هذا المرض بحاجة للوعي المقرون بالسعي لإيجاد علاج له.. وقد تميز النموذجان السعودي والإماراتي في الحرب على هذا العدو غير المرئي
من المبكر الحديث عن انتصار معلن على فيروس كورونا المستجد بحسب كثير من المراقبين والمختصين في المجال الطبي والعلمي، ولكن الحرب عليه عالمية وشاملة كما يعلم الجميع، وهي بالتالي جولات، ونستطيع من خلال ذلك أن نقول إن بعض الدول تحقق نصراً نوعياً على هذه الجائحة العالمية فيما سبق من جولات تخوضها في مواجهته.
فالتناغم الحكومي الذي تميزت به دول بعينها حيال ظروف التعاطي مع محاصرة الوباء الخطير "كوفيد ١٩"، إنْ بالإجراءات الاحترازية الاستباقية أو الحد من حركة المواطنين، أو غير ذلك من السبل، عكس قدرة المؤسسات الصحية والأمنية والاقتصادية وحتى العسكرية والإعلامية على توحيد جهودها وتماهي أساليبها من أجل الحفاظ على صحة المواطن، والشواهد على هذا النموذج يستطيع المرء اختصارها حالياً بما تقوم به الإمارات والسعودية على سبيل المثال لا الحصر.
النموذج الإماراتي - السعودي حظي حتى اللحظة بقليل من الدراسة والتمحيص إعلامياً وعالمياً، لكن بعد أزمة كورونا التي لا بد أن تنتهي سيكون لهذا النهج وذلك النموذج عظيم الأثر والفائدة التي ستجنيها الرياض وأبوظبي...
ولأن هذا المرض بحاجة للوعي المقرون بالسعي لإيجاد علاج له، فإن تميز النموذجين السعودي والإماراتي في الحرب على هذا العدو غير المرئي أعادنا بالذاكرة إلى تاريخ قريب وبعيد من النظرة الحكومية الجدية في إيلاء وزارتي الصحة بكلا البلدين أهمية كبيرة عبر تخصيص ميزانيات مالية ضخمة وبرامج تطوير متقدمة ورفدها بالكوادر المتخصصة التي تُرسل ضمن خطط الابتعاث العلمي لمواطني البلدين إلى أهم جامعات العالم المشهود لها بعلو باعها في التدريس والخبرات المتراكمة.
ونرى أن كثيراً من دول المنطقة تعاملت مع الوزارات الخدمية في حكوماتها تحت بند وزارات سيادية وأخرى غير سيادية، لكن الإمارات والسعودية نظرتا منذ بداية النشأة على يد الشيخ زايد وإخوانه الحكام، والملك عبدالعزيز المؤسس إلى كل القطاعات الحكومية والوزارات على أنها سيادية، ولا فرق بين الصحة وحماية المجتمع وبين الداخلية والدفاع، وتلك فلسفة حكم رشيدٍ يسهر على تطبيقها حتى اليوم الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد في السعودية، والشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة ونائبه الشيخ محمد بن راشد وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في الإمارات.
ولعل النموذج الإماراتي - السعودي حظي حتى اللحظة بقليل من الدراسة والتمحيص إعلامياً وعالمياً، لكن بعد أزمة كورونا التي لا بد أن تنتهي سيكون لهذا النهج وذلك النموذج عظيم الأثر والفائدة التي ستجنيها الرياض وأبوظبي اللتان خاضتا تجربة ليست سهلة - كما غالبية دول العالم - ولكن كانتا على أهبة الاستعداد وكامل الجاهزية حكومياً من الناحيتين الإدارية والتنفيذية، وما قرارات السعودية الأخيرة بما يخص الاقتصاد والعمالة ودعم المتضررين، شركات كانوا أم أفرادا، إلا أدلة تبرهن على ما ذكرت وعددتُ.
وذهاب الإمارات بعيداً في معالجة آثار أزمة كورونا من خلال إعلانها رسمياً رعاية عوائل ضحايا الفيروس من المتوفين أمرٌ لا سابق له حتى اللحظة في المجالين الإنساني والاجتماعي على مستوى العالم، وليس بغريب أيضاً على حكام هذه الدول الذين أرسلوا مساعداتهم لدول منكوبة جراء العدوى وتفشي الإصابات سواء كانت تلك البلدان غربية أو شرقية.
وما ذكرته من سمات إيجابية لن يمنعني عن سرد المقارنة للقارئ العزيز إذا استعرضت يوميات الفيروس في دولة فاشلة اليوم مثل تركيا بقيادة حكومة رجب طيب أردوغان، فالأرقام هناك والإحصائيات شر دليل على ترهل القطاع الحكومي الصحي، وهزيمة كورونا لخطط حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإخواني، وباعتراف وزير الصحة التركي نفسه فخر الدين قوجة، ووفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي (EUROSTAT) وتصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لكل 100 ألف مواطن تركي هناك 200 طبيب فقط، بينما عدد الأسرَّة في المستشفيات الحكومية بتركيا معدله 28 سريراً لكل 10 آلاف مريض، وهو من أدنى المعدلات الصحية بحسب المعايير الطبية في العالم، لا سيما بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
أما القطاع الصحي الخاص في تركيا فإنه يعاني ويعاني تحت وطأة الإدارات الفاسدة التي فرضها رجالات أردوغان على كثير من مشافيه بعد مسرحية الانقلاب المزعوم قبل سنوات، وبحجة تبعية تلك المنشآت الطبية لجماعة فتح الله غولن أو رجال أعمال مقربين منه، والأدهى من ذلك والأمرُّ هو حديث صحيفة "الجارديان" البريطانية قبل أيام عن 300 ألف سجين في أقبية السجون والمعتقلات الأردوغانية لتذكر بعد هذا الحديث أوساط المعارضة التركية أرقاماً مهولة وموثقة لعدد كبير من الأطباء المعتقلين ضمن هؤلاء، وأمام تلك الحقائق وغيرها لا يختلف اثنان على أن حلفاء أردوغان في قطر وإيران لديهم ذات العقلية فيما يرتبط بمسألة كورونا من حيث الممارسة والتطبيق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة