الخطأ الأكبر في إدارة الجانب الأوروبي للأزمة مع إيران يتمثل في السماح لطهران بالوقيعة بين شركاء الأطلسي، أوروبا والولايات المتحدة.
رغم كل الدعم الذي قدمته دول الاتحاد الأوروبي لإيران في موضوع الاتفاق النووي، فإن ردة الفعل الإيرانية لم تكن سوى تهديد باستئناف تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20%، إذا لم تحصل إيران على مزايا اقتصادية من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية، ثم جاءت ردة الفعل الثانية بإجراء تجربة جديدة لصاروخ باليستي متوسط المدى يطال مداه معظم أراضي أوروبا، مع تحذير إيراني باستمرار التجارب الصاروخية!
أوروبا في مواجهة اختبار إرادة جديد عليها أن تحسمه حفاظاً على مصالحها في الشرق الأوسط، فضلاً عن إثبات صدقيتها في لعب دور الشريك الاستراتيجي الحيوي المسؤول لحلفائها
وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس قال أمام منتدى أمني في كاليفورنيا بالأمس: إن تهديدات إيران قد تتفاقم "إذا لم نعالج الأمر"، ويقصد بذلك وقف الاختبارات الصاروخية التي تعكس مواصلة إيران لجهودها في مجال تطوير تكنولوجيا التسلح الصاروخي، وهذا الموقف ينبغي أن يتفهمه الجانب الأوروبي جيداً؛ لأن الحاصل أن أوروبا تدفع الآن فاتورة التردد وخطأ الحسابات في مواجهة التهديدات الإيرانية، كما تواجه بمفردها، في ظل غياب الولايات المتحدة التي اتجهت إلى فرض عقوبات منفردة ضد إيران، التهديد الناجم عن السياسات التوسعية الإيرانية، والإصرار على تطوير تكنولوجيا الصواريخ وانتهاك "روح" الاتفاق النووي، ومخالفة القرار الأممي رقم 2231.
الخطأ الأكبر في إدارة الجانب الأوروبي للأزمة مع إيران يتمثل في السماح لطهران بالوقيعة بين شركاء الأطلسي، أوروبا والولايات المتحدة، حيث راهنت طهران منذ البداية على دق إسفين بين الجانبين، والسعي لعزل الموقف الأمريكي تجاه إيران، وقد حققت إيران هدفها بإصرار أوروبا على الدفاع عن الاتفاق رغم كل ما ينطوي عليه من عيوب وثغرات.
الخيار الأكثر واقعية الآن يتمثل في ضرورة مراجعة الموقف الأوروبي حيال إيران، كي تدرك طهران أن ابتزاز الاتحاد الأوروبي لن يجلب لها سوى المتاعب، لاسيما أن الصمت على التجارب الصاروخية يعني منح ضوء أخضر وفرصة جديدة لإيران في بناء قدرات ردع نووي قد تعيق مستقبلاً التوصل إلى أي تفاهم حول أنشطتها العسكرية، النووية والصاروخية، التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
التحدي الإيراني للعقوبات الأمريكية لم يراع موقف الاتحاد الأوروبي، ومساندته لإيران، بل انطلق من ابتزاز واضح للأوروبيين، وهذا درس بالغ الأهمية على الجانب الأوروبي أن يستوعبه جيداً، لأنه ينطوي على استهانة إيرانية بمواقف دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
ولا شك أن دروس الماضي القريب تعلمنا أن النظام الإيراني يبذل كل جهوده من أجل امتلاك قدرات صاروخية تمكنه من بسط السيطرة والهيمنة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن أي مماطلة أو تأخير في التصدي للخطط الإيرانية في هذا الشأن يمثل إضافة لقدرات إيران الاستراتيجية، وخصماً من قدرات المجتمع الدولي على تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ناهيك عن خطط إيران التي تقوم على زعزعة أمن دول الجوار والتدخل في شؤونها الداخلية كما يحدث حاليا في سوريا واليمن وغيرهما.
وإذا كان النظام الإيراني قد نجح في تفكيك الموقفين الأمريكي والأوروبي، فإن معالجة الوضع الراهن يبدأ من ترميم الثغرة التي نفذت منها إيران بإعادة الاصطفاف الأطلسي في التعاطي مع إيران وإيجاد مشتركات تتيح للجانبين، الأوروبي والأمريكي، التصدي للتهديدات الصاروخية الإيرانية، وما لم يتحقق ذلك فإن الأمور قد تعود إلى مربع "الصفر" سواء فيما يتعلق باستئناف تخصيب اليورانيوم عبر برنامج سري، أو مواصلة تطوير القدرات الصاروخية الإيرانية بكل ما يعنيه ذلك من تقويض لما تبقى من ركائز الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عما تمثله الصواريخ الباليستية الإيرانية متوسط المدى من تهديد لأمن أوروبا ذاتها.
والملاحظ أن هناك توافقا فرنسيا-بريطانيّا برز في الأيام الأخيرة حول خطر التجارب الصاروخية الإيرانية، وهناك "تصميم" بريطاني معلن لوقف هذا التجارب، بحسب ما أعلن وزير الخارجية جيريمي هانت، ومن ثم فإن من الضروري البناء على هذا التوافق واستعادة زمام المبادرة دولياً في التعاطي مع التهديد الإيراني، ما يعني أن أوروبا في مواجهة اختبار إرادة جديد عليها أن تحسمه حفاظاً على مصالحها في الشرق الأوسط، فضلاً عن إثبات صدقيتها في لعب دور الشريك الاستراتيجي الحيوي المسؤول لحلفائها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة