أدى الموقف الأمريكي بمنح ثمانية بلدان إعفاءات من العقوبات المفروضة على إيران إلى حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار في أسواق النفط.
أدى الموقف الأمريكي بمنح ثمانية بلدان إعفاءات من العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني، إلى حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار في أسواق النفط العالمية، وهو ما عزز من الاتجاه نحو انخفاض الأسعار، وبات التوقع السائد هو إمكانية حدوث فائض عرض خلال العام القادم، وهو ما يهدد بمزيد من الانخفاض في الأسعار.
صادرات إيران والإعفاءات
كانت الصادرات الإيرانية قد بلغت ذروتها، هذا العام، عند ما يقرب من 3 ملايين برميل يوميا، من بينها صادرات من متكثفات الغاز الطبيعي تبلغ نحو 530 ألف برميل يوميا، وقد انخفضت هذه الصادرات بشدة بعد إعلان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران في 8 مايو الماضي، فقد صدّرت إيران ما يتراوح بين 1.6 و1.7 مليون برميل يوميا في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وانخفضت هذه الصادرات بشدة طبقا لبعض المراقبين لتدور خلال شهر نوفمبر الحالي حول 1.1 مليون برميل يوميا فقط. وهو أمر طبيعي لأن التوقف عن تسلم أي شحنة من النفط الإيراني بعد الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني طبقا للقرار الأمريكي كان يقتضي عدم التعاقد عليه منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي تقريبا. وبالتالي فالعودة للاستيراد حتى إذا تمت الآن، فربما لن تظهر آثارها الكاملة إلا مع نهاية هذا الشهر أو بداية الشهر المقبل.
يبدو أنه قد آن الأوان لكي ينظر الاجتماع نصف السنوي العادي للأوبك في 6 ديسمبر المقبل بجدية في التفاهم أو الاتفاق طويل الأجل بين الأوبك وحلفائها. وكانت أول إشارة إلى هذا الاتفاق حديثا لولي العهد السعودي لوكالة رويترز، في مارس 2017، ألمح فيه إلى اتفاق قد يمتد 10 سنوات أو 20 سنة.
وقد تحول القرار عمليا من عقاب إيران إلى التهديد بخلق تخمة عرض في الأسواق، حيث لم يتم تحديد أي كمية للواردات ترتبط بإعفاء هذه البلدان، فليس هناك ما يمنع بالطبع من زيادة كميات الواردات، بحيث لا تنخفض صادرات إيران برميلا واحدا. فما الذي يمنع الصين مثلا من زيادة وارداتها من النفط الإيراني من 650 ألف برميل يوميا، كما هو حادث حتى وقت قريب، إلى مليون برميل يوميا؟ وما الذي يمنع الهند من رفع وارداتها إلى 800 ألف برميل مثلا بدلا من 550 ألف برميل كانت تستوردها؟ وربما لن يقتصر الأمر عليهما، أخذا في الاعتبار بعض الخصومات السعرية التي يمكن أن تقدمها إيران في سبيل دعم صادراتها. ومن المعروف أن الدول الثماني التي منحت الإعفاءات كانت تستورد نحو 75% من جملة الصادرات النفطية الإيرانية، أي ما يقرب من 2.2 مليون برميل يوميا من النفط والمتكثفات.
وقد أدى غموض القرار إلى حالة بلبلة في الأسواق. فالبعض يرى أن صدور قرار الإعفاءات أدى إلى حدوث هبوط مفاجئ في الأسعار، لكنه هبوط مؤقت فقط. إذ يشير هؤلاء إلى أنه مع الوضع في الاعتبار أن هذا الإعفاء هو إعفاء مؤقت لستة أشهر فقط، ومع ميلهم إلى ترجيح أن إدارة ترامب لن تسمح للبلدان المعفاة بشراء الكميات التي تريدها من النفط الإيراني، فهبوط الأسعار لن يستمر.
وتظل الكمية التي سيتم السماح بها لكل بلد من البلدان الثمانية مصدرا لعدم اليقين وعدم استقرار السوق خلال الفترة الحالية، إلى أن تعلن الإدارة الأمريكية بوضوح عن أي تفاصيل في هذا الشأن، وطبقا لبعض المصادر المجهولة التي أدلت بتصريحات لوكالتي رويترز وبلومبيرج، فالقرار الأمريكي يتضمن السماح للصين باستيراد 360 ألف برميل يوميا، والهند 300 ألف برميل، وكوريا الجنوبية 200 ألف من سوائل الغاز الطبيعي، و200 ألف برميل من النفط، أي أن هذه الدول الثلاث وحدها سيسمح لها باستيراد ما يزيد على مليون برميل يوميا، أو نحو 64% تقريبا مما كانت تستورده قبل قرار العقوبات، وإذا طبقت النسبة نفسها على البلدان الخمسة الأخرى فستبلغ وارداتها نحو 400 ألف برميل. وعلى ذلك فقد تبلغ صادرات إيران لهذه البلدان نحو 1.5 مليون برميل يوميا، هذا إذا تأكدت صحة هذه التصريحات. وبناء على ما سبق، فستكون جملة ما سيغيب عن الأسواق قياسا إلى أعلى مستوى بلغته الصادرات الإيرانية هذا العام هو 1.5 مليون برميل في حده الأقصى. ناهيك بالطبع عن محاولات أكيدة لإيران لتهريب النفط وبيعه بوسائل يصعب تعقبها ورصدها، خاصة عن طريق بعض البلدان المجاورة لها.
عوامل أخرى تعزز تدهور الأسعار
أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، يوم الأربعاء الماضي، عن زيادة المخزون التجاري بمقدار 5.8 مليون برميل، لتبلغ جملة هذا المخزون 431.8 مليون برميل، وهو ما يزيد على متوسط الأعوام الخمسة الأخيرة في مثل هذا الوقت من السنة بنحو 3%، وكان هذا المخزون قد انخفض إلى أقل مستوى له عند 394 مليون برميل في الأسبوع المنتهي يوم 14 سبتمبر/أ الماضي، ثم عاد للارتفاع بانتظام على مدى الأسابيع السبعة التالية. ومن المعروف أن قرار الأوبك والدول الحليفة لها كان بخفض مستوى الإنتاج حتى يتم العودة بالمخزون في الدول المستهلكة إلى متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وطبقا لإدارة معلومات الطاقة أيضا فقد وصل الإنتاج الأمريكي إلى 11.6 مليون برميل يوميا، خلال الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوى تاريخي له، وتقدر الإدارة ارتفاع الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا قبل نهاية العام الحالي.
ردود فعل الأوبك وحلفائها
من الطبيعي في ظل ما سبق الإشارة إليه أن يساور القلق الدول المصدرة للنفط داخل الأوبك وخارجها. ومبعث هذا القلق هو التغيرات المتوقعة خاصة في جانب العرض، ففي هذا الجانب هناك توقع باستمرار ارتفاع كميات المخزون والإنتاج الأمريكي، إلى جانب ارتفاع إنتاج بعض الدول الأخرى خارج الأوبك وغير الحليفة لها، إضافة إلى استمرار تصدير النفط الإيراني بالكميات السابق الإشارة إليها لمدة ستة أشهر. وكل ذلك يعني أن هناك زيادة كبيرة في العرض بمستويات تزيد على ما كان متوقعا حتى وقت قريب، أما في جانب الطلب فما زالت التوقعات السائدة هي انخفاض نمو الطلب نتيجة للأوضاع الاقتصادية العالمية، سواء ما يتعلق بحرب التجارة أو الأوضاع في الدول الناشئة، وهو ما يهدد باحتمال انخفاض معدلات النمو الاقتصادي. إضافة إلى توقع ارتفاع مستوى سعر صرف الدولار أمام عملات البلدان الأخرى، بما يرفع من سعر النفط -المقوم بالدولار- في هذه البلدان، ويضعف بالتالي من طلبها عليه.
وبناء على هذ الأوضاع المستجدة، تم الإعلان عن مشاورات سعودية-روسية لدراسة احتمالات العودة لخفض الإنتاج مرة أخرى. ومن المؤكد أن أوضاع السوق العالمية ستكون محلا لدراسة اجتماع لجنة مراقبة الإنتاج التي تضم ستة بلدان من الأوبك وحلفائها، والمقرر انعقاده يوم الأحد المقبل بأبوظبي.
وفي جميع الأحوال يبدو أنه قد آن الأوان لكي ينظر الاجتماع نصف السنوي العادي للأوبك، في 6 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بجدية في التفاهم أو الاتفاق طويل الأجل بين الأوبك وحلفائها، وكانت أول إشارة إلى هذا الاتفاق حديثا لولي العهد السعودي لوكالة رويترز في مارس/آذار 2017 ألمح فيه إلى اتفاق قد يمتد 10 أو 20 سنة. ومثل هذا الاتفاق سيؤدي دون شك إلى تحقيق استقرار ممتد في أسواق النفط، وفي ظل الحرص على تحقيق التوازن بين مصالح كل من المنتجين والمستهلكين، بدلا من حالة عدم الاستقرار التي تضر بالأوضاع الاقتصادية لجميع الأطراف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة