النفط العالمي 2019.. توقعات بفائض معروض وزيادة مخزون هائلة
كانت الآمال مزدهرة في زيادة مستوى النمو الاقتصادي العالمي، وارتفاع نمو الطلب على النفط، لكن العكس حصل.
ربما لم تشهد أسواق النفط العالمية منذ 4 أعوام، مثل هذا التبدل السريع في الأحوال خلال عام واحد فقط، مثلما تشهد ذلك الآن.
فقبيل انتهاء العام الماضي 2017 كانت الآمال مزدهرة في زيادة مستوى النمو الاقتصادي العالمي خلال 2018، ومن ثم ارتفاع نمو الطلب على النفط.
كما كانت منظمة "أوبك" وحلفاؤها سجلوا نجاحا ملحوظا في خطتهم بخفض الإنتاج، مع تحقق هدفهم بخفض مستوى المخزون لدى الدول المستهلكة، إلى ما يقرب من متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
وكان المتوسط الشهري لسعر برميل النفط من نوع برنت الخام واصل الارتفاع باستمرار من شهر لآخر على مدى النصف الثاني من 2017 بأكمله، بعد أن شهد تقلبا واسعا خلال النصف الأول من العام.
والآن، تكاد تكون الصورة المتعلقة بتوقعات 2019 تمثل الصورة السلبية لهذه الصورة الملونة الزاهية، والتي كانت عليها التوقعات قبل بداية العام الجاري.
وكما هو المنتظر دائما، تتفاوت التوقعات تبعا للمصالح التي تسعى إليها الجهات التي تصدرها، ومن ثم يعد الاستناد إلى توقع واحد بشأن سوق النفط العالمي متحيزا بالضرورة، ويؤدي إلى استنتاجات خاطئة.
وقد لا تتطابق هذه التوقعات، بل المؤكد أن هذه التوقعات لا تتطابق مع الواقع، ولكنها في كل الأحوال تمكننا من الاقتراب بشكل أكثر موضوعية، مما يمكن أن تشهده سوق النفط العالمي خلال العام المقبل.
النمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط
بات من المتوقع أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي العالمي إلى 3.6% خلال العام المقبل 2019، وهو ما يقل بنحو 0.1% عن التقديرات الخاصة بالنمو خلال العام الجاري.
بينما خفض صندوق النقد الدولي، في أكتوبر/تشرين أول الماضي، توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي، بنسبة 0.2% إلى 3.5% من توقعات سابقة بلغت 3.7%.
وتشير التوقعات إلى انخفاضات في معدل النمو في أغلب بلدان مجموعة العشرين، ويأتي ذلك نتيجة تصاعد المنازعات التجارية بشكل خاص، وآثارها السلبية على توقعات النمو في المدى المتوسط.
كما تبدو معدلات النمو أضعف في الاقتصادات الناشئة، خاصة تلك التي تواجه ضغوطاً ملموسة في أسواق المال العالمية، مع انخفاض سعر صرف عملاتها أمام الدولار الأمريكي، واضطرارها إلى تشديد سياستها النقدية مما يؤثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادي.
وربما الأكثر أهمية فيما يتعلق بسوق النفط العالمية، هو توقع انخفاض النمو في الدول المستهلكة الكبيرة للنفط في العالم.
فمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي تضم 35 بلدا من البلدان الصناعية المتقدمة والبلدان الصناعية الجديدة، تتوقع أن يسجل معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة أكبر مستهلك عالمي للنفط نحو 2.75% في العام المقبل، نزولا مما يقرب من 3% هذا العام.
ومن المنتظر أيضا، انخفاض معدل نمو الاقتصاد في الصين ثاني أكبر مستهلك عالمي إلى نحو 6.5% نزولا من 6.7% متوقعة هذا العام.
وفي الهند ثالث أكبر مستهلك عالمي من المنتظر أن يستقر معدل النمو في العام المقبل عند 7.5%، وهو المعدل نفسه المقدر العام الجاري.
وفي اليابان رابع أكبر مستهلك عالمي تقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انخفاض معدل النمو إلى 1.25% خلال العام المقبل.
بينما تقدر اليابان ذاتها أنه في غياب دوافع تسريع التنمية سواء محليا أو من الطلب الخارجي فسوف ينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2019 (1 أبريل 2019-30 مارس 2020) إلى 0.9% فقط، ومع انخفاض معدل نمو الإنتاج الصناعي ليسجل 1%.
والدول الأربع المذكورة تستهلك وحدها نحو 42% من جملة الاستهلاك العالمي من النفط.
وبناء على ما سبق نجد أن منظمة "أوبك" التي تمثل مصالح البلدان المنتجة والمصدرة للنفط تتوقع في تقريرها الشهري لشهر نوفمبر الماضي نمو الطلب على النفط في العام المقبل بمقدار 1.29 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو 140 ألف برميل يوميا عن توقعات التقرير الشهري الصادر في أغسطس/آب الماضي.
وتتوقع "أوبك" نمو استهلاك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 250 ألف برميل يوميا، بينما يزيد استهلاك البلدان خارج المنظمة بمقدار أكبر يبلغ 1.04 مليون برميل يوميا.
وتتوقع المنظمة وصول الاستهلاك العالمي من النفط إلى 100.08 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال 2019، بينما تشير إلى توقعها بلوغ الطلب على نفطها نحو 31.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو 1.1 مليون برميل يوميا عن تقديرات عام 2018.
على الجانب الآخر، نجد أن وكالة الطاقة الدولية، التي تمثل مصالح الدول المستهلكة الرئيسية في العالم في أحدث تقرير شهري لها، تتوقع أن يسجل النمو الطلب على النفط 1.3 مليون برميل يوميا في العام الجاري 2018، يرتفع إلى 1.4 مليون برميل يوميا في عام 2019.
ورغم اعتراف المنظمة باحتمالات ضعف الأداء الاقتصادي العالمي إلا أنها ترى أن هذا قد وازنه بالفعل انخفاض في أسعار النفط، مما يعمل على أن يكون نمو الطلب أعلى بشكل طفيف من النمو المقدر للعام الجاري.
وتقدر الوكالة بلوغ نمو الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نحو 355 ألف برميل يوميا في 2018، وينخفض هذا النمو إلى 285 ألف برميل يوميا في عام 2019، أي أعلى من تقديرات منظمة "أوبك" لنمو الطلب في هذه الدول.
وتشير الوكالة إلى أن الطلب على نفط "أوبك" من المتوقع أن يبلغ 31.3 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو 1.7 مليون برميل عن مستوى إنتاج المنظمة في شهر أكتوبر 2018.
الملاحظ مما سبق أن هناك تفاوتا واضحا ما بين توقعات نمو الطلب خلال العام المقبل بين "أوبك" والوكالة الدولية للطاقة، فبينما تضع الأولى توقعها عند مستوى 1.29 مليون برميل يوميا تتوقع الثانية أن يبلغ 1.4 مليون برميل يوميا.
كما أن هناك تفاوتا في توقعات الطلب على نفط دول منظمة الأوبك يبلغ نحو 200 ألف برميل خلال العام المقبل.
توقعات العرض العالمي
تذهب "أوبك" إلى توقع ارتفاع المعروض من النفط من البلدان خارجها، بمقدار 2.23 مليون برميل يوميا في 2019، ليبلغ 62.09 مليون برميل يوميا.
ومن المنتظر أن تكون البلدان الأكثر مساهمة في هذه الزيادة هي الولايات المتحدة، والبرازيل، وكندا، والمملكة المتحدة.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بلوغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام خلال العام الجاري 10.9 ملايين برميل في المتوسط، ارتفاعا من 9.4 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال عام 2017.
وتتوقع الإدارة وصول الإنتاج إلى 12.1 مليون برميل في المتوسط خلال العام المقبل 2019، أي أن الإدارة تتوقع ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة خلال العام المقبل بنحو 1.2 مليون برميل يوميا مقارنة بالعام الجاري.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية تزايد نمو العرض العالمي من النفط بسرعة، فبعد أن بلغ الإنتاج مستويات قياسية في المملكة السعودية، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، ليغطي بل يفيض عن الانخفاض في إنتاج كل من إيران وفنزويلا، تقدر الوكالة تزايد إنتاج النفط الخام خارج بلدان أوبك بمقدار 2.4 مليون برميل يوميا في العام الجاري 2018، بينما تتوقع أن تبلغ هذه الزيادة في الإنتاج نحو 1.9 مليون برميل يوميا في 2019.
ونجد هنا أيضاً تفاوتاً واضحاً بين توقعات "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية لتزايد العرض العالمي من الدول خارج المنظمة خلال العام المقبل.
فبينما تقدر "أوبك" الزيادة بنحو 2.23 مليون برميل يوميا، تضعها الوكالة عند 1.9 مليون برميل يوميا فقط.
وربما استنادا إلى التوقعات الأمريكية بزيادة الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يوميا، فالمنتظر أن تكون الزيادة في الإنتاج العالمي خارج "أوبك" خلال العام المقبل أكثر بالفعل من 1.9 مليون برميل يوميا.
المخزون
ربما يكون الملفت للانتباه أنه بعد تحقق الهدف الرئيسي الذي عملت "أوبك" من أجله بخطة خفض الإنتاج خلال عامي 2017 و2018، وهو النزول بمستوى المخزون في الدول المستهلكة الرئيسية إلى متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، نجد أن النصف الثاني من 2018 سجل بداية عود على بدء في هذا المجال.
فتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن مستوى المخزون التجاري في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ارتفع بمقدار 12.1 مليون برميل في سبتمبر/أيلول الماضي، ليبلغ هذا المخزون 2.875 مليار برميل خلال الربع الثالث 2018، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 58.1 مليون برميل عن الربع الثاني من العام الجاري، ويعد ذلك أعلى مستوى إضافة للمخزون خلال ربع سنة منذ 2015.
وتشير الوكالة إلى أن وتيرة زيادة المخزون ارتفعت، حيث إن ارتفاع الإنتاج العالمي، إضافة إلى الإعفاء الذي منحته الولايات المتحدة لـ8 دول من كبار المستوردين للنفط الإيراني من العقوبات، والسماح لها بالاستمرار في استيراد هذا النفط، واعتدال مستوى نمو الطلب، ستؤدي جميعها إلى زيادة المخزون في الربع الرابع 2018 بمقدار 700 ألف برميل يوميا، أي إضافة للمخزون قدرها 64 مليون برميل خلال الفترة أكتوبر-ديسمبر.
وزاد مستوى المخزون في دول منظمة التعاون الاقتصادي بالفعل، خلال 4 أشهر على التوالي من يوليو إلى أكتوبر، ليعود فوق مستوى متوسط هذا المخزون في الأعوام الخمسة الأخيرة.
وتتوقع وكالة الطاقة بناء على مستوى الإنتاج في الدول خارج "أوبك"، ومستوى الطلب العالمي على النفط، ومع افتراض بقاء مستوى إنتاج المنظمة على ما هو عليه دون تسجيل زيادة أو انخفاض، أن يرتفع مستوى المخزون خلال النصف الأول من العام المقبل بمقدار مليوني برميل يوميا، أي إضافة للمخزون تصل إلى نحو 365 مليون برميل أخرى خلال 6 أشهر.
ويصبح بذلك مستوى المخزون، إذا لم تتدخل "أوبك"، فوق مستوى متوسط مخزون 5 أعوام بمئات الملايين من البراميل.
وتؤكد إدارة معلومات الطاقة الأمريكية على هذه الإضافة للمخزون، بالإشارة إلى أنه بينما لن يسجل مخزون الطاقة السائلة (تشمل النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي والوقود الحيوي) أي ارتفاع خلال العام الجاري 2018، فالتوقع هو زيادة هذا المخزون بمقدار 600 ألف برميل يوميا خلال 2019، أي من المتوقع إضافة نحو 220 مليون برميل للمخزون الأمريكي خلال العام المقبل.
وأخيرا تشير وكالة الطاقة الدولية -في إيماءة إلى "أوبك"- إلى أن الارتفاع الأخير في مستوى العرض، وتوقع وجود فائض في العرض خلال العام المقبل، والإضافة للمخزون، يجب ألا ينظر له على أنه "تهديد" ولكن على أنه مصدر "للتأمين".
وهو أمر صحيح قطعا من وجهة نظر وكالة تمثل مصالح الدول المستهلكة الراغبة في مستوى كاف من العرض، يسمح باستمرار انخفاض الأسعار، مع مستوى مرتفع من المخزون يسمح لها بـ"تأمين" هذا المستوى السعري المنخفض لأطول فترة ممكنة.
الأوبك ومستقبل الأسعار
شهدت أسعار النفط خلال الفترة بين بداية أكتوبر الماضي والأسبوع الثالث من شهر نوفمبر الماضي أكبر انخفاض لها منذ وقت طويل.
فبعد أن بلغ سعر برميل نفط برنت الخام أكثر من 86 دولارا في بداية شهر أكتوبر الماضي إذا به ينخفض إلى نحو 58-60 دولارا للبرميل خلال الأسبوع الجاري، أي بانخفاض نسبي يقترب من 26%.
وفي ظل ما تم عرضه من توقعات من مستويات الطلب والعرض والمخزون خلال العام المقبل فمن المتوقع استمرار، بل المزيد من الانخفاض في سعر برميل النفط، في حال عدم التدخل لتغيير هذه التوقعات.
وكان من الطبيعي إزاء ما يحدث الآن، وما هو متوقع حدوثه خلال العام المقبل، أن تتدخل بعض الجهات المسؤولة في الدول المصدرة للنفط لتدعو إلى التنسيق وتبني خطة جديدة لخفض إنتاج منظمة "أوبك" وحلفائها.
وتدور المشاورات كما هو معلن حول مستوى خفض مقترح يتراوح بين 1-1.4 مليون برميل يوميا.
ومن المنتظر أن يكون ذلك هو الموضوع الرئيسي إن لم يكن الموضوع الوحيد المطروح على مائدة اجتماع "أوبك" نصف السنوي العادي، والذي سيحضره بالقطع حلفاء المنظمة الرئيسيين يوم 6 ديسمبر المقبل في العاصمة النمساوية فيينا.
aXA6IDMuMTQyLjE3Mi4xOTAg جزيرة ام اند امز