الأيام أثبتت لدويلة قطر ومعها تركيا العصملية أن المملكة مثل الطود الشامخ لا تهزها الرياح والأعاصير.
ليس لديّ أدنى شك أن المملكة مستهدفة بتلك الحملات الإعلامية المغرضة، التي لا تكاد تخمد، حتى تثور من جديد. والمملكة تملك من القوة وثبات الشرعية وتجذرها ما جعل هذه الحملات لا تنتهي إلى الفشل فحسب، وإنما أدى ذلك إلى قناعة شعبها أن هناك مغرضين يقفون خلف هذه الحملات، وأن هز أمنها وتلاحم جبهتها الداخلية هي غاية من يستهدفونها. ورأينا كيف أن حملاتهم بسبب جريمة خاشقجي أتت بعكس ما كانوا يؤملون.
فبدلا من أن تهتز ثقة الشعب بالقيادة مثلما كانوا يهدفون، لم يلتف السعوديون حول قيادتهم مثلما التفوا حولها في هذه القضية؛ وها هي دويلة قطر ومعها تركيا العصملية "تخرجان من المولد بلا حمص"، بل إن الأيام أثبتت لهما أن المملكة مثل الطود الشامخ لا تهزها الرياح والأعاصير.
من أهم الأخطاء التي عرفنا أنها ضرب من ضروب الوهم الخاطئ، إصرارنا في الماضي على الانغلاق والتكلس والتقوقع في القديم الموروث، فأتى الملك سلمان، ومعه سمو ولي العهد، فأثبتا أن بقاء الدول مرتبط ارتباطا حميميا بتنميتها وتطويرها
نعم هناك بعض الأخطاء، وكذلك بعض الاعوجاجات، لكن المحصلة النهائية تقول: ليس من العيب أن تخطئ ولكن العيب كل العيب أن تصر على الخطأ وتكابر وتغالط وتختلق الأسباب للذب عنها، غير أن المملكة الجديدة لديها من الثقة ورباطة الجأش ما يجعلها تعترف إذا أخطأ المسؤول، فليس ثمة ما يدعو إلى المكابرة، إذا كانت الثقة بالنفس تكتنف كل ممارساتها السياسية.
ومن أهم الأخطاء التي عرفنا أنها ضرب من ضروب الوهم الخاطئ، إصرارنا في الماضي على الانغلاق والتكلس والتقوقع في القديم الموروث، فأتى الملك سلمان، ومعه سمو ولي العهد، فأثبتا أن بقاء الدول مرتبط ارتباطا حميميا بتنميتها وتطويرها، وأن الدول مثل الكائن الحي، عندما يتوقف عن الحركة والتطور فإنه يمرض ويموت. ومن المعروف في كل الأزمان والأماكن أن التيار المحافظ، أيا كانت بواعث محافظته، ينحى دائما إلى الثبات والخوف من القادم الجديد.
وتجربتنا في المملكة مع هذا التيار المحافظ منذ إنشاء المملكة متعددة وكثيرة، وفي كل مرة يتراجعون عن مواقفهم، وإن لم يعترفوا بذلك، وفي تقديري الجازم أن قدرة المملكة في التماهي مع كل جديد، كانت من أهم أسباب بقائها وشموخها؛ صحيح أن (الصحوة) المتأسلمة عاقت برهة من الزمن نمونا، وصحيح أيضا أننا عاملناها بشيء من التسامح بل التساهل، لكنّ الصحويين ما إن تعاملت السلطة الحاكمة معهم بحزم، وضربت بيد من حديد، فإذا هم (أعجاز نخل خاوية)؛ وكان أولئك المؤدلجون قد بلغوا من الغرور والعنجهية والتحدي حدا لا يُطاق، وها هم الآن لا حس لهم ولا خبر، فثبت بما لا يدع مجالا للشك أنهم انتهازيون، ما إن رأوا الحزم والعزم صاروا أجبن الجبناء.
بقي أن أقول إن من يراهن على الضغوط الخارجية في أطروحاته السياسية، فهو حتما سيفشل، فقادة هذه البلاد منذ المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله حتى سلمان بن عبدالعزيز من الثوابت التي لا يحيدون عنها ولا يقبلون المساومة عليها حقيقة تقول إذا رضخت للضغوط الخارجية، فسوف يأتي آخرون في كل مرة، ويستخدمون الأسلوب ذاته؛ لتبدأ فيما بعد سلسلة من التنازلات التي لا تقف حتى تصبح فعليا بلا سلطة ولا قوة ولا هيبة، من هنا يبدأ الضعف الذي ينتهي بالدول إلى الانهيار. ومن يقرأ تاريخ مملكة عبدالعزيز منذ تأسيسها يجد أن كثيرين حاولوا الضغط وانتهاج سياسة (لي الذراع) وباؤوا بالفشل.
إلى اللقاء.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة