن الصيغة التركية في شرق الفرات، لتؤسس مركز عمليات مشترك لإنشاء وتنسيق وإدارة منطقة أمنية شمال سوريا. كما تم تسيير دوريات مشتركة بين البلدين في المنطقة، بدأت في 24 أغسطس/آب الماضي.
ودفع تردد واشنطن وعدم الاستجابة لمطلب أنقرة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتهديد مجدّداً بالتدخّل العسكري الأحادي شرق الفرات.
وفي كلمته عشية افتتاح السنة التشريعية للبرلمان مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال أردوغان إن بلاده لم يعد بمقدورها الانتظار "ولو ليوم واحد"، في إشارة إلى العملية التركية المرتقبة ضد وحدات حماية الشعب الكردية.
لجأت تركيا إلى التهديد بالتوغل العسكري بعد فشل أردوغان في إقناع ترامب، ولقائه على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.
وقد تحدث وزير الدفاع التركي خلوصي آكار عن الخطتين البديلتين "ب" و"ج" للمرة الأولى بعد أيام من إعلان التعاون بين الجانبين، وواصل وزير الخارجية التركي التصعيد، ففي 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال إن تركيا لا تعتقد أن جهودها مع الولايات المتحدة لإقامة "منطقة آمنة" في شمال شرق سوريا تحقق النتائج المرجوة وهي مستعدة لشن عملية عسكرية.
دوافع تركية
طرحت أنقرة فكرة إقامة منطقة آمنة لأول مرة في عام 2011، ثم أعيد طرحها مجددا في عام 2014، وثمة اعتبارات عدة تدفع تركيا لإنشاء فاصل حدودي على الحدود التركية السورية، يمكن بيانها على النحو الآتي:
دفن المشروع الكردي:
تتصاعد وتيرة التهديدات التركية بفرض منطقة آمنة في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الكردية (الإدارة الذاتية)، شمال شرقي سوريا، بهدف إفشال مخطط إنشاء إقليم كردي، أو ما تسميه أنقرة بـ"ممر إرهابي"، مدفوعة بالنجاحات التي حققها تدخلها العسكري في عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات.
وتعتبر تركيا أن تدخلها العسكري في سوريا ضروري لتحجيم القوات الكردية على غرار "وحدات حماية الشعب الكردية"، و"قوات سوريا الديمقراطية" والتي تعتبرها امتدادًا لـ"حزب العمال الكردستاني".
تخفيف أعباء اللاجئين:
تستهدف تركيا من وراء تأسيس المنطقة الآمنة تسريع عودة مليوني لاجئ سوري إلى وطنهم، خاصة مع تصاعد الأزمة الاقتصادية في تركيا والعجز عن محاصرة تداعياتها. وقد أدى ارتفاع العاطلين الأتراك إلى تنامي الغضب تجاه السوريين الذين ينظر الأتراك للكثيرين منهم باعتبارهم عمالة رخيصة، حيث يميل بعض أصحاب القطاع الخاص لتوظيف السوريين الذين لا يمتلكون تصاريح عمل رسمية، وذلك بسبب أجورهم الزهيدة. كما يرى بعض الأتراك أن تزايد أعداد اللاجئين السوريين بنسب كبيرة، تسبب في الضغط على السلع والخدمات العامة، مثل وسائل النقل والتعليم والمستشفيات.
تعزيز الحضور الاقتصادي:
تسعى أنقرة من وراء تعزيز حضورها في الشمال السوري إلى تعزيز حضورها الاقتصادي لتحقيق أهداف عديدة: ينصرف أولها إلى كسب ثقة وولاء المجتمعات المحلية في هذه المدن بما يعمل على تثبيت نفوذها العسكري والاستراتيجي في هذه المناطق. ويتصل ثانيها بتوفير الحد الأدنى من وسائل المعيشة اللازمة لتمكين عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى هذه المناطق.
تحديات مختلفة
تمثل طبيعة المفاوضات ومسارها ومواقف الفاعلين الدوليين في الأزمة السورية تحديات قائمة أمام أنقرة، وتتمثل فيما يلي:
تردد أمريكي:
على الرغم من سعي واشنطن إلى طمأنة أنقرة، وإجراء مفاوضات لتأمين الحدود مع سوريا، فإن إدارة ترامب لديها قناعة بأن المنطقة الآمنة هي شكل من أشكال الاحتلال في الشمال السوري، كما هو حادث في عفرين، إذ سارعت أنقرة إلى التتريك، وجعلت عددا من المدارس والخدمات تعتمد اللغة التركية.
الخلاف على طبيعة المنطقة الآمنة: ثمة خلافات متجذرة بين أنقرة وواشنطن بشأن طبيعة المنطقة الآمنة، إذ تطالب تركيا بعمق نحو 30 كيلومترا أو 23 كيلومترا على الأقل للمنطقة فضلا عن سيطرة كاملة للقوات التركية على إدارة المنطقة، وهو ما ترفضه واشنطن.
تحفظات الفاعلين:
رغم أن دمشق تؤكد على ضرورة عودة المنطقة الخاضعة لـ"قسد" إلى سيطرتها، ودعت الأكراد على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم عشية زيارته لإيران مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى "عدم التوهم بالوعود الأمريكية"، فإنها في المقابل تعتبر الاتفاق الأمريكي التركي الرامي إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا اعتداء على سيادتها.
في المقابل تدعو موسكو وطهران الأتراك إلى الانخراط في ترتيبات أمنية في المنطقة تنطلق من اتفاق آضنة الموقع مع دمشق في عام 1998 فضلاً عن أهمية فتح أنقرة قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة مع النظام السوري.
صحيح أن موسكو وطهران لا تعارضان من حيث المبدأ أن تقوم تركيا بخطوات تخفف مخاوفها الأمنية في الشمال السوري، إلا أنهما يعارضان سيطرة تركية مطلقة.
التهديدات الكردية:
يعارض أكراد سوريا إقامة منطقة أمنية، باعتبار ذلك لا يتوافق مع مصالحها، ومكاسبها السياسية والأمنية التي حققتها بفعل تعاونها مع واشنطن في مواجهة "داعش"، ولذا قد لا يجد الأكراد غضاضة في القيام بكل ما يضمن مكاسبهم، وحكمهم الذاتي في مناطق شرق الفرات.
سيناريوهات محتملة
تبدو خيارات تركيا في العملية العسكرية شرق الفرات (شمالي سوريا) محدودة ومعقدة، وتحمل مخاطر جيواستراتيجية، وثمة سيناريوهات محتملة لانخراط تركيا في عمل عسكري جديد شرق الفرات:
السيناريو الأول: إقامة المنطقة الآمنة
يفترض هذا السيناريو أن تنفذ تركيا تهديداتها بشن عملية عسكرية شاملة، وإقامة منطقة آمنة على مساحة تصل إلى نحو 480 كيلومترا من إجمالي نحو 911 كيلومترا هي حدودها مع سوريا، وذلك بالتنسيق مع الفاعلين المنخرطين في الأزمة السورية، بجانب الاستعانة بالجيش السوري الحر.
ويرتكز هذا السيناريو على تصميم تركيا، وتصعيد خطابها السياسي ضد واشنطن إضافة إلى التوجه نحو حشد قواتها العسكرية على الحدود مع سوريا طوال الأسابيع التي خلت.
السيناريو الثاني: فشل تمرير المنطقة الآمنة
يتمثل هذا السيناريو في احتمال الفشل في إنشاء المنطقة الآمنة بالنظر إلى رفض واشنطن، وإصرار موسكو وطهران على أحقية تدخل تركيا في العمق السوري في حدود 5 كيلومترات وفقاً لاتفاقية آضنة. كما تقف تحديات أخرى أمام مساعي تركيا لإقامة مناطق آمنة، منها اتساع المساحة الجغرافية، وتعقيدات المعركة، واستثمارات الدول الغربية في دعم الفصائل الكردية.
السيناريو الثالث: بقاء الوضع الراهن
يفترض هذا السيناريو بقاء الوضع على ما هو عليه، ويظهر ذلك في استمرار الحوار بين واشنطن وأنقرة ناهيك عن غياب أي مؤشرات على الاستعدادات السريعة التي اتخذتها تركيا قبل توغلها الأخير في عفرين في يناير/كانون الثاني 2018، لا توترات ساخنة في المناطق الحدودية، أو اجتماعات عاجلة مع الفاعلين في سوريا.
لذا، فإن عسكرة الأزمة في شرق الفرات، إذا كانت لا تزال خياراً مطروحاً، فثمة احتمال ببقاء الوضع على ما هو عليه، واستلهام نموذج منبج، من خلال تسيير دوريات مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا وتحليق الطائرات في سماء شمال شرق سوريا بجانب استمرار الجدل بشأن عمق المنطقة الآمنة.
القصد أن تركيا برغم تهديداتها بإقامة منطقة آمنة، وعسكرة الأزمة شرق الفرات فإن ثمة تحديات عدة تقف حجر عثرة أمام هذا الخيار، وربما يستمر أردوغان في التلويح به من دون اتخاذ إجراءات عملية، كمحاولة للتحايل على تراجع شعبيته في الداخل التركي، وضعف مناعته في الخارج.
aXA6IDE4LjIxOC4yNDUuMTc5IA==
جزيرة ام اند امز