الروبوت بعد محنة كورونا.. صديق الأمس عدو المستقبل
الروبوتات تنقذ الأرواح عندما يكون التواصل البشري خاضعا لقيود صارمة، لكن هل ستساهم في مفاقمة مشكلة البطالة الناجمة عن أزمة كورونا؟
"صديق الأمس عدو المستقبل".. مقولة قد تنطبق بشكل كبير على الروبوتات في جميع أنحاء العالم، ففي الوقت الذي ساهمت فيه بمواجهة فيروس كورونا، تمثل قلقا كبيرا للعمال.
فهل تتحول الروبوتات من حليف ثمين في الأزمة الصحية إلى خصم لدود للعمال؟.. سؤال أثير بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة.
فبعد أن نجحت الروبوتات في مساندة البشرية خلال جائحة كورونا، ووضعت بصماتها من خلال المساعدة الطبية وتقديم الأدوية والغذاء للمصابين، وتعقيم المستفيات والأماكن العامة، أو تقديم العون للمصانع، توجهت إليها أصابع الاتهام، أيضا من قبل البشر.
الأزمة ليست في الروبوتات نفسها ولا في الفائدة التي تقدمها للبشرية في كل المجالات، ولكن المشكلة تكمن في أنها ستحتل مكانة كبيرة من الوظائف وستزيح عشرات الآلاف من الموظفين من أعمالهم، في ظل عمليات الأتمتة الجارية على مستوى العالم.
فعندما يكون التواصل البشري خاضعا لقيود صارمة يمكن للروبوتات أن تنقذ أرواحا ومصانع وهي برزت كثيرا منذ انتشار جائحة كوفيد-19.
لكن هل ستساهم أيضا في مفاقمة مشكلة البطالة الناجمة عن الأزمة الصحية؟
العديد من المشاهد تابعناها خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تقوم ذراع متحركة بتقديم الشراب في مقاهي بإشبيلية فيما يقيس روبوت على شكل إنسان الحرارة ويوجه المرضى في مستشفى انتويرب (انفير) الجامعي، ويوزع روبوت على شكل كلب المعقمات في مركز تجاري في بانكوك وتنقل حاوية مبردة مسيّرة عن بعد مشتريات عائلة في واشنطن.
انتشرت هذه المشاهد كثيرا مع اتساع رقعة الوباء ودخول الناس في الحجر.
المقاومة تتلاشى
يقول سيريل كبارة أحد مؤسسي شركة "شاركس روبوتيكس" الفرنسية الناشئة "عندما يكون هناك تهديد على الإنسان يجب إرسال روبوت".
وتم تكييف روبوت هذه الشركة المسمى "كولوسوس" الذي شارك في مكافحة الحريق في كاتدرائية نوتردام العام 2019، ليتمكن من تعقيم أبنية.
ويوضح كبارة "قبل 4 إلى 5 سنوات عندما عرضنا كولوسوس، تعرضنا للاستهزاء لأن الإطفائيين كانوا يقولون: "هؤلاء سيسلبوننا عملنا". وقد اعتمد الروبوت كولوسوس منذ ذلك الحين في فرق الإطفاء في باريس ومارسيليا. ويضيف "كلما تقدمنا، تلاشت المقاومة".
وقد أثبتت الروبوتات قدراتها، ليس فقط في قطاعي النظافة الصحية والطب. ويؤكد المقاول "بيّنت هذه الأزمة أنه ينبغي تأمين استمرارية النشاط حتى لو حصلت أزمة صحية أو غير ذلك. قال لنا الكثير من الصناعيين إن الروبوتات تسمح لهم بالاستمرار في عملهم ولولاها لتوقف العمل".
لكن الروبوت قد يتحول سريعا من منقذ للنشاط التجاري والصناعي إلى مدمر لفرص العمل.
ويقول مارك مورو من مركز بروكينغز للأبحاث في واشنطن في مدونة على موقع "إيكونوميست إنتليجنس يونيت" "الركود المتفاقم قد يؤدي إلى الاتكال بشكل كبير على الأتمتة".
رهاب الروبوتات
ويرى كارل فريي الباحث في جامعة أكسفورد خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس "الذين يعتبرون أن الأتمتة لا تلغي فرص عمل في القطاع الصناعي، مخطئون".
وهو يطرح أرقاما تتعلق بالصين التي تعتمد الأتمتة بشكل سريع مع اعتماد 650 ألف آلة في العام 2018 فيما فقدت 12,5 مليون فرصة عمل في القطاع الإنتاجي بين 2013 و2017.
وتفيد دراسة أعدتها "آي إي يونيفرسيتي" في إسبانيا بأن "رهاب الروبوتات" بدأ ينتشر في الصين مع الأزمة الصحية. فقبل الجائحة الراهنة، كان 27% فقط يدعمون الحد من الأتمتة لكن النسبة تضاعفت الآن لتصل إلى 54% فيما نسبة المعارضة الأكبر تسجل في فرنسا مع 59%.
وأظهرت الدراسة أنه كلما كان الشخص المستطلع رأيه صغيرا في السن ولا يحمل شهادات عالية، كان الخوف من الأتمتة أكبر.
ويوضح كارل فريي "عبر التاريخ، سمح التقدم التكنولوجي باستحداث فرص عمل كثيرة إلا أن الأمر أقل في العالم الرقمي" راهنا باستثناء "أمازون".
الكل معرض
أما الوظائف التي تتطلب مؤهلات أكبر فقد يهددها تطور الذكاء الاصطناعي القادر على التصنيف والتقييم والتخطيط كما يرى مارك مور الذي يعتبر أن "ما من فئة من العمال ستكون بمنأى هذه المرة" خلافا للأزمات الاقتصادية السابقة.
وثمة دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة تجمع بين أتمتة واسعة وبطالة متدنية إلا أن كارل فريي يتوقع ارتفاعا في "القلق من الأتمتة" ما إن تتراجع حدة الوباء الراهن.
لكن من غير المرجح بروز حركة عالمية مناهضة لهذه الآلات على ما يفيد الباحث البريطاني لأن الضحايا الرئيسيين سيكونون في المناطق الصناعية التي عانت منذ عقود من تراجع اقتصادي.