في ذكرى المختار.. مؤرخ ليبي: أيقونة الصمود وراية الوحدة الوطنية

بخشوع يليق بالمكانة وبالذكرى، وقف الدكتور فرج نجم، المؤرخ الليبي، أمام ضريح الشهيد عمر المختار، يقرأ الفاتحة لـ"شيخ الشهداء" في ذكرى استشهاده التي تحل اليوم، 15 سبتمبر 1931، مرددًا بعض الدعوات.
ويؤكد د. فرج نجم، وهو مدير مكتب إدارة وحماية ضريح عمر المختار، أن "شيخ الشهداء" سيبقى رمزًا خالدًا للصمود والاستبسال، وصوتًا يعلو فوق الزمن في مواجهة الظلم والطغيان، ورمزًا لكرامة ووحدة الليبيين والأمة العربية من ورائهم.
واستشهد المختار في مثل هذا اليوم عام 1931، إثر محاكمة صورية استمرت يومًا واحدًا، ليوارى جسد المختار الثرى، وتولد أسطورة حية في وجدان كل عربي يذود عن أرضه.
المختار الرمز
بعد أن أمعن نجم النظر في مقتنيات المختار وحكاياته المعلقة بجدران الضريح، وفي الكتب والذاكرة، التفت نجم إلى واقع الليبيين اليوم وقال، في تصريحاته لـ"العين الإخبارية": إن شيخ الشهداء "وحّد الليبيين حول قضية الحرية بعيدًا عن الانقسامات والتعصب، مؤمنًا بالعيش المشترك، متسامحًا مع الآخر، لكنه لم يتسامح أبدًا مع الظلم"، معتبرًا أن هذه القيم تمثل اليوم رسالة بليغة للأجيال، ولأبطال فلسطين في غزة الذين يواصلون طريق المقاومة.
إرث المختار
ويؤكد نجم أن المختار "لم يترك خلفه مالًا ولا جاهًا، بل ترك للأمة أعظم إرث، وهو دروس الجهاد والتضحية والكرامة"، مشيرًا إلى أنه أول من واجه الفاشية بحرب شعبية منظمة منذ عام 1923، قبل أن يعرف العالم كله أهوال النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية.
أجيال تالية
ويضيف نجم أن إعدام عمر المختار أمام الأهالي في معتقل سلوق لم يكن نهاية، بل بداية لمسيرة أجيال حملت الشعلة من بعده، لتتجسد في الذاكرة الليبية والعربية ملحمة لا تنطفئ، قائلاً: "أراد الطغاة أن يطفئوا نور رجل، فإذا به يتحول إلى مشعل أمة".
وهنا ردد نجم أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي حول شيخ الشهداء عمر المختار التي قال فيها:
رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ
يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَنارًا مِن دَمٍ
توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ
بَينَ الشّعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ
التفاف حول الوطن
وتابع المؤرخ الليبي: "ضريح عمر المختار في بنغازي لم يعد مجرد مكان، بل صار مزارًا يحمل رمزية بحجم الأمة، يأتيه الإعلام العربي من كل حدب وصوب، ليقف إجلالًا واحترامًا أمام رجل قال للعالم: نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت".
واختتم نجم داعيًا بأن يستلهم الليبيون مجددًا من المختار وحدتهم، وأن يكونوا حول وطنهم ليتجاوزوا معًا كل العثرات التي تواجههم، وليكن تجمعهم حول المختار أول خطوة لتجمعهم وتصالحهم الوطني.
مَن عمر المختار؟
وُلد المختار في 20 أغسطس/آب 1858 في منطقة جنزور بطبرق شرقي ليبيا، وتلقى تعليمًا دينيًا بالزاوية السنوسية في جنزور، ثم ذهب إلى الجغبوب، ليصبح تلميذًا في الطريقة السنوسية الصوفية.
ومع إعلان إيطاليا بداية حملتها الاستعمارية على ليبيا، وإنزال قواتها بمدينة بنغازي في 19 أكتوبر/تشرين الأول 1911، بدأ المختار في تجميع وتجنيد المقاومين بزاوية القصور ضد الإيطاليين، وظل يقود المعارك لمدة 20 عامًا، حتى وقع في الأسر في 11 سبتمبر/أيلول 1931، حين جُرح حصانه فسقط أرضًا ووقع في الأسر.
وفي 15 سبتمبر 1931، جرت محاكمة "صورية" للمختار؛ إذ انتهى الطليان من ترتيبات الإعدام، وأعدوا المشنقة قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم بالإعدام الذي نُفِّذ في 16 من الشهر نفسه ببلدة سلوق جنوب مدينة بنغازي شرق ليبيا.
رد اعتبار
يُذكر أنه في سبتمبر/أيلول 2008، انحنى رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، خلال زيارته لمدينة بنغازي، أمام محمد، نجل عمر المختار، معتذرًا عن فظائع بلاده بحق الشعب الليبي. وقورنت صورة انحنائه حينها بصورة التُقطت لعمر المختار مكبلًا بالأغلال قبيل إعدامه، بحسب وكالة الأنباء الليبية "وال".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg جزيرة ام اند امز