توجه الدولة نحو تطوير مشروع متطور للطاقة النووية السلمية، يرسخ مكانتها في عصر الطاقة الجديد
لعل أبرز ما لمسناه من تطورات متسارعة، شهدتها دولة الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية، جملة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أسهمت، دون أدنى شك، في تحقيق نقلة نوعية عصرية جعلتها واحدة من أبرز قصص النجاح بين الدول المتقدمة.
أصبحت دولة الإمارات من أوائل الدول على مستوى المنطقة التي عملت على تطوير محطات للطاقة النووية السلمية، وانضمت إلى نادٍ شبه حصري من الدول التي تطوّر مثل هذا النوع من البرامج السلمية الفريدة.
هذه المعطيات كانت كفيلة بأن تكون برهاناً على أن تسخير كل الإمكانيات والقدرات البشرية والاقتصادية بالشكل الأمثل، يمكّننا من الوصول إلى الريادة الاقتصادية، والتي ستنعكس إيجاباً على المشهد الاجتماعي والثقافي والفكري، وغيرها من المجالات الحضارية الأخرى، ما يعزز من مكانة الدولة عالمياً وصورتها أمام المجتمعات العالمية، بوصفها دولة حضارية متقدمة تتمتع بالريادة الإقليمية.
وقد تحققت هذه النقلة الفريدة بفضل العديد من الخطط المحكمة التي رسمت خطواتنا الأساسية لضمان المستقبل المزدهر، فأصبحت دولة الإمارات من خلالها مركزاً للعديد من الصناعات الضخمة والمتطورة، إلى جانب كونها موطناً للعديد من الاستثمارات والشركات الأجنبية، التي سعت لتكون الدولة مقرها الإقليمي. كل هذا ساهم في ارتقاء الدولة ضمن مجموعة من مؤشرات الأداء والتنافسية والابتكار والتقنية والعلوم وغيرها، لتتربع بفضلها على عرش الريادة الإقليمية في المجالات الاقتصادية، مدعومة بتقييمات إيجابية واستقرار اقتصادي ومالي بات محطاً للأنظار. وكان للبيئة الاستثمارية المشجعة والبنية التحتية المتميزة والقوانين والتشريعات المرنة والمحفزة عظيم الأثر في الوصول إلى هذه النتائج.
ولكن الأمر لا يخلو من التحديات التي لعل أبرزها موضوع استدامة التطور، إذ يكمن حله في توفير شريان الطاقة القادر على تغذية هذه المراكز التجارية والصناعية لسنوات وعقود مقبلة، وهو ما تنبهت إليه الدولة منذ فترة طويلة، وبدأت انطلاقاً منه رحلة البحث عن أفضل هذه المصادر بهدف ضمان استمرار سير عجلة التقدم والحداثة، وتحقيق الخطط الاقتصادية الطموحة التي وضعتها هذه الرحلة بشموليتها لكل مصادر الطاقة الممكنة من المتجددة والنووية إلى الأحفورية النظيفة.
من هنا، ظهرت الطاقة النووية كأحد أفضل هذه البدائل التي يمكنها أن تكون المصدر الآمن والفعال والموثوق والصديق للبيئة لدفع هذا النمو، وهو ما أفضى إلى إطلاق البرنامج النووي السلمي الإماراتي وفق أحدث معايير الأمان والسلامة والشفافية العالمية، والذي يهدف إلى تطوير وإنشاء محطات براكة للطاقة النووية السلمية الأربع في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، وتطوير قطاع حيوي جديد وإنشاء صناعة تمتاز بالحداثة وتستخدم تقنيات عالية، وما يرافقهما من متطلبات علمية وتقنية هائلة، إضافة إلى تطوير القدرات والكفاءات لدى ألمع الكوادر الإماراتية لضمان توافر قوة عاملة وطنية عالية المهارة ستقود هذه الصناعة لعقود مقبلة.
وبذلك، أصبحت دولة الإمارات من أوائل الدول على مستوى المنطقة التي عملت على تطوير محطات للطاقة النووية السلمية، وانضمت إلى نادٍ شبه حصري من الدول التي تطوّر مثل هذا النوع من البرامج السلمية الفريدة.
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه هنا، ما ستجنيه الدولة من فوائد اقتصادية واجتماعية عبر تبنيها لهذا البرنامج، وأولها تحقيق أمن الطاقة لسنوات وعقود عدة من خلال توفير الطاقة الكهربائية الصديقة للبيئة، ما يضمن تنويع مصادر إنتاج الطاقة في الدولة وتأمين متطلبات الطاقة في المستقبل. ويضاف إلى ذلك، دعم النمو الاقتصادي بشكل مباشر من خلال تطوير الصناعات المحلية التي ستعمل مع البرنامج، سواء من خلال توريد المواد لتطوير وإنشاء المحطات وتشغيلها في المستقبل، أو شركات الخدمات أو حتى الصناعات الجديدة، فضلاً عن استثمارات الدولة في إنتاج الطاقة النووية التي ستنعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني، فهي ستُشجع وتدعم القطاعات الصناعية للتقنية الحديثة في الدولة، كما لا يمكننا أن نغفل عن الفرص الوظيفية العديدة على مدى العقود المقبلة للكوادر الوطنية والخبرات المتميّزة التي ستوفرها هذه الصناعة.
إن توجه الدولة نحو تطوير مشروع متطور للطاقة النووية السلمية، يرسخ مكانتها في عصر الطاقة الجديد الذي يتبنى هذا النوع من الطاقة الآمنة والصديقة للبيئة، كأحد أهم المصادر المستدامة للطاقة، وبرز هذا التوجه بشكل واضح مع إدراج الطاقة النووية بين مزيج أنواع الطاقة التي تبنتها «استراتيجية الإمارات للطاقة»، التي تستهدف رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50%، لتوفر ما يعادل 700 مليار درهم بحلول عام 2050.
وخير ما أستشهد به قول سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»: «إن ضمان استدامة موارد الطاقة، هو ضمان لاستدامة نمو الدولة»، هذا القول إن دل على شيء فإنما يدل على أن دولة الإمارات ومستقبلها بخير في ظل هذه النظرة الاستشرافية الفريدة التي تتمتع بها قيادتنا الرشيدة، ومعها وقع الاختيار على الطاقة النووية لتكون بحق خيار المستقبل.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة