مع اقتراب موعد التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية الذي سيكون في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، شهدت الأجواء الانتخابية تطورات غير متوقعة، حيث تغيّر مسار الانتخابات وخرج عن الخط الذي كان متوقعاً حتى أسابيع قليلة مضت.
وذلك بعد أن انسحب الرئيس الحالي جو بايدن من السباق الانتخابي، ما تسبب في انقلاب النتائج المتوقعة من فوز مرجح للرئيس السابق دونالد ترامب وما يشبه إقرارا ديمقراطيا مسبقا بالخروج من البيت الأبيض، إلى حدوث حراك انتخابي وضخ دماء جديدة في "شرايين" حملة الديمقراطيين بترشيح نائبة بايدن كامالا هاريس لمنافسة ترامب على الرئاسة.
وسريعاً أصبحت مؤشرات العملية الانتخابية مفتوحة على الاحتمالات كافة، خصوصاً مع التحول الذي طرأ على خطاب وأسلوب كامالا هاريس، من نائبة للرئيس عرفت بالهدوء والطاعة وليونة التعامل في المجال العام، إلى قوة في الشخصية والخطاب ووحدة في المواقف والشعارات التي ترفعها لاستعادة أصوات الناخبين الذين كادوا ينتقلون إلى الحزب الجمهوري ومرشحه دونالد ترامب الشعبوي الذي يجيد ببراعة سحب المواطنين العاديين، خصوصاً أولئك الذي يحلمون بعودة أمريكا القوية مجدداً.
لقد غيّرت هاريس جلدها وأثبتت في الأسابيع الماضية قدرتها ليس فقط على منافسة ترامب بندية وكفاءة، بل وهزيمته والإبقاء على الديمقراطيين داخل البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى على الأقل.
لم تقتصر مفاجآت الانتخابات الأمريكية على الجانب المتعلق بكامالا هاريس شخصياً، بل حملت الأيام الماضية جديداً مهماً على صعيد المواقف المساندة لهاريس من الديمقراطيين، وتحديداً من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي سبق له اتخاذ موقف مؤيد لجو بايدن لكنه كان تأييداً متردداً أو حذراً، وكان واضحاً على أوباما أنه مضطر لإعلان تأييده لبايدن فقط لأنه مرشح الديمقراطيين وليس لشخصه. والدليل أن موقف أوباما تغير أو بعبارة أوضح بات أكثر قوة ووضوحاً في تأييده لكامالا هاريس.
بل الجديد أن خطاب أوباما الذي ألقاه مساء الخميس الماضي ظهر فيه للمرة الأولى بصورة غير مسبوقة من الحدة والصراحة في تأييد هاريس وانتقاد دونالد ترامب. بل إنه لم يكن بعيداً عن الشعبوية وأسلوب الهجوم الشخصي الذي اشتهر به ترامب نفسه. وهي مسألة أثارت أصداء واسعة داخل وخارج الحزب الديمقراطي، فهي المرة الأولى التي يتخلى فيها رمز ديمقراطي من مستوى رئاسي، عن التحفظ في الخطاب والأسلوب الهادئ الرصين.
بل إن أوباما لم يكن وحده الذي اتجه إلى ذلك الأسلوب، فزوجته ميشيل أوباما هي الأخرى هاجمت ترامب بشدة وحدّة. على عكس موقفها هي نفسها في انتخابات عام 2016، حين انتقدت هذا الأسلوب في ذلك الوقت، حيث نصحت الديمقراطيين بعدم الانسياق وراء استفزازات الجمهوريين والانجرار إلى الأسلوب الشعبوي المتدني في لغة ومضمون الخطاب الانتخابي.
ورغم أن ردود الفعل على تدخل باراك وميشيل أوباما الهجومي ضد ترامب، لا تزال تتبلور ولم تتضح الصورة كاملة بعد، فإن هذه الهجمة "الأوبامية" تعطي مؤشرات مهمة على أن النمط التقليدي الثابت لأداء وسلوك وخطاب الساسة والرموز المنتمية للحزب الديمقراطي، مرشح للتغيير وربما بشكل غير مسبوق في الحياة السياسية الأمريكية.
وكما أن هذا يعد تحولاً مهماً غير مسبوق، فإن رد فعل دونالد ترامب بدوره كان لافتاً بل وغريباً عليه، فقد انتقد بشدة ما وصفه بالهجوم الشخصي وغير السياسي من ميشيل أوباما تجاهه! وهو المعروف بخطابه الشعبوي ولغته المباشرة والحادة والتركيز على جوانب شخصية بعيدة عن القضايا أو المواقف السياسية لخصومه.
إن هذه النقلات غير المتوقعة في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تشير إلى أن العملية الانتخابية ستكون غير مسبوقة.
بل إنها قد تشهد نقلات ومحطات أخرى مهمة وغير متوقعة، خصوصاً مع اقتراب موعد المناظرة المرتقبة بين ترامب وهاريس. كما أن استطلاعات الرأي بدأت تكشف عن تغييرات محتملة بقوة في اتجاهات تصويت الناخبين واختياراتهم للمجمع الانتخابي. وهو ما يعني أن المواقف التقليدية للولايات المصنفة حسب نمط تصويتها بأنها زرقاء أو حمراء (جمهورية أو ديمقراطية) قد تتغير على نحو مفاجئ، خاصة أن الانتخابات الرئاسية هذه المرة بعد انسحاب بايدن ستشهد حضوراً للمرة الأولى لمرشحة رئاسية سيدة وملونة. وهو ما قد يمثل وحده عاملاً مرجحاً للاختيار أو الرفض عند كتل تصويتية كبيرة من الجاليات الأجنبية والملونين خصوصاً.
إذن، عوامل ودواعي الغموض في هذه الانتخابات، تراكمت بصورة تجعلها بحق مفتوحة على كل الاحتمالات وربما تحمل في صندوقها الأسود مفاجآت وتحولات أخرى في السبعين يوماً المتبقية على موعد التصويت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة