الروائي عادل عصمت في ندوة "العين الإخبارية": حلمت بـ"الوصايا" 30 عاما
الروائي المصري عادل عصمت قال إن رواية "الرجل العاري" خيبت آمال الناشر، لأنه كان يتوقع أن تكون رواية جماهيرية لكن ذلك لم يحدث
قال الروائي المصري عادل عصمت إنه مدين لشباب القراء الذين دعموه وشجعوه وهو ما شكَّل سببا أساسيا لمواصلة رحلته مع الكتابة، والتغلب على نوبات اليأس والإحباط التي انتابته في أوقات سابقة نتيجة تجاهل النخبة المثقفة والوسط الأدبي لكتاباته.
وأكد الروائي المرشح ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية هذا العام، خلال ندوته في "العين الإخبارية"، أن ترشيح روايته "الوصايا" للفوز بالبوكر فرصة عظيمة ليتعرف عليه قراء جدد من العالم العربي، معتبرا أنها النص الذي حلم بكتابته على مدار 30 عاما.. وإلى نص الندوة:
- بدأت الكتابة في الثمانينيات، والآن أنت تحظى بجماهيرية ومقروئية واهتمام واضح.. ماذا تغير منذ بدايتك حتى الآن؟
أريد أن أوضح أنني عندما بدأت الكتابة لم أكن أعرف وجهتي، ماذا عليّ أن أفعل؟ كنت أكتب القصص عن القرية على غرار عبدالحكيم قاسم، حتى صادفت كتاب "حديث شخصي" لبدر الديب. كان الكتاب منحة من السماء، انتهيت منه، فانفتح أمامي طريق، ووجدت الشخصيات تظهر أمامي، كأنما هناك بعث ما حدث. جعلني الكتاب أبحث عن صوتي الخاص، أن أكتب من داخلي، من المنطقة التي يمكن أن نسميها السريرة، ودربت نفسي يوميا على ذلك.
بدأت في النشر، وحينما صدرت رواية "الرجل العاري" تعشم الناشر أن تكون رواية جماهيرية لكن ذلك لم يحدث، إلى أن جاء الوقت الذي ظهر فيه علاء الأسواني وأعاد للرواية جمهورها، أو جعلها تحظى بنسب قراءة عالية بعد أن توارت بعض الشيء، على الرغم من وجود كتابات عظيمة ومهمة، وللحقيقة، أنا مدين لشباب مصر من القراء الذين ساعدوني في أن أكمل رحلتي مع الكتابة وسط تجاهل الوسط الثقافي في القاهرة، هؤلاء الشباب هم من دعموني وتواصلوا معي ومنحوني الأمل، ومنعوني من أن يصيبني الإحباط فيما بعد. أعظم مكافأة يحصل عليها الكاتب تأتي من قارئ يدق بابه ويخبره بأنه قرأ قصته.
- ألم يصبك الإحباط وسط هذا التجاهل من الوسط الثقافي طوال تلك السنوات؟
بالطبع أصابني الإحباط، لكني منذ بدأت وأنا أفكر في أن تكون الكتابة كالتنفس بالنسبة لي، وأظن أن جائزة الدولة التشجيعية وجائزة نجيب محفوظ، منحتاني بعض الأمل، بالنسبة لرجل جاوز الـ50 ولا يلتفت أحد لكتابته، ولم يحظ بتقدير بعد، بالطبع أنا أكتب لنفسي، لكن هناك لحظات نمر بها من شأنها أن تجعلنا نيأس ونعيد التفكير في مسائل عدة.
- بالحديث عن الجوائز، ماذا مثّلت لك جائزة الدولة التشجيعية التي فزت بها عن روايتك "أيام النوافذ الزرقاء"؟
هل تصدق أنني لم أعرف خبر فوزي ولم يتصل بي أحد ليبلغني بأنني فزت بالجائزة؟ عرفت الخبر أحد أصدقائي عندما هاتفني يومها ليبلغني بالفوز، والحقيقة الجائزة جاءت لي في وقت أحتاج إليه، سواء على المستوى المعنوي بأن ثمة تقديرا ما، وكذلك من الناحية المادية، حيث كنت أحتاج إلى هذا المبلغ المالي بشدة خلال تلك الفترة.
- وماذا عن جائزة نجيب محفوظ؟
حدثان أعتبرهما أهم ما حدث لي في رحلتي مع الكتابة وربما في حياتي عموما، الأول هو فوزي بجائزة نجيب محفوظ عن رواية "حكايات يوسف تادرس"، والثاني هو أنني كتبت رواية "الوصايا". جائزة نجيب محفوظ عرّفت قاعدة عريضة من القراء بي، حيث أعجبتهم الرواية وتفاعلوا معها، وقبل كل ذلك لأنها تحمل اسم نجيب محفوظ الذي يمثل لي الكثير جدا، وبعد الجائزة أصدرت "صوت الغراب" و"حالات ريم" ثم "الوصايا"، وباتت هناك حالة رائعة في الوسط الثقافي من حيث الشباب الذين منحوني الكثير من الحب والتفاؤل وجعلوني أندم كثيرا على لحظات فكرت فيها ألا جدوى من الكتابة، وأصابني الإحباط بقسوة.
- أخذ الكثيرون عليك تصريحاتك عن "الوصايا" بأنها روايتك الحلم وعملك الأهم الذي لا يشغلك بعده أي نص.
ربما أساءوا فهمي، كل ما أردت التعبير عنه هو أن هذه الرواية هي النص الذي حلمت بكتابته على مدار 30 عاما، كنت مشغولا به طوال حياتي، ولم أكن قادرا على إنجازه، ولذلك عندما انتهيت منه كانت فرحتي لا توصف، ربما يراه البعض عملا سيئا وضعيفا، لا بأس، ولكن ما يهمني أنني انتهيت منه، كنت أحلم بذلك، وها قد حققت حلمي، وهذا كل ما أردت قوله وقتها.
كما أن وصول الرواية للقائمة القصيرة للبوكر حدث عظيم، وفرصة لأن يتعرف القراء -لا في مصر فقط بل في العالم العربي- على "الوصايا" والأعمال السابقة التي أظن أن منها ما يستحق الالتفات، والبوكر فتحت أبوابا جديدة من الأمل أمام الشباب في قرى مصر بأن بإمكانهم الفعل والتأثير والخروج عن الإطار المحلي، ولكن بالاجتهاد والإيمان قبل كل شيء.
- انتهيت من المسودة الأولى للوصايا في 2002 ولكنك لم تصدرها إلا في 2018.. لماذا؟
أقول إنها محاولة ولم تكن مسودة، كانت تنقصها الخبرة الفنية والبصيرة الإنسانية، وعندما جلست لأكتبها عرفت أنه كان ينبغي لي أن أراكم خبرات كثيرة وكبيرة وأكتب كل هذه الروايات حتى أنجح في التعبير عما أردت، ربما احتجت لأن أكون على مشارف الـ60 حتى أدرك كل تفاصيل الحياة التي تتيح لي ذلك.
- الراوي في "الوصايا" اكتشف في النهاية أن عليه أن يكتب وصاياه الخاصة وأن وصايا جده لن تفيده في حياته الحالية.. هل أردت أن تؤكد القطيعة مع الماضي؟
كانت الأزمة الحقيقية له هي أن عليه أن يبدع وصاياه الخاصة كما أبدع جده وصاياه، هو لا يريد العودة للوراء، وهذا هو الإطار العام للنص.
- هل يمكن أن تعتبر رواياتك بمثابة متحف للحياة اليومية، بمعنى أننا يمكننا تتبع تفاصيل الحياة من خلال النص؟
لا يمكنني قول ذلك، وخلال الكتب الـ10 التي أنجزتها خلال 27 سنة، أرى أن كتاب "ناس وأماكن" فقط هو ما نجح في ذلك، حيث التوثيق الذي يختلف عن الفن.
أما الرواية، فيمكنني اعتبارها مرآة للحياة في ذلك الوقت، كيف كان يفكر الناس، وكيف عاشوا. أفكر في الرواية كمغامرة وبحث من أجل اكتشاف جوهر الخبرة.
- ألم تخشَ من القارئ الذي سينظر للعمل على أنه قديم وتدور أحداثه في زمن بعيد لم يعاصره؟
خفت من قراء القاهرة الذين يحبون القراءة عن العشوائيات وقصص الحداثة، وكتابهم يكتبون ذلك، قراء القاهرة لا يحبون قصص الفلاحين، ولذلك قلت لنفسي إن هذه الرواية ستموت، ولكن ما حدث كان العكس تماما، وكمية القراء الذين يعيشون في القاهرة ولهم أصول ريفية وتفاعلوا مع الرواية كانت مذهلة، اكتشفت هنا أنني كتبت قصصهم، وأحييت ذكريات باتت بمثابة طيف بالنسبة لهم.
- منذ أن صدرت "حكاية يوسف تادرس" وهناك انطباع عنك أنك تصدر رواية كل عام وكأن هناك مخزونا لديك وهذه الروايات ليست جديدة.. هل هذا صحيح؟
كل قصصي قديمة، أجلس لأكتب ثم أقف في نقطة ما، وبمجرد ما تتشكل أمامي الملامح أكتب قصتي بسرعة شديدة، "حالات ريم" مثلا كتبتها في شهر واحد، ولكن بعد أن امتلكت التفاصيل اللازمة لي، واتضحت أمامي الرؤية. وفي عام 2017 فقط صدرت لي روايتان وهما "صوت الغراب" ثم "حالات ريم"، ثم صدرت الوصايا في العام التالي.