بعد رحيله بـ30 عاما.. "العين الإخبارية" في مكتب إحسان عبدالقدوس
بهدوء شديد مرت الذكرى المئوية لميلاد الكاتب الراحل، إحسان عبدالقدوس، دون اهتمام يذكر من قبل المؤسسات الرسمية
تحتفل عائلة الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس السبت المقبل بالذكرى الثلاثين لوفاته، حيث ترعى الأسرة احتفالا تقيمه مؤسسة روز اليوسف لتوزيع جوائز المسابقة الأدبية التي تحمل اسمه وتدرس الأسرة تحويل جزء من المنزل لمتحف يحمل اسمه.
وقبل أيام مرت بهدوء شديد الذكرى المئوية لميلاد الكاتب، دون اهتمام يذكر من قبل المؤسسات الرسمية، حيث لم تنظم أية ندوة حول أعماله وتجاربه في الأدب أو الاعلام رغم شهرته الواسعة.
وفي المقابل يشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته المقبلة والتي تبدأ بعد أيام صدور 3 مؤلفات حول إحسان عبد القدوس وحياته وتجاربه في الصحافة والسياسية والحياة، وهو ما يعني أنه لا يزال مؤثرا في واقع المجتمع المصري بحسب ابنه الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس الذي تحدث لـ"العين الإخبارية" خلال جولتها في بيت إحسان عبد القدوس وبين سطور مؤلفاته.
ويؤكد عبدالقدوس الابن أن والده اعتمد في جماهيريته على القراء ولم يعتمد على تبني مواقف الدولة أو القرب من الأنظمة، فقد عاش ومات ليبراليا مستقلا حتى النخاع.
ويعد إحسان عبدالقدوس أحد أبرز الروائيين المصريين وأكثرهم شعبية، وهو ابن الممثل محمد عبدالقدوس والممثلة فاطمة اليوسف الشهيرة بـ"روز" إحدى رائدات فن التمثيل في مصر قبل أن تعتزل وتتفرغ للصحافة عبر تأسيسها مجلة "روز اليوسف" تحمل اسمها، ثم مجلة صباح الخير التي احدثت انقلابا في الصحافة العربية من خلال رهانها على الأسماء الشابة والرسامين المبدعين
درس إحسان في كلية الحقوق عام 1942، ولم يستمر عمله بالمحاماة طويلا حيث قرر العمل بالصحافة مع والدته، وتولى رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عاماً، وتولى رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966 إلى عام 1968، ومن ثم عين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير في الفترة بين 1971 إلى 1974. واختتم حياته كاتبا للمقال السياسي بصحيفة الأهرام.
وخلال مسيرته الصحفية الطويلة تعرض إحسان عبدالقدوس للسجن بسبب بعض مقالاته، وأشهرها مقاله حول قضية الأسلحة الفاسدة التي نبهت الرأي العام إلى خطورة الوضع قبل حرب فلسطين 1948. تم سجنه خلال حكم جمال عبدالناصر الذي كان صديقا له بسبب إشارته المبكرة لمخاطر الحكم اعتمادا على أجهزة الأمن السياسي.
وكتب أكثر من 500 رواية وقصة، قدمت السينما المصرية عدداً كبيراً منها، حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات أخرى تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية، وترجمت رواياته إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية.
وبالقرب من شرفة تطل على نيل القاهرة وقف الابن محمد عبدالقدوس، يشير إلى المكان الذي اعتاد والده التوقف لتأمل أحوال الناس، معتبرا أن إحسان عبد القدوس لم ينل تكريما يليق بتاريخه من قبل الدولة، وذلك على الرغم من حصوله على جائزة الدولة التقديرية التي جاءته في وقت متأخر حوالي العام 1989
ويرى محمد عبدالقدوس، الصحفي بمؤسسة أخبار اليوم المصرية، أن الاسرة لم يزعجها تجاهل المؤسسات الثقافية لمئوية والده، ولفت نظره جدا أن تهتم عائلة ساويرس التي ترعى مجموعة من الأنشطة الثقافية بتكريم اسم والده خلال الدورة الأخيرة لمهرجان الجونة السينمائي عبر معرض ضم مقتنيات "إحسان" الشخصية في سبتمبر/أيلول 2019.
ويرى نقاد متخصصون أن أدب إحسان عبدالقدوس يمثل نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، على صعيد تركيزه على الجانب الاجتماعي وانصاف المرأة وتمثيلها إبداعيا والكتابة بنبرة تعبر عن هواجسها وانشغالاتها.
وهو ما يدعو الابن محمد عبدالقدوس لتفسير شغف الأجيال الجديدة بأدب والده قائلا: "ما زال تأثيره ممتدا إلى يومنا هذا، لصدقه واهتمامه بمناقشة قضايا ومشكلات وهموم المرأة المصرية في مختلف الطبقات وليس صحيحا أنه كان يعبر عن النساء في الطبقات العليا".
البنات والصيف
المعروف أن كتابات إحسان عبد القدوس الأدبية أثارت أكثر من ضجة عند نشرها للمرة الأولى فاعترض الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على روايته "البنات والصيف"، التي تحولت لفيلم سينمائي شهير تضمن 3 قصص عن بطلات يعيشن قصة حب وأخرجه 3 مخرجين في سابقة كانت الأولى من نوعها وهو الفيلم الوحيد الذي جمع النجمة سعاد حسني مع عبدالحليم حافظ، كما أثار ضجة برلمانية بسبب فيلم "أنف و3 عيون" كما كانت الرقابة تتشدد مع أعماله.
وعلى الرغم من انتماء الابن محمد عبدالقدوس لبعض التيارات المحافظة، فإن المجتمع الأدبي في مصر ينظر له بتقدير كبير لأنه قاوم عملية التشويه التي تعرضت لها روايات والده في منتصف تسعينيات القرن الماضي عندما قام ناشره الأول بحذف بعض الفقرات وتشويه رواياته ما دفع الأسرة لمقاضاة الناشر وانقاذ أعمال إحسان عبدالقدوس لتبقى شاهدة على عصرها.
ويشير الابن إلى أن تراجع مستوى الفن والأدب المصري في السنوات الأخيرة يزيد من الحماس والحنين الدائم لزمن جميل مضى عبرت عنه روايات إحسان عبدالقدوس.
ويدلل الابن على فقر اللحظة الراهنة بعدم وجود علامات أدبية وفنية لها نفس تأثير نجيب محفوظ ويوسف السباعي ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس إلى جانب أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب.
خلال حياته ترددت الأقاويل عن نشأة إحسان عبد القدوس في بيئة متشددة دينيا وأخرى متفتحة، إلا أن الحقيقة كما يرويها الابن تؤكد أنه نشأ في أسرة محبة للفن والفنانين، وقال عبدالقدوس إن الجد الأكبر الشيخ رضوان، الذي كان يعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، كان عاشقا للفن وصديقا للفنان الكبير عبده الحامولي، وكان له صديق يعزف ناي اسمه عبدالقدوس ومن شدة حبه لصديقه سمى جده محمد عبدالقدوس، فكان متمسكا بتعاليم الدين لكنه ليس من نوعية الشيوخ المتشددين على حد قوله.
إحسان الأب
لم تختلف حسابات إحسان عبدالقدوس الأب عنه كأديب، فعندما قرر ابنه محمد الزواج من ابنة الشيخ الغزالي وافق على هذه الزيجة وتركه يختار الأنسب له، وقال: "محمد بعقليته أقرب إلى بيئة الشيخ الغزالي من بيئة نادي الجزيرة"، ولم ينس محمد هذا لوالده طيلة حياته.
وعن روايات والده المفضلة، يختار الكاتب الصحفي محمد عبدالقدوس، روايات "أنا حرة"، و"في بيتنا رجل" لأنهما رواياتان من الواقع الذي عاشه إحسان عبدالقدوس، حسب قول ابنه، الذي يؤكد أن والده لم يندمج في أي جماعة أو كيان واعتمد في تاريخه على رواياته التي تحولت إلى أفلام سينمائية حققت نجاحا كبيرا وشعبية لدى القراء والمشاهدين ولا تزال بطلات أفلامه حاضرات في الوعي الجمعي المصري.
ويشير الابن إلى "أريكة" تتوسط غرفة المكتب الذي يبدو بديكوراته إلى "زمن آخر" أن هذه الأريكة شهدت مناقشات مع نجمات ونجوم مثل فاتن حمامة وعمر الشريف وسعاد حسني وعبدالحليم حافظ ونادية لطفي ونبيلة عبيد وأحمد زكي،
وحسب الابن فإن والده إحسان عبد القدوس تميز عن باقي الأدباء بكونه تمتع بثلاث مواهب في نفس الوقت، فهو صحفي بارز حققت مجلة "روزا اليوسف" نجاحات كثيرة في عهده عام 1945، و"أخبار اليوم" كسرت حاجز المليون نسخة أيضا في عهده، وكان كاتبا سياسيا مميزا، بالإضافة إلى كونه روائيا كبيرا ولعل هذا ما يفسر مصادره الغنية في تجربته الكتابية والأدبية.
وعلى الرغم من شهرة الأديب إحسان عبدالقدوس، فإنه كان حريصا في صداقاته وكان الأقرب له من أبناء جيله كما يذكر الابن "نجيب محفوظ ويوسف السباعي ويوسف إدريس وفتحي غانم ومصطفى محمود".
طقوس خاصة
يقول محمد إن لديه إصرارا على ترك مقتنيات والده ومكتبه كما كانت دائما، حتى أنه يتردد في تغيير مواقعها، أو حتى إجراء ترميمات في أركان البيت لأنه يحمل عبق عائلته.
وفي الطريق من باب المنزل إلى غرفة المكتب، توجد ردهة طويلة تحفل جدرانها بصور وشهادات تقدير وملصقات أفلام ورسوم كاريكاتيرية رسمها له نجوم الرسم في مؤسسة "روزا اليوسف" من أمثال حجازي وحسن فؤاد ورجائي ونيس وبهجت عثمان.
ما يلفت في غرفة المكتب النسخ الأولى لأعمال إحسان التي قامت زوجته الراحلة بتغليفها وأصبحت ذات جمالية فائقة تزيد من قيمتها وكلها مهداة لها من زوجها الذي كانت تتفهم شهرته الواسعة وتتقبل عبارات معجباته بابتسامة ظلت معها دائما كما يقول الابن.
وعن عادات وطقوس الأديب الراحل، يقول نجله إنه كان يعتني بالصحافة نهارا، ويتجه للأدب ليلا، وكان يرتدي بذلته الكاملة ويجلس على مكتبه ليتفرغ للأدب يوميا، وغير مسموح لأحد بدخول مكتبه باستثناء حفيده فهو وحده قادر على أن يستوقفه عن حالة الكتابة.
وفي الوقت الحالي تدرس الأسرة تحويل جزء من المنزل إلى متحف يحمل اسمه، ويرفض محمد أن تتولى الدولة هذه المهمة مؤكدا أن تجارب تخصيص متاحف لأم كلثوم ونجيب محفوظ " ليست ناجحة ولا تغري بالتكرار"، في حين تبدو تجربة أسرة عبدالحليم حافظ في إتاحة جزء من بيته للزيارة أكثر نجاحا.