توقف أقدم صحيفة فلسطينية عن الصدور.. أزمة الورق تتواصل
الأزمة الحقيقية مرتبطة بانخفاض الموارد المالية للصحيفة كجزء من أزمة الإعلام المطبوع، الذي يتراجع عن منافسة الإعلام الإلكتروني.
يُلقِي توقف أقدم الصحف الفلسطينية وأكبرها عن الصدور، نتيجة الأزمات المالية، الضوء على التحديات التي يواجهها الإعلام المطبوع في منافسته مع المواقع الإلكترونية.
وتوقفت صحيفة "القدس" التي تصدر من مدينة القدس المحتلة، الثلاثاء، بسبب إضراب عامليها لعدم تلقيهم الرواتب منذ 4 أشهر.
والصحيفة صدرت عام 1951، وهي أقدم الجرائد الفلسطينية اليومية، حيث يتم توزيعها في الأراضي المحتلة.
وقال منير الغول، عضو لجنة موظفي الصحيفة: "إن قرار الإضراب جاء بعد مفاوضات طويلة مع الإدارة التي لم تلتزم وعودها الخاصة بدفع الرواتب".
وأضاف: "صحيفة القدس بيتنا، وهي مؤسسة وطنية، نسعى للحفاظ عليها، لكن لم نجد إلا الإضراب بهدف التعبير عن الحالة التي وصل إليها نحو 100 موظف في الصحيفة الورقية والموقع الإلكتروني، وقسم الإعلان".
أبعاد الأزمة
أوضح محمد خضير، نائب رئيس تحرير "القدس"، أبعاد الأزمة الحالية، مبيناً أن السلطات الإسرائيلية فرضت على الصحيفة ضريبة دخل قيمتها 4 ملايين شيجل، وهو مبلغ كبير جداً عن السنة الواحدة من مطلع يوليو/تموز 2017 حتى آخر الشهر الجاري، وإن لم تدفعها الصحيفة قبل نهاية المهلة يتم سحب رقمها الضريبي.
وقال خضير لـ"العين الإخبارية": "لأول مرة في تاريخ الصحيفة منذ 1951 تتوقف عن الصدور بسبب إضراب بعض الموظفين عن العمل، كي يضغطوا على الإدارة لدفع مستحقات رواتب آخر 4 أشهر، والتي تأخرت نتيجة ضغوط مالية ناجمة عن ضرائب الاحتلال".
الأزمة الحقيقية تبدو مرتبطة بانخفاض الموارد المالية للصحيفة كجزء من أزمة الإعلام المطبوع، الذي يتراجع عن المنافسة في مواجهة الإعلام الإلكتروني.
ضرائب إسرائيلية
وأكد خضير أن "الموارد المالية للصحيفة محدودة، ما تسبب في تراجع عدد صفحاتها ونقص أسواقها، فبعدما كنا نوزع في عمان والقاهرة أوقفنا ذلك بالنظر إلى الرسوم الباهظة التي تفرصها السلطات الإسرائيلية".
وتابع: "أوقفنا التوزيع أيضاً في يافا والناصرة وأم الفحم للسبب ذاته.. ومن قبل لا نوزّع في غزة منذ الانقسام.. ولم يبق لنا إلا القدس والضفة".
وأفاد خضير بأن الاحتلال يفرض ضرائب باهظة ويمنع إدارة صحيفة "القدس" من تلقي أي أموال خارجية، "فنحن الصحيفة الوحيدة التي تخضع لرقابة عسكرية بقرار من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي".
وتعدّ "القدس" الصحيفة الفلسطينية اليومية الوحيدة التي تصدر من مدينة القدس المحتلة، بينما تصدر صحف "الحياة الجديدة" (حكومية) و"الأيام" (خاصة) من رام الله، و"فلسطين" (خاصة) من غزة.
ووفق خضير؛ فإن الجريدة تعتمد على الإعلانات والتوزيع في دخلها المالي، وقد تراجعت الإعلانات والتوزيع كثيراً في الصحف الفلسطينية.
وقال: "متابعينا على الموقع الإلكتروني يصل إلى 8.1 مليون شخص، وهذا عدد كبير ومهم، لذلك نحن نسعى للبقاء والتطور".
وأظهرت دراسات أكاديمية في الجامعات الفلسطينية انخفاض حجم توزيع ومتابعة الصحف المطبوعة لصالح زيادة الاهتمام بالمواقع الإخبارية الإلكترونية، التي لم تأخذ فقط من جمهور القراء إنما أيضاً من جمهور المعلنين.
تحديات الاستمرار
وأقر بشار بريماوي، نائب رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"، بأن القائمين على الصحافة المطبوعة أمامهم تحديات كبيرة لإقناع القراء باستمرار متابعتهم الجرائد الورقية في ظل الانتشار الواسع للمواقع الإلكترونية والسوشال ميديا.
وقال بريماوي لـ"العين الإخبارية": "مطلوب من الصحافة المطبوعة في فلسطين أن تضع خطةً لمواجهة التحديات، تعتمد على ما وراء الخبر وتركز على التحقيقات الاستقصائية والحوارات المعمقة".
ورأى أن الصحافة المطبوعة يمكن أن تنقرض في فلسطين، خصوصاً مع تراجع واضح لصالح الإلكتروني، ذاكراً أن الإعلانات الإلكترونية أثرت على إعلانات الصحف، نتيجة انخفاض ثمنها وحجم انتشارها وسرعته.
وأكد أن الشركات الكبرى والبنوك وحتى الأفراد يذهبون إلى الإعلانات الإلكترونية بدلاً من الورقية، ما أضرّ بمداخيل الصحف.
وأردف بريماوي: "(الحياة) تتلقى دعماً حكومياً ورواتب موظفيها من الحكومة، لكن لا يعني هذا أن الخطر بعيد عنا، لذا مطلوب مواجهة التحديات".
وتوجد في الأراضي الفلسطينية ما لا يقل عن 30 موقعاً إخبارياً متنوعاً، إلى جانب عدد كبير من المنصات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي.
أزمة عربية وعالمية
ويعتقد ياسر أحمد، الخبير الإعلامي، أن أزمة صحيفة "القدس"، هي ما ظهر من جملة أزمات مركبة تواجه الإعلام الفلسطيني المطبوع، كجزء من أزمة الإعلام المطبوع على الصعيدين العربي والعالمي.
من جهته، أوضح أحمد أستاذ الإعلام في جامعات غزة بتصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الأزمة المالية التي تواجه الصحافة المطبوعة، دفعتها في الآونة الأخيرة إلى تقليص عدد صفحاتها، وكذلك عدد النسخ المطبوع بعد التكدس الهائل في حجم المُرجع، لافتاً إلى تقليص مجموع الموظفين وإغلاق بعض الأقسام.
وبيَّن أن الركود الاقتصادي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية عمَّق أزمة السوق الإعلاني في الصحافة المطبوعة، وهو الذي يترنّح منذ سنوات مع بروز الاهتمام بالإعلام الإلكتروني والسوشال ميديا.
وجزم أحمد بأن الأزمة ليست فلسطينية بحتة فصحف عربية عدة توقفت عن الطباعة واقتصرت على الإصدار الإلكتروني، وأبرزها "السفير" و"المستقبل" في لبنان.
شبكة أمان
منتدى الإعلاميين الفلسطينيين طالب في بيان له، تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، بضرورة تدخل الأطراف الداعمة للإعلام الفلسطيني والحريصة على حل الإشكالية القائمة، وحماية المؤسسات الإعلامية من التداعي والإغلاق جراء الأزمة المالية التي تعصف بكثير منها.
وقال المنتدى: "نرفع صوتنا عالياً بضرورة السعي لتوفير شبكة أمان مالية لحماية المؤسسات الإعلامية الفلسطينية من الانهيار تباعاً".
وحذّر من خطورة حالات الإغلاق المتتابعة في المشهد الإعلامي الفلسطيني، "الأمر الذي يضعِف أداءه ويمسّ من قدرته على ترويج وتسويق الرواية الوطنية، ومواجهة دعاية الاحتلال الإسرائيلي البغيض".
aXA6IDMuMTM3LjE5MC42IA== جزيرة ام اند امز