مع استعار الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، تناسى المحللون السياسيون جرد حصيلة الثماني سنوات للرئيس باراك أوباما
مع استعار الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، تناسى المحللون السياسيون جرد حصيلة الثماني سنوات للرئيس باراك أوباما وسياساته تجاه الشرق الأوسط.
فوصول أميركي من أصل إفريقي إلى البيت الأبيض ولمدة فترتين متتاليتين ليس إنجازا فحسب، ولكن حقا سلبا للعقول؛ في وطن عانى من التفرقة العنصرية لقرون منذ أن وطئت قدم المستعمرين الأوائل القارة والتي عرفت بعدها بأميركا.
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فقد استهل سيد البيت الأبيض عهده بتعيين مندوبين لأفغانستان - باكستان وآخر للمسيرة السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتبعهما بالخطاب الشهير في القاهرة حيث دعا لبداية جديدة بين المسلمين والولايات المتحدة، والى التفاهم المشترك والسعي إلى حل القضية الفلسطينية حلا عادلا، والتعاون على القضاء على الإرهاب والتطرف، ومنع انتشار الأسلحة النووية، في إشارة غير خفية إلى إيران، ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق التنمية في العالم الإسلامي.
وقد استبشر العالم خيرا، وخاصة أن انتخاب أوباما أتى بعيد فترة الرئيس جورج بوش والذي زج منطقة الشرق الأوسط برعونة سياسية في أتون الحرب وزعزعة الاستقرار النسبي للمنطقة. وقد استعجلت اللجنة النرويجية لجائزة نوبل بمنح الرئيس الجديد جائزة السلام أملا في أن يصلح الخلف ما أفسد السلف.
ولا أحد يستطيع أن يشكك في نوايا الرئيس أوباما، وخاصة انه كان ناقدا للغزو الأميركي للعراق، وقد وعد بإنهاء الاحتلال الأميركي للعراق، والتخلص، كما قال في حملته الانتخابية، من العقلية التي أدت لحرب العراق. ولا شك أنه رفع سقف التوقعات في الشرق الأوسط إلى مستويات عالية بعيدة المنال.
ففي العراق أنهى الرئيس التواجد العسكري في العراق، ما عدا ثلة من الخبراء والمدربين للإشراف على تكوين جيش عراقي. كما صعد الحرب في أفغانستان للقضاء على طالبان وتمكين الحكومة الأفغانية من السيطرة على البلاد. ولكن الرئيس واصل سياسة سلفه في تعقب الإرهابيين؛ وما انفك الرئيس الأميركي من مهاجمتهم بطائرات دون طيار في كل من أفغانستان واليمن مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين.
بالنسبة لأم القضايا في الشرق الأوسط، والتي أضحت عصية على الحل في كثير من الإدارات الأميركية الغابرة، فان أوباما عين مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، السناتور السابق جورج ميتشل، بعد يومين من أدائه اليمين الدستورية. وميتشل هذا من أب أيرلندي وأم لبنانية، وقد ترعرع في كنف الأسرة اللبنانية بعد أن فقد والده.
لذا يعتبر ميتشل احد ابرز رجالات الجالية العربية-الأميركية. ولم يكن أوباما بعيدا عن هذه الجالية أيضا، إذ انه ارتبط بعلاقة مع المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد، والمؤرخ الفلسطيني المميز رشيد الخالدي عندما كانا أستاذين في جامعة شيكاغو. وقد عززت كل هذه العوامل من ثقة جمهور عريض مهتم بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بأن حل القضية الفلسطينية أصبحت مسألة وقت، ليس إلا.
ولكن رياح الشرق الأوسط أتت بما لا تشتهيه سفن أوباما. فقد انتخب المتشدد بنيامين نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل في مارس 2009، والذي عقد العزم على إفشال أي حل للقضية وتوسع في الاستيطان. وقد يئس المبعوث الأميركي ميتشل من التوصل إلى حل وقدم استقالته في 2011 بعد أن تيقن أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تمارس أي ضغط على إسرائيل.
وكأنما هذا لم يكن كافيا لوضع العصي في دواليب الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، فالتونسي ذو الستة والعشرين ربيعا، طارق الطيب محمد البوعزيزي، أضرم النار في جسده.
ومن بعده اشتعل العالم العربي فيما عرف من بعد بـ«الربيع العربي». وعلى ما يبدو فان إدارة أوباما ارتبكت في بداية الأمر بعد أن تساقط حلفاؤها. فإدارة أوباما أرادت أن تظهر بمظهر المدافع عن المطالبة بالديمقراطية ولكن عز عليها خسران أركان سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.
ولعل تعثر التجربة الديمقراطية وتحول ربيع العرب إلى صيف ساخن في كثير من الدول العربية ثبط عزيمة الرئيس الأميركي من إمكانية واشنطن أن تلعب دور محول إيجابي يخلق الحيز المطلوب لتفاهم وتقارب أعمق بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
وتعمق الإحساس عند الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة لا تملك أصابع سحرية تستطيع تغيير الشرق الأوسط، بل إذا كان للولايات المتحدة أصابع سحرية فهي تزيد من تفاقم الأوضاع في المنطقة. فالفلسطينيون والإسرائيليون أكثر تباعداً مما كانا عليه، وداعش تحقق انتصارات تلو الأخرى بسبب هذه الأصابع والتي تركت فراغاً عسكرياً في العراق.
وبقي ملف إيران معلقا. ولعل أوباما كان تواقا إلى إنجاز ما في منطقة الشرق الأوسط لعلها تكون خاتمة خير في سنين حكمه وتبرر منحه جائزة نوبل للسلام. وقد يكون الاتفاق النووي إنجازا من وجهة نظر واشنطن والتي قد تكون قد جنبت المنطقة حربا طاحنة، إلا أن الاتفاق زعزع الثقة في إدارته من قبل حلفاء الولايات المتحدة. فهل يتمكن ساكن البيت الأبيض القادم من استعادة الثقة في الشرق الأوسط؟
نقلا عن / البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة