حرب غزة والبحر الأحمر والصين.. لماذا اشتعلت أسعار النفط في 2024 فجأة؟
ارتفعت أسعار النفط في التعاملات المبكرة اليوم الثلاثاء مع استمرار مخاوف الإمدادات بفعل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بالشرق الأوسط.
وقد ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 25 سنتاً بما يعادل 0.3 بالمئة إلى 82.65 دولار للبرميل بحلول الساعة 0105 بتوقيت غرينتش. وصعد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 31 سنتاً أو 0.4 بالمئة إلى 77.09 دولار للبرميل.
- «أدنوك للغاز» تعزز حضورها العالمي.. اتفاقية تاريخية مع شركة «جايل» الهندية
- أكبر سفينة في العالم لمد الكابلات تبدأ العمل بمشروع «أدنوك»
وانخفض كلا العقدين أكثر من دولار أمس الإثنين، إذ غذت أزمة العقارات المتفاقمة مخاوف الطلب الصيني، بعد أن أمرت محكمة في هونج كونج بتصفية مجموعة تشاينا إيفرجراند العقارية العملاقة.
لكن المحللين يقولون إن السوق لا تزال على حافة الهاوية وسط تصاعد المخاوف بشأن إمدادات النفط، حيث تعهدت واشنطن باتخاذ "جميع الإجراءات اللازمة" للدفاع عن قواتها في أعقاب هجوم مميت بطائرة مسيرة في الأردن شنه مسلحون مدعومون من إيران، وهو أول حادث يلقى فيه عسكريون أمريكيون حتفهم منذ بدء حرب غزة.
وبالإضافة إلى ذلك، أدى الهجوم على ناقلة نفط تابعة لشركة ترافيجورا في البحر الأحمر في مطلع الأسبوع إلى زيادة المخاطر المتعلقة بانقطاع الإمدادات، في حين أن خطر انجرار الولايات المتحدة إلى الصراع يتزايد أيضاً.
وتأتي مكاسب أسعار النفط أيضا قبيل قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) بشأن سعر الفائدة، حيث تبدأ اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة اجتماعاً يستمر الثلاثاء والأربعاء.
ومن المتوقع أن يبقي صناع السياسة أسعار الفائدة ثابتة، لكن بعض المستثمرين يعتقدون أن البنك المركزي قد يتخلى عن انحيازه لرفع الفائدة.
لكن استمرار صعود أسعار النفط خلال الفترة المقبلة يواجه عدة مخاطر تشمل آفاق الطلب وارتفاع الإمدادات من بعض الدول.
مكاسب سعرية قوية
فقد ارتفعت أسعار النفط لأعلى مستوى في شهرين عند تسوية تعاملات الجمعة الماضية، لتحقق أكبر وتيرة مكاسب أسبوعية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقد صعد خام برنت القياسي تسليم شهر مارس/آذار إلى 83.55 دولار للبرميل عند تسوية الجمعة، وهو أعلى مستوى منذ الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كما نجح خام غرب تكساس الأمريكي تسليم مارس في الصعود لأعلى مستوياته منذ نوفمبر/تشرين الثاني متجاوزًا 78 دولارًا للبرميل.
وحقق كل من خامي برنت وغرب تكساس مكاسب أسبوعية تتجاوز 6%، وهي الأكبر منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومنذ بداية العام الجاري، ارتفع سعر خامي برنت وغرب تكساس بأكثر من 8%. وتحاول أسعار النفط التعافي من خسائرها المسجلة في العام الماضي والتي تجاوزت 10%، بفعل تخمة المعروض.
تفاؤل بشأن الطلب
استفادت أسعار النفط مؤخرًا من البيانات الاقتصادية القوية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ترجح سيناريو الهبوط السلس للاقتصاد الأكبر في العالم.
وقد نما الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بوتيرة سنوية 3.3% في الربع الرابع من العام الماضي، ما تجاوز التوقعات البالغة 2%. وحقق الاقتصاد الأمريكي نموًا للربع السادس على التوالي، ليواصل تحدي توقعات الركود رغم التشديد النقدي القوي للاحتياطي الفيدرالي منذ مارس/آذار 2022.
أداء الاقتصاد الأمريكي خلال الفصول الأخيرة
جاءت مكاسب النفط مع إقرار السلطات الصينية تدابير تحفيزية لدعم الطلب وتنشيط الاقتصاد. وقد قرر بنك الشعب الصيني خفض الاحتياطي الإلزامي للمصارف 50 نقطة أساس بداية من فبراير/شباط المقبل، مع تعهد السلطات الحكومية بدعم القطاع العقاري والطلب الاستهلاكي.
وقال "تيم إيفانز" محلل سوق النفط إن التحفيز الاقتصادي في الصين وبيانات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة وتباطؤ التضخم الأمريكي عوامل ساعدت في دعم أسعار النفط الأسبوع الماضي.
ويرى "روبرت ثوميل" مدير المحافظ في "تورتويز كابيتال" أنه من المحتمل أن تشهد أكبر دولتين مستهلكتين للنفط حول العالم طلبًا قوياً على الخام هذا العام.
كانت وكالة "أوبك" قد توقعت نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 2.25 مليون برميل يومياً في العام الجاري مقارنة بـ 2.46 مليون برميل يومياً في 2023.
بينما كانت وكالة الطاقة الدولية أكثر تحفظاً، حيث قدرت نمو الطلب على النفط في 2024 عند 1.1 مليون برميل يومياً، من 2.3 مليون برميل يومياً في العام الماضي.
مخاوف حيال المعروض
على جانب موازٍ، تستمر التوترات الجيوسياسية في دعم أسعار النفط، وسط مخاوف مرتبطة بالمعروض من الخام.
وقالت شركة تجارة السلع الأساسية "ترافيجورا" يوم الجمعة إن النيران اندلعت في ناقلة نفط تابعة لها في خليج عدن، بعد أن تم استهدافها بصاروخ.
ونقلت "بي بي سي" عن شركة "ترافيجورا" قولها إن الهجوم تسبب في نشوب حريق بأحد صهاريج الشحن، فيما أكد الحوثيون استهداف السفينة "مارلين لواندا".
وكانت تقارير قد أشارت إلى أن مسؤولين صينيين طلبوا من إيران المساعدة في كبح الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن على السفن في البحر الأحمر.
بحسب التقرير الذي نشرته وكالة "رويترز"، هدد المسؤولون الصينيون إيران بتأثر العلاقات التجارية مع بكين حال استمرار الهجمات في البحر الأحمر، مع حقيقة أن الصين تشتري نحو 90% من صادرات النفط الخام الإيرانية.
وقد شهدت الأيام الماضية قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بشن هجمات جوية ضد أهداف للحوثيين، وسط اتجاه سفن الشحن وناقلات النفط إلى تغيير مسارها، ما تسبب في تأخير الرحلات وارتفاع تكاليف الشحن.
لكن التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط لم تتسبب حتى الآن في تعطل تدفقات النفط من المنطقة.
وقال "جوشوا ماهوني" كبير محللي السوق في "سكوب ماركتس" إن أسواق الطاقة ترى أخيرًا الاحتمال الواضح بأن اضطرابات سلسلة التوريد قد تستمر لعدة أشهر.
على جانب آخر، تأثر إنتاج وصادرات النفط الأمريكية سلبًا بالطقس البارد في الولايات المتحدة، ما ألقى بظلاله أيضًا على الطلب على الوقود.
وانخفض إنتاج النفط الأمريكي بنحو مليون برميل يومياً ليصل إلى 12.3 مليون برميل يومياً في الأسبوع المنتهي في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني، وهي أكبر وتيرة هبوط منذ سبتمبر/أيلول 2021.
كما تراجعت مخزونات النفط الخام الأمريكية 9.2 مليون برميل، مع هبوط الواردات بشكل قوي جراء الطقس الذي تسبب في إغلاق بعض المصافي.
وقال "جاي هاتفيلد" الرئيس التنفيذي لشركة "إنفراستراكشن كابيتال أدفيسورز" إن ارتفاع النفط مؤخرًا يأتي مع عودة فصل الشتاء إلى طبيعته إلى حد ما، بعد أن كان يُشار إليه باعتباره أدفأ ديسمبر/كانون الأول منذ 150 عامًا.
على جانب أخر، ذكرت تقارير أن تحالف "أوبك بلس" لا يخطط لإقرار أي تغيرات في خفض إنتاج النفط خلال اجتماعه في الأول من فبراير/شباط.
وقد أقرت المجموعة في اجتماعها الأخير خفضاً إضافياً لإنتاج النفط بنحو 2.2 مليون برميل يومياً حتى الربع الأول من العام الجاري.
وقال "ألكسندر ديوكوف" رئيس شركة "جازبروم نفط" الروسية إنه لا يرى ضرورة لتخفيضات إضافية في إمدادات النفط من جانب "أوبك بلس".
ويعتقد "ديوكوف" أن سوق النفط يشهد فائضًا طفيفاً، متوقعًا أن تؤدي خطط الخفض المعلنة من "أوبك بلس" خلال الربع الأول إلى حالة من التوازن في السوق.
مخاطر تهدد الانتعاشة
رغم حالة التفاؤل التي تسود سوق النفط العالمي خلال الفترة الحالية، فإن هناك مخاطر تهدد بإنهاء الاتجاه الصاعد للأسعار.
فيما يتعلق بالأساسيات، يبدى بعض المحللين قلقهم حيال ارتفاع المعروض من خارج أوبك، بالإضافة إلى مخاوف ضعف الطلب على النفط.
وصل إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية مرتفعة عند 13.3 مليون برميل يومياً في وقت سابق من هذا الشهر، قبل أن يتراجع بقوة نتيجة ظروف الطقس القاسية.
كما يواصل إنتاج النفط في البرازيل وكندا تسجيل مستويات قياسية، بالإضافة إلى الصعود الملحوظ للإمدادات في فنزويلا وإيران.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يسجل سوق النفط فائضًا في الإمدادات حال إنهاء "أوبك بلس" لتخفيضات الإنتاج بحلول الربع الثاني من العام الجاري، كما هو مقرر حالياً.
كما تعتقد شركة "إتش إس بي سي جلوبال ريسيرش" أن الطاقة الإنتاجية الفائضة لتحالف "أوبك بلس" ستكون كافية لتعويض المخاطر الجيوسياسية الحالية.
وتتجه الطاقة الإنتاجية الفائضة لـ"أوبك بلس" إلى تسجيل 4.5 مليون برميل يومياً في نهاية 2024 من 4.3 مليون برميل ومياً في العام الماضي، ما قد يكفي للحد من ارتفاع الأسعار.
وقد توقعت الشركة أن يظل خام برنت ضمن نطاق يتراوح بين 75 و85 دولارًا للبرميل في المدى المتوسط.
على جانب موازٍ، أشار "إتش إس بي سي" إلى أن استراتيجية "أوبك بلس" للتأثير على الأسعار من خلال تخفيضات الإنتاج أصبحت أقل فاعلية بفضل ارتفاع الإمدادات من الدول خارج المنظمة، خاصة الولايات المتحدة.
aXA6IDE4LjExOS4xMjcuMTMg جزيرة ام اند امز