أوجاع الشرق الأوسط تنافس على الأوسكار بأوراق اعتماد فنية
وصول الفيلمان السوري "عن الآباء والأبناء" واللبناني "كفر ناحوم" إلى القائمة القصيرة للأوسكار هو عبارة عن انتزاع اعتراف بجدارتهما الفنية
تحمل 3 أفلام، تنافس في 3 فئات من القوائم القصيرة لنيل جوائز أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في الولايات المتحدة الأمريكية، وجع وآلام الشرق الأوسط الذي أثقلته الحروب الأهلية اليوم، كآخر فصل من فصول أزماته التي لا تنتهي.
تحضر سوريا في القائمة النهائية للأوسكار في فئة أفضل فيلم وثائقي طويل من بوابة فيلم المخرج طلال ديركي "عن الآباء والأبناء"، الذي يلاحق يوميات المقاتل الأصولي في صفوف جبهة النصرة "أبو أسامة" وطفليه "أسامة" و"أيمن" في مدينة إدلب السورية؛ حيث يقدم تفاصيل العلاقة الإنسانية و(الجهادية) بين الأب وطفليه، بعد أن انخرط مخرجه طلال ديركي وسط العائلة بصفته مصورا حربيا، ليكشف عن تفاصيل حياتها اليومية على مدار نحو عامين ونصف العام بعيدا عن صورتها الإخبارية.
وليس بعيدا عن تفاصيل المأساة السورية من دون أن يقاربها على نحو خاص، بلغ الفيلم الأمريكي "قارب النجاة" (LIFEBOAT) القائمة المختصرة لأفضل فيلم وثائقي قصير، حيث يقارب واحدة من أشهر الأزمات التي واجهت العالم خلال السنوات الأخيرة، عبر ما عرف عالميا بقوارب الموت، فيتتبع متطوعون من منظمة غير ربحية ألمانية يخاطرون وسط البحر المتوسط لإنقاذ اللاجئين من غرق القوارب التي تنطلق من ليبيا في منتصف الليل، ويرصد ضحايا تلك القوارب والناجين منها.
وضمن قوائم الأفلام الروائية ومن بوابة المنافسة على أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية، ستبدو حكاية الفيلم اللبناني "كفر ناحوم" مثقلة بعدد من الأزمات العالمية المعاصرة مثل الفقر وزواج القاصرات، والاتجار بالبشر واللجوء، والعاملات الأجنبيات، وذلك من خلال حكاية الطفل "زين" الذي يرفع دعوى على والديه بتهمة إنجابه وإخوته في ظروف معدمة وغير صحية وتركه من دون أوراق ثبوتية، وتقاطع حكايته بتزويج أخته القاصر والخادمة الإثيوبية راحيل التي تعيش هي الأخرى بلا أوراق رسمية، إضافة إلى عالم حوله يزخر بالجريمة والقسوة والمآسي.
الفيلم اللبناني لا يقدم حكاية سورية، كما أشاع البعض، فعوالمه تدور في أحد الأحياء الفقيرة في بيروت وعن ناسها، لكنه يتقاطع في جزء كبير من القضايا الإنسانية التي يطرحها مع الوجع السوري اليوم، ولا سيما تلك القضايا التي تتعلق بمآسي اللجوء وزواج القاصرات والفقر بطبيعة الحال.
بكل الأحوال لن يمضي الفيلم بعيدا عن المأساة السورية؛ فالطفل زين الرفاعي الذي يجسد دور البطولة فيه، هو لاجئ سوري كان قد فرّ من ويلات الحرب إلى لبنان قبل 6 سنوات من وقوفه أمام كاميرا نادين لبكي.
الأفلام الـ3 لم تحضر في قوائم المنافسة على جوائز الأوسكار بثقل المأساة التي تقدمها رغم أن هذه الأخيرة جوهر حكاياتها، هذا ما نثق به على الأقل في الفيلم السوري "عن الآباء والأبناء"، والفيلم اللبناني "كفرناحوم"؛ إذا قدم الاثنان أوراق اعتمادها الفنية قبل الفكرية، واشتغلا بحرفية عالية ضمن القواعد الناظمة المثالية لجنسهما الفني، بمعنى أنهما لم يتكئا على القضية التي يطرحانها للتسلل إلى قوائم المنافسة من بوابة التعاطف مع القضايا التي يطرحانها.
بكل الأحوال لا تبدو الأكاديمية الأمريكية معنية بترويح قضايا الشرق الأوسط؛ حيث إن رجال السياسة هم يتولون هذه المهمة، وبالتالي فإن وصول الفيلمين السوري واللبناني إلى القائمة القصيرة لجوائز الأوسكار هو عبارة عن انتزاع اعتراف بجدارتهما الفنية، وتتويجهما بجوائز الفئات المرشحين ضمنها، سيكون نتيجة طبيعية للمستوى الفني المقدم فيهما.
ومع تضاؤل حظوظ "كفر ناحوم" بنيل جائزة فئته مع وجود منافس قوي مثل الفيلم المكسيكي "روما" الذي يتجه لتحقيق إنجاز فريد من نوعه في العالم مع نيله 10 ترشيحات في الدورة الحالية للأوسكار، يبقى الأمل بالفيلم السوري "عن الآباء والأبناء" في تحقيق إنجاز عالمي للعرب بنيل أوسكار أفضل فيلم وثائقي طويل، ورغم أننا لا نعرف مستوى المنافسة التي سيواجهها الفيلم ضمن هذه الفئة، لكننا نثق بأن مخرجه طلال ديركي أنجز شريطا بشغف وشجاعة وحيادية وفهم عميق لمعنى الفيلم الوثائقي.