المغربي عمر الرداد.. رحلة بحث عن "البراءة" من جريمة عمرها 30 عاما
تعقد محكمة النقض في باريس، الخميس، جلسة استماع في قضية عمر الرداد، المغربي المتهم بقتل مشغلته قبل 30 عاماً.
ورغم مرور كل هذه السنوات، فإن هذه الجريمة ما زالت تثير الاهتمام في فرنسا والعالم العربي، نظراً لغموضها وغرابتها.
عمر قتلني
تغير لون شعره قليلاً، لكن ملامحه ما زالت ثابتة، تماماً كما يتشبث ببراءته من تهمة قتل مُشغلته منذ ثلاثين عاماً.
بداية القضية في عام 1991، كانت أشبه بفيلم رعب وخيال في نفس الوقت، جُثة مقتولة، تتحرك لتكتب على الحائط جملة تُشير إلى "القاتل المفترض".
"عمر قتلني"، بأحرف فرنسية كبيرة، مدادها دم امرأة فرنسية ميسورة الحال، تدعى "جيزلين مارشال". عبارة واحدة كانت الحل واللغز في الآن ذاته.
جيزلين، وُجدت غارقة في دمائها، وغير بعيد منها كُتبت عبارة "عمر قتلني"، في إشارة إلى عمر الرداد الذي كان يعمل بستانيا لديها آنذاك، وعمره لا يتجاوز السابعة والعشرين.
اكتشفت جثة القتيلة بعد تحريات لرجال الدرك، الذين تلقوا تنبيها من جيران الراحلة بعد مُلاحظتهم غيابها. ليتم العثور على جيزلين جثة هامدة غارقة في دمائها بقبو فيلتها، بمنطقة موجين، قرب نيس الفرنسية.
بسرعة كبيرة، ودون تردد وُجهت التهمة إلى المهاجر المغربي، الذي اعتقل وحُكم عليه بالسجن النافذ 18 عاماً.
تشبث بالبراءة
الشاب المغربي الذي هاجر إلى فرنسا آنذاك بحثاً عن تحقيق ذاته، والعمل في مجال البستنة، تشبث ببراءته، نافيا في جميع مراحل التحقيق والتقاضي وجود أي علاقة له بالجريمة.
إلا أن المحكمة كان لها رأي آخر، إذ اعتبرت أن تلك العبارة دليل كافٍ لإدانته بتهمة قتل مُشغلته، لتصدر في حقه، عام 1994، حكما نافذاً بالسجن 18 عاماً.
وأثارت القضية في ذلك الوقت جدلاً واسعاً، إذ شككت جهات عدة في صوابية الحُكم القضائي، مُعتبرة أنه جاء بخلفية "عُنصرية" تُجاه مهاجر مغاربي.
ومما زاد من حدة الانتقادات وجود أدلة تُؤكد أن اتجاه كتابة العبارتين يتناقض والوضع الذي وجدت فيه الجثة ملقاة داخلَ القبو. إضافة إلى أن وجود أدلة أخرى أثبتت أن ثلثي حروف العبارتين لا تتسقان وخط المجني عليها.
كما استغرب الرافضون للحكم القضائي سلامة الحروف واستقامتها، ما دفعهم للتساؤل عما إذا كانت امرأة في سكرات الموت بعد تعرضها لطعنات قاتلة ستكتب تلك العبارة، بحروف كبيرة مستقيمة.
وذهب أصحاب هذا التوجه إلى القول بأن المرأة إذا كانت قادرة على الوقوف والكتابة، فلماذا لم تفكر في البحث عن النجدة وإنقاذ نفسها، وليس تضييع الوقت في الكتابة على الحائط.
عفو رئاسي
وبعد قضائه سبع سنوات في السجن، حصل عمر الرداد على عفو رئاسي من الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك.
تخفيف العقوبة الجنائية إلى أربع سنوات وثمانية أشهر، ومُغادرته أسوار السجن عام 1998، لم يسقط التُهمة عن عمر، إذ ما زال إلى اليوم يتحمل المسؤولية الجزائية عن مقتل مُشغلته، وفقاً للنصوص القانونية الفرنسية.
إلا أن عمر لم يتخل عن قناعته التامة ببراءته، إذ استمر ومُحاميه الفرنسي الشهير، جاك فيرجيس، في السعي لإثبات براءته من دم مُشغلته وإعادة فتح القضية.
وقبل 21 عاماً، وبالضبط عام 2000، تم اكتشاف وجود حمض نووي رجالي على أداة الجريمة، وهو الحمض الذي لا يتطابق والحمض الخاص بعمر الرداد. ولم يتم حتى الآن الكشف عن هوية صاحب هذا الحمض.
وقبل عامين، أجرى الخبير لوران برنييو تحليلات لاحقة، كشفت عنها صحيفة "لوموند"، تأسيسا على تحليلات لآثار الحمض النووي المكتشفة عام 2015 لأربعة مجهولين، منهما بصمتان يمكن استغلالهما تماما، واثنتان يمكن استغلالهما جزئيا، وقد عثر عليهم في مسرح الجريمة، وكلها لا تتطابق مع بصمات عمر الرداد.
مهاجر أمي
لم يستطع عمر الرداد وقت وقوع الجريمة الدفاع عن نفسه أمام المحققين الفرنسيين، خاصة أنه كان أمياً ولا يجيد اللغة الفرنسية، ناهيك عن رفض المحققين توفير مترجم له.
ومما زاد الطين بلة، كونه مُهاجر فقير، بحسب تصريحات سابقة لمحاميه الفرنسي الراحل جاك فيرجيس، أمام المحكمة.
"منذ مائة عام تمت إدانة عسكري بسبب يهوديته، أما اليوم فيدان البستاني عمر الرداد لأنه مغاربي"، يقول فيرجيس أمام الهيئة القضائية المكلفة بالملف، وذلك في إشارة إلى حادثة الضابط في الجيش الفرنسي ألفريد دريفوس الذي اتهم زورا في عام 1894، واشتهرت قضيته بتدخل الكاتب الفرنسي الكبير إيميل زولا ورسالته المشهورة: "إني أتهم..".
ويُحاول عمر الرداد ومحاميه اليوم إثبات براءته، رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على وقوع هذه الجريمة الغريبة.