متوجاً بأوسكار أفضل مخرج.. ألفونسو كوارون سينمائي بدرجة فيلسوف
السينما كانت حلم الفتى الذي كانه ألفونسو كوارون منذ سنوات عمره المبكرة، في عيد ميلاده الثاني عشر سيحصل على أول كاميرا تصوير
يصنع المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون سينماه، على طريقة الشاعر في ترتيب كلمات قصيدته، سعياً إلى تحقيق صورة فيلمية ذات إيقاع جذاب وعمق إنساني في المعنى.
التفاصيل الإنسانية والفلسفية سمة السينما التي يصنعها الرجل، أما الرمز فهو البطل الذي لا يغيب في كل أفلامه، وإليه دائما يسند المهمة ذاتها؛ تجسيد مضامين عقلية وفلسفية على درجة عالية من الحساسية.
ومهما كانت اتجاهات الحكاية ونمطها الفيلمي، تبقى مع المخرج كوارون مساحة تأمل جمالية، لعالم بين الحياة والموت، وكل ذلك يجعله سينمائيا بدرجة فيلسوف.
السينما كانت حلم الفتى الذي كانه ألفونسو كوارون منذ سنوات عمره المبكرة، في عيد ميلاده الثاني عشر سيحصل على أول كاميرا تصوير، ليبدأ بعدها تصوير كل ما تقع عليه عينه ويصنع أفلامه الأولى.
وبعيداً عن تلك الكاميرا كان يتسلل إلى صالات السينما، وفي عتمتها كان يرسم تفاصيل حلمه السينمائي، فما أن أنهى مدرسته حتى سارع لدراسة السينما، لكن حلم الشاب اصطدم بعدم قبوله في مدرسة" "CCC Film Training Center في مدينة مكسيكو، كونه كان تحت سن الرابعة والعشرين، وهو شرط العمر المحدد لدخولها في تلك الفترة، فضلاً عن أمه التي لم تبد حماسة لدراسته السينما.
بالنسبة لفتى حلم منذ طفولته بأن يكون صانع أفلام أو رائد فضاء، كان من الطبيعي أن يختار دراسة الفلسفة، فالتحق بالجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، دون أن يغادر حلمه بدراسة السينما، إذ باشر تعلم صناعة الأفلام مساء في جامعة " University Center for Cinematographic Studies" بالتزامن مع دراسته الفلسفة صباحاً، جاعلاً من هذه الأخيرة الإطار المرجعي لفهم السينما وبناء رؤيته الإخراجية التي تبدي ولعاً بالمضامين العقلية والمواقف النفسية بالغة الدقة.
بدأ ألفونسو كوارون تجربته الفنية من خارج مواقع التصوير السينمائية، فعمل فنياً ومخرجاً في التلفزيون في المكسيك، لينتقل بعدها للعمل كمساعد مخرج لعدد من الأفلام السينمائية قبل أن يحصل على فرصته السينمائية الأولى بإخراج فيلم " SOLO CON TU PAREJA" في العام (1991)، الذي حقق نجاحاً كبيراَ في المكسيك والعالم في ذلك الوقت، ولكن استحقاقه الأهم كان في أنه مهد الطريق له إلى هوليوود، بعد أن شاهده المخرج والمنتج السينمائي سيدني بولاك، وتحمس لموهبته فدعاه إلى تصوير فيلم في هوليوود، ورغم أن المشروع لم يكتمل، إلا أن بولاك عاد ليسند إليه في العام 1993مهمة إخراج حلقة من مسلسل "الملائكة الساقطة" (Fallen Angels)" قبل أن يقدم فيلمه الروائي الأول في الولايات المتحدة "أميرة صغيرة" (A Little Princess) الذي أحبه، وقرر من أجله أن يتخلى عن عقده مع شركة Warner Brothers لإخراج فيلم "مدمن على الحب" (Addicted to Love).
تخلي كوارون عن إخراج فيلم "مدمن عن الحب" في مرحلة مبكرة من عمله في هوليوود، بدا إشارة واضحة إلى أن عشق الرجل للمادة السينمائية التي يقدمها، هو الأساس في خوضه أي تجربة سينمائية، ربما لهذا السبب قدم ألفونسو رائعته "روما" (Roma) مع "نيتفلكس" وهو يعرف أن ذلك يعني حرمانه من المنافسة في عدد من المهرجانات السينمائية، فضلاً عن فقدان سحر مشاهدة فيلمه على الشاشة الكبيرة.
بكل الأحوال بدا إصغاء الفونسو كوارون لنداء قلبه في اختيار أفلامه هو السر في عظمة الأفلام التي قدمها، وبدت مركز اهتمام العالم حوله، لكن رؤيته الفلسفية والجمالية للقضايا التي يقدمها تبقى الأساس، في العام 2013 سيقدم كوارون رائعته "غرافيتي" الذي نال عليه جائزة الأوسكار، ورغم أن فيلم "غرافيتي" ينتمي إلى نمط أفلام الإثارة والتشويق، ولكنه مع ألفونسو كوارون، مخرجاً وكاتباً، ارتبط في أذهان مشاهديه بصورته الرومانسية، وذلك لاهتمام المخرج الخلاق بتفاصيله الإنسانية والترميز الجمالي في حكايته، والتي جعلت منه فيلماً توافرت فيه كل العوامل اللازمة لحبس الأنفاس، فضلاً عن إدارته الخلاقة للصورة السينمائية التي ستعود لتظهر في اعتماده المؤثرات البصرية والصوتية كواحدة من طرق السرد الفيلمي.
خصائص الصورة كما بناها ألفونسو كوارون على نحو بليغ في فيلمه "غرافيتي" الذي تدور أحداثه في الفضاء الخارجي بعد أن يتعرض المكوك الفضائي الذي تعمل فيه الخبيرة د.راين ستون إلى تدمير هائل نتيجة اصطدامه بحطام قمر صناعي، سنعود لاكتشافها مجدداً مع نمط مختلف في فيلمه "روما" وهو يقدم هذه المرة، بصورة باللونين الأبيض والأسود فقط، حكاية أسرة من الطبقة المتوسطة تعيش في مدينة مكسيكو أوائل السبعينيات.
ومع "روما" أسس ألفونسو كوارون لنقطة انطلاق جديدة في تجربته السينمائية، فما قبل فيلم "روما" وجوائزه التي اكتمل فصلها السادس والعشرين بأوسكار أفضل مخرج وأفضل فيلم أجنبي، ليس حتما كما بعده.
aXA6IDE4LjExNy43MC42NCA=
جزيرة ام اند امز