خبراء: "أوبك" في مهمة صعبة بعد أزمة الفيروس
خفضت الجائحة الاستهلاك اليومي من النفط بمقدار الثلث في وقت تعمل فيه زيادة استخدام السيارات الكهربائية على تخفيض توقعات الطلب
من المحتمل أن تكون أزمة فيروس كورونا قد تسببت في إحداث تغيير في ميزان الطلب على النفط وأن يكون هذا التحول قد أصبح محور التفكير داخل منظمة أوبك.
فقد خفضت الجائحة الاستهلاك اليومي من النفط الخام بمقدار الثلث هذا العام في وقت تعمل فيه زيادة استخدام السيارات الكهربائية والتحول إلى مصادر للطاقة المتجددة على تخفيض التوقعات للطلب على النفط في الأجل الطويل.
ودفع ذلك بعض المسؤولين في منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك، وفق تقرير لوكالة رويترز، إلى التساؤل عما إذا كان انهيار الطلب الذي شهده العالم هذا العام يؤذن بالتحول عن النفط.
وحاورت رويترز سبعة من المسؤولين الحاليين والسابقين ومصادر أخرى على صلة بأوبك ،وقال هؤلاء إن الأزمة التي شهدها العام الجاري ودفعت سعر النفط إلى التراجع دفعت منظمة أوبك إلى إطلاق التساؤلات حول الآراء الراسخة منذ فترة طويلة عن التوقعات الخاصة بنمو الطلب على النفط.
- روسيا تعلق على مصير اتفاق أوبك+.. القرار رهن سوق النفط
- "سلة أوبك" فوق 40 دولارا.. وأسعار النفط تفجر أزمة بين الأردن والعراق
وقال حسن قبازرد مدير البحوث في أوبك من 2006 إلى 2013، والذي يتضمن عمله حاليا تقديم المشورة لصناديق التحوط وبنوك الاستثمار عن سياسة أوبك، "مهمة أوبك ستكون أصعب في المستقبل بسبب انخفاض الطلب وارتفاع الإنتاج من خارجها".
وقال مسؤول يعمل في دراسات الطاقة بوزارة النفط بإحدى الدول الكبرى الأعضاء في أوبك إن الصدمات التي واجهها الطلب على النفط في الماضي أدت إلى تغييرات دائمة في سلوك المستهلكين.
وتابع "الطلب لا يعود إلى مستويات ما قبل الأزمة أو يستغرق حدوث ذلك وقتا. ومبعث القلق الرئيسي هو أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته في السنوات القليلة المقبلة بسبب التقدم التكنولوجي السريع لاسيما في بطاريات السيارات".
وفي العام 2019، استهلك العالم 99.7 مليون برميل من النفط يوميا وكانت أوبك تتوقع أن يرتفع الاستهلاك إلى 101 مليون برميل في اليوم في 2020.
غير أن تداعيات الجائحة على المستوى العالمي أدت إلى توقف حركة الطيران والسيارات في الشوارع ودفعت أوبك لتقليص الطلب في 2020 إلى 91 مليون برميل يوميا في حين لا تزال التوقعات تشير إلى أن الطلب في 2021 سيقل عن مستوياته في 2019.
السيارات الكهربائية
منذ فترة طويلة تحاول الدول المنتجة ومحللو الطاقة وشركات النفط التنبؤ بالموعد الذي سيصل فيه العالم إلى "الذروة النفطية"، وهي النقطة التي يبدأ بعدها الاستهلاك في الانخفاض بشكل متواصل. غير أن الطلب ظل يرتفع عاما بعد عام باطراد باستثناءات من حين لآخر في فترات الركود الاقتصادي.
ومع ذلك عمدت أوبك إلى تقليص التوقعات. ففي 2007 توقعت أن يصل الطلب العالمي في 2030 إلى 118 مليون برميل يوميا. وبحلول العام الماضي انخفضت توقعات الطلب في 2030 إلى 108.3 مليون برميل في اليوم.
وقال مصدر في أوبك إن من المتوقع أن يتضمن تقرير أوبك لشهر نوفمبر تشرين الثاني المقبل تعديلا آخر بالخفض.
وتتباين توقعات الاستهلاك خارج منظمة أوبك. فقد خفضت شركات النفط توقعاتها لأسعار النفط الخام في الأجل الطويل مع تقلص آفاق الطلب لتقلص بالتالي قيمة أصولها نتيجة لذلك.
وتعتقد شركة (دي.إن.في جي.إل) العالمية للاستشارات أن الطلب بلغ ذروته على الأرجح في العام 2019.
وشهدت النسبة المئوية لنصيب النفط من مزيج الطاقة العالمي انكماشا مطردا في العقود الأخيرة إذ تراجعت من نحو 40 في المئة في 1994 إلى 33 في المئة في 2019 وذلك رغم ارتفاع حجم الاستهلاك مع زيادة أعداد السيارات ونمو حركة السفر جوا وصناعة البتروكيماويات التي تزايد إنتاجها من مواد البلاستيك وغيرها.
وربما يكون هذا الوضع بسبيله للتغير الآن مع زيادة إنتاج السيارات الكهربائية والمشاكل التي تواجهها صناعة الطيران للتعافي من تداعيات الجائحة. ولا يتوقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (اياتا) الوصول مرة أخرى إلى مستويات التشغيل لعام 2019 إلا في 2023 على أقرب تقدير.
وقال مسؤول ثان في أوبك يشارك في وضع التوقعات "ما إن تنتعش حركة الطيران بنهاية 2023 سيعود الطلب إلى مستواه الطبيعي بخلاف المنافسة من موارد الطاقة الاخرى"، مسلطا بذلك الضوء على صعوبة وضع التنبؤات وسط اتجاه عالمي لاستخدام المزيد من موارد الطاقة المتجددة وغيرها من أنواع الوقود.
ولا تزال أسعار النفط، المتأرجحة أعلى من 40 دولارا للبرميل، أقل من المستوى الذي تحتاج إليه معظم حكومات الدول الأعضاء لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات بما في ذلك السعودية القائد الفعلي للمنظمة.
ضغوط جديدة
ليست الأزمات بالأمر الغريب على أوبك التي تعد مصدرا لحوالي ثلث الإمدادات العالمية. فقد أدارت الصدمات التي شهدتها الإمدادات خلال حروب الخليج في الثمانينيات والتسعينيات وفي العقد الأول من الألفية الثالثة وتوصلت إلى سبل للتكيف،مثلما كان حال صناعة النفط الصخري الأمريكية في العقد الأخير.
وأقرب مثال على ذلك، عندما هوى الطلب بفعل أزمة فيروس كورونا اتفقت أوبك وروسيا وحلفاء آخرون ائتلفوا في مجموعة تُعرف باسم أوبك+ على تنفيذ تخفيضات قياسية في الإنتاج بلغت 9.7 مليون برميل يوميا تعادل عشرة في المئة من الإمدادات العالمية. ويستمر العمل بهذه التخفيضات حتى نهاية يوليو تموز الجاري.
وقال شكيب خليل الذي شغل منصب وزير النفط الجزائري على مدى عقد وكان رئيسا لأوبك مرتين "هذا الاتجاه سيفرض ضغطا على التعاون بين أعضاء أوبك وكذلك بين أوبك وروسيا مع سعي كل طرف للحفاظ على حصته من السوق".
وقال مندوب إحدى الدول الأعضاء في أوبك "تحديات كثيرة في المستقبل وعلينا التكيف" مضيفا أن إدارة المنظمة للأزمات السابقة أثبتت قدرتها على الاستجابة للتغيرات.
وقال قبازرد مدير البحوث السابق في أوبك إن المنظمة ربما يكون أمامها فترة أطول قليلا للتكيف قبل بلوغ الطلب ذروته. لكنه أضاف أن الموعد الذي يتعين على أوبك التكيف فيه يقترب.
وتابع "لا أعتقد أنه (الطلب) سيرتفع عن 110 ملايين برميل يوميا بنهاية الأربعينيات" مضيفا أن تداعيات جائحة كوفيد-19 غيرت عادات المستهلكين بحيث لن تعود إلى سابق عهدها.