الأجواء باتت مهيأة الآن لكي تسلك أسعار النفط اتجاها صاعدا
يمكن القول بعد الاجتماع الذي عقدته لجنة مراقبة إنتاج النفط التي ضمت كلا من المملكة السعودية والكويت وروسيا في أبوظبي، يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، إن الأجواء باتت مهيأة الآن لكي تسلك أسعار النفط اتجاها صاعدا. ويستند هذا التوقع إلى النتائج الإيجابية التي تمخضت عن اجتماع اللجنة، إلى جانب بعض التطورات التي تزامنت معه.
فقد تم التأكيد في أعقاب الاجتماع على أن الالتزام باتفاق خفض إنتاج دول منظمة الأوبك ومجموعة من المنتجين خارجها سوف يكون أكبر. وكانت اللجنة قد عقدت اجتماعات منفردة مع ممثلين لكل من العراق والإمارات من أعضاء الأوبك، وكذا ممثلين عن كل من كازاخستان وماليزيا من الدول غير الأعضاء، وكانت هناك إشارات متعددة إلى أن التزام الدول الأربع باتفاق خفض الإنتاج غير كامل.
ويدافع كل من العراق والإمارات عن موقفيهما بأنه جرى تحديد مستوى إنتاجهما في شهر أكتوبر الماضي، استنادا إلى مصادر ثانوية تعتمدها الأوبك، وهو المستوى الذي يتم الخفض بناءً عليه بأقل من حقيقته وبذلك بات عليهما الالتزام بسقف إنتاج يقل بكثير عما ينتجانه بالفعل. وفي هذا الصدد أيضا نشير إلى وجود فارق كبير بين البلدين، إذ إن بعض الجهات المستقلة قدرت نسبة التزام العراق بالاتفاق بنحو 28% فقط، مقابل أكثر من 60% في حالة الإمارات.
وعلى كل حال فيبدو من البيان الصادر عن الاجتماع وجود تفاهم واضح على خفض سقف إنتاج الدول الأربع؛ حيث أشار بيان الأوبك إلى أن "الإمارات العربية المتحدة والعراق وكازاخستان وماليزيا أعربت عن دعمها الكامل لآلية الرقابة الحالية واستعدادها التام، خلال الأشهر المقبلة للتعاون مع اللجنة الفنية ولجنة المتابعة الوزارية للمنظمة، من أجل تحقيق أهداف تنفيذ الاتفاقية بشكل كامل."
ويعزز من ذلك إشارة وزير الطاقة في الإمارات حتى قبل اجتماع لجنة المراقبة إلى خفض إنتاج بعض الخامات بمقدار 10% بدءا من الشهر المقبل، كما ترافق اجتماع اللجنة مع قيام وزير النفط العراقي بزيارة للمملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء الماضي، وكان أحد هذه الأهداف الرئيسية المعلنة لهذه الزيارة "بحث تطورات السوق النفطية والتنسيق والجهود المشتركة من أجل تحقيق الأهداف التي تم الاتفاق عليها في اجتماعات الأوبك، ومحاولة إعادة التوازن للسوق النفطية العالمية، ودعم أسعار النفط" وهي إشارة واضحة للنية في التزام أقوى من جانب العراق.
يدعم من جهود تحجيم العرض أيضا إعلان المملكة السعودية خفض الكميات التي تصدرها لبعض بلدان آسيا، ويقدر البعض هذا الخفض بنحو 520 ألف برميل، بينما يصل به البعض الآخر إلى نحو مليون برميل يوميا، هذا في الوقت الذي يلزمها الاتفاق بخفض 486 ألف برميل فقط.
وتزيد أهمية هذا الإعلان من قبل المملكة "أكبر مصدر عالمي" من فرص امتصاص ارتفاع إنتاج الأوبك، خاصة خلال شهر يوليو الماضي، بتأثير زيادة إنتاج كل من ليبيا ونيجيريا (المعفيتين من اتفاق خفض الإنتاج) بنحو 700 ألف برميل يوميا مقارنة بمستوى إنتاجهما مع بدء تنفيذ الاتفاق خلال شهر يناير الماضي.
فوفقا لوكالة "بلومبرج" للأنباء بلغت نسبة الالتزام بخفض الإنتاج نحو 86% في شهر يوليو الماضي وهي أقل نسبة منذ بدأ العمل بالاتفاق، نتيجة لزيادة إنتاج عدة بلدان خاصة ليبيا ونيجيريا. وتلقي زيادة إنتاج البلدين بأعباء أكبر على أعضاء أوبك الملتزمين بالاتفاق، حيث بات على هؤلاء خفض سقف إنتاجهم بنحو 1.9 مليون برميل يوميا وليس 1.2 مليون برميل فقط، وذلك حتى يتسنّى الوصول بسقف إنتاج المنظمة إلى 32.5 مليون برميل يوميا المنصوص عليها في الاتفاق. ويبدو أن جهود الأوبك ماضية بعزم أكبر في هذا الطريق بقيادة المملكة السعودية الرئيس الدوري الحالي للمنظمة.
يعزز من فرص اتجاه الأسعار نحو الارتفاع أيضا اضطراب الأوضاع في فنزويلا وسحب بعض شركات النفط العالمية لخبرائها العاملين هناك، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاج خلال الفترة القصيرة المقبلة.
من جانب آخر تؤكد التطورات مؤخرا حدوث زيادة واضحة في الطلب على النفط في مختلف البلدان الرئيسية المستهلكة؛ فهناك تحسن مشهود للنمو الاقتصادي في بلدان كبرى كالهند والصين، واستمرار تحسن أوضاع الاقتصاد الأمريكي "أكبر مستهلك عالمي للنفط" كما تشير لذلك البيانات الإيجابية الخاصة بسوق العمل التي أعلنت نهاية الأسبوع الماضي.
ويعزز من آمال زيادة الأسعار انخفاض مخزون النفط الخام في الدول المستهلكة، حيث بلغ هذا الانخفاض خلال النصف الأول من العام الحالي نحو 90 مليون برميل، وصحيح أن المخزون ما زال أعلى من المستوى المعتاد بنحو 250 مليون برميل، إلا أن اتجاه المخزون نحو الانخفاض قد أضحى اتجاها مستمرا.
لا يعني كل ما سبق أن الأسعار لن تشهد انخفاضا في أي يوم أو أي أسبوع، ولكنه يرجح من توقع أن يكون الاتجاه العام هو نحو ارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا ما تحقق بالفعل التزام أكبر باتفاق خفض الإنتاج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة