اختطاف وزير سابق كرة ثلج تهدد استقرار واقتصاد ليبيا.. فاتورة "كارثية"
بينما تحاول ليبيا تجاوز عنق الزجاجة، عبر الانخراط في مساعي إقرار خارطة الطريق، مُني البلد الأفريقي بانتكاسة، قد تعيده إلى المربع صفر.
فبالتزامن مع عقد مجلسي النواب والأعلى للدولة، الأسبوع الماضي جلستيهما الهادفتين لإقرار خارطة الطريق، التي توافق عليها رئيسا المجلسين، ألقت قوات تابعة لجهاز الأمن الداخلي القبض على وزير المالية في حكومة الوفاق الوطني السابقة فرج بومطاري، في مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس.
وما إن اعتقل بومطاري -الذي يعد مرشح القيادة العامة للجيش الليبي لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي- واقتيد إلى مكان غير معروف، حتى بدأت الساحة الليبية تشتعل ببيانات منددة، وبخطوات فعلية، أدت إلى شلل حقول النفط في البلد الأفريقي.
فماذا حدث؟
أعيان ومكونات أوباري ووادي الآجال، أعلنوا إغلاق حقل الشرارة النفطي تضامنا مع قبيلة الزوية التي ينتمي إليها وزير المالية السابق فرج بومطاري.
وبحسب تقارير محلية، فإن إيقاف الإنتاج من الحقل الذي تشغله شركة ريبسول الإسبانية أدى إلى خسارة ليبيا، أكثر من 300 ألف برميل يوميا (قيمة إنتاج الحقل يوميًا).
ساعات معدودة، حتى امتدت عدوى الإغلاق إلى حقل الفيل الذي تشغله المؤسسة الوطنية للنفط وشركة إيني الإيطالية، الواقع في حوض مرزق الواقع جنوب غرب مدينة أوباري، 70 ألف برميل يوميًا إضافية، وهي حصة الحقل من إنتاج البلد الأفريقي اليومي من الذهب الأسود.
وهدد منسق الحراك بالهلال النفطي وحوض النفط والغاز سليمان أحويج الزوي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، بإغلاق الحقول النفطية الجنوبية، في النافورة، وحقل 65، والخير، والسماح، والأمان، وزلطن، والواحة، بالإضافة إلى حقل التحدي الذي يعد أكبر حقل لتصدير الغاز.
إغلاق الموانئ
إلا أن إغلاق الحقول النفطية ليست رسالة الاحتجاج الوحيدة على اعتقال بومطاري؛ فمنسق الحراك، هدد -كذلك- بإغلاق الموانئ الخمسة: الزويتينة شرقي إجدابيا، والسدرة والبريقة ورأس لانوف في منطقة الهلال النفطي، بالإضافة إلى ميناء الحريقة النفطي الواقع في مدينة طبرق، حال عدم الإفراج عن الوزير السابق.
واتهمت قبيلة الزوية رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، بخطف بومطاري أثناء زيارته طرابلس، محملين النائب العام عواقب هذا الاختطاف الذي اعتبروه "مساسًا خطيرًا بالأمن القومي الليبي".
وهدد عدد من شباب قبيلة الزوية، بإغلاق حقل 108 بجالو حتى الإفراج عن بومطاري، مشيرين في رسالة مصورة إلى أن الأخير "تعرض للاختطاف من قبل الميليشيات الإجرامية".
وأعلنوا إغلاق الحقول والموانئ النفطية الواقعة بالجنوب الشرقي تباعًا، مشيرين إلى أنهم مستمرون في إقفال النفط، وتصعيد الأمور إلى أكثر من ذلك خلال الساعات القادمة، ما لم يتم إطلاق سراح بومطاري.
وفي رسالة تصعيد جديدة، هدد رئيس المجلس الأعلى لقبائل الزوية السنوسي الحليق، بإغلاق الماء عن سكان طرابلس، مشيرًا إلى أن باقي الحوق النفطية ستغلق ولن تفتح حتى إطلاق بومطاري.
هل من ردود أفعال؟
على الصعيد المحلي، دان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، ما وصفه بـ"اختطاف" وزير المالية السابق، محملا حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية كامل المسؤولية عن سلامته.
وطالب رئيس البرلمان الليبي، النائب العام باتخاذ الإجراءات العاجلة، تجاه الواقعة، ومحاسبة من تورط فيها وتقديمهم للعدالة في أسرع وقت ممكن.
في السياق نفسه، حذرت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، من أي أعمال من شأنها أن تقود إلى مزيد من التوتر وتقوض تطلعات الشعب الليبي.
وقالت السفارة الأمريكية، في بيان مقتضب صادر عنها، إنها تدعم بيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حول اعتقالات عشوائية حدثت مؤخرا، وردود الفعل الناجمة عنها.
تداعيات خطيرة
وكانت البعثة الأممية في ليبيا، حذرت من أن الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري للمواطنين والشخصيات العامة من قبل مختلف الجهات الأمنية في ليبيا سينتج مناخًا من الخوف، وسيزيد من التوترات بين المجتمعات المحلية والقبائل، بالإضافة إلى تداعياته "الخطيرة" على توحيد المؤسسات الوطنية.
وحذرت البعثة الأممية، من أن استمرار هذه السلوكيات لا يمكن أن يساعد على المضي قدما لإجراء انتخابات شفافة وشاملة وإنجاز المصالحة الوطنية، داعية السلطات الليبية والتشكيلات الأمنية إلى الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفيا، وضمان إجراء تحقيقات مستقلة في جميع المزاعم المتعلقة بعمليات الاحتجاز والاختطاف خارج نطاق القانون، وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.
وأعربت عن قلقها من التقارير التي تفيد بإغلاق بعض حقول النفط ردا على "اختطاف" بومطاري، ما من شأنه أن يؤثر على مصدر الدخل الرئيسي للشعب الليبي، مطالبة بإنهاء الإغلاق على الفور، والكف عن استخدام النفط الليبي والموارد الطبيعية الأخرى كأداة للمساومة في أي شكل من أشكال الصراع الداخلي.
فاتورة "كارثية"
وحول تداعيات إغلاق حقول النفط، قالت وزارة النفط والغاز الليبية، في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، إنه بالنظر إلى سوابق إغلاق الحقول والموانئ النفطية في ليبيا، فإن عواقب وتبعات تلك الإغلاقات كانت "جد جسيمة على ليبيا، وقد يصعب حصر وبيان كل الأضرار والأخطار التي قد تسببها إقفالات اليوم للحقول النفطية؛ لكثرتها وتنوع أشكالها".
وحذرت من أن بعض هذه العواقب والأضرار والأخطار ستكون كالتالي:
- فقدان الثقة في ديمومة تزويد السوق العالمية بالنفط الليبي، سينتج عنه بقاء النفط الليبي دون تسويق، أو يقل الطلب عليه.
- احتمالية فقدان المستوردين للنفط الليبي إلى غير رجعة، لتخوف هؤلاء من عدم الاستقرار في الإمدادات، وعدم قدرة ليبيا على الإيفاء بالعقود والاتفاقيات.
- احتمالية العودة لإعلان (القوة القاهرة) وغير ذلك من إجراءات محتملة، ما يجعل الشركاء مضطرين للبحث عن بديل آخر غير ليبيا.
- تأثر الدول المشاركة مع ليبيا بالإنتاج مقابل حصص، مما سيؤدي ذلك إلى "إزعاجهم".
- هدم المساعي الجادة التي تقوم وزارة النفط في إقرارها للعالم، بأن ليبيا تشهد استقراراً عريضاً في الإنتاج، واستقراراً في النواحي الأمنية المصاحبة لهذا الإنتاج، مما سيجعل من المستحيل إقناع بعض الأطراف الدولية بخصوصية وضع ليبيا.
- عجز توفير الغاز لمحطات توليد الكهرباء، ما يعني الرجوع للأزمات الخانقة من انقطاع الكهرباء وطرح الأحمال، وتعطل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
- عمليات إيقاف الإنتاج ثم إعادة فتحها من جديد، وما يتطلبه من عمليات صيانة ومعالجة المشاكل الفنية لمعدات وآليات استخراج النفط وإنتاجه وتكريره، يتطلب جهداً عريضاً ووقتاً طويلاً وتكلفة عالية تتحملها خزينة الدولة.
ودعت وزارة النفط، كل الأطراف ذات العلاقة إلى "تحكيم العقل، وتحييد عمليات إنتاج وتصدير النفط والغاز عن أي قضايا خاصة، أو أية خلافات، مع موقفنا الثابت بالصدع بالحق والمطالبة بالحقوق ورفع الظلم والجور والتعسف".
كما دعت إلى ضرورة الحرص، على استمرار إنتاج النفط، وحسن تسويقه، وحفظه مصاناً كونه قوت الليبيين الذي لا ينبغي استعماله كورقة ضغط، مناشدة جهاز حرس المنشآت النفطية للقيام بالمهام المسندة إليه بشأن تأمين المواقع النفطية.