«قطار الموت» بباكستان.. لحظات رعب في رحلة بلا عودة

بـ«تذكرة بلا عودة» استقل المئات قطار جعفر إكسبريس، ظنًا منهم أنها رحلة اعتيادية عبر تضاريس باكستان الوعرة، لكنها تحولت إلى كابوس مرعب حينما اخترق المسلحون سكون العربات، لتبدأ ساعات من الرعب والموت.
ففي لحظات، صارت القضبان مشهدًا لفصل دموي جديد من صراع بلوشستان، حيث لا صوت يعلو فوق أزيز الرصاص وصرخات الرهائن. ففي حين كان الجيش يسابق الزمن لإنقاذ ما تبقى من الأرواح بعد إعلان مقتل 50 رهينة، كان بعض الناجين يتلمسون طريقهم بين الجثث، يروون قصصًا أشبه بكابوس لم ينتهِ بعد.
فماذا حدث؟
قال مسلحون، الأربعاء، إنهم قتلوا 50 رهينة، من بين أكثر من 450 راكبا كانوا على متن قطار جعفر إكسبريس في باكستان، فيما أكدت قوات الجيش إنقاذ 190 آخرين.
وبحسب مسؤول أمني، فإن عشرات المسلحين الانفصاليين من البلوش فجروا خط سكك حديدية وأطلقوا صواريخ أمس الثلاثاء على قطار جعفر إكسبريس.
وأكدت مصادر أمنية باكستانية، الأربعاء، أن الجيش نجح في تحرير 190، من بين أكثر من 450 راكبا على متن القطار عندما سيطرت جماعة انفصالية مسلحة عليه في منطقة حدودية نائية، علما بأن عدد الرهائن الذين ما زالوا محتجزين لم يُعرف بعد.
وقالت مصادر أمنية لـ«فرانس برس» إنه «تم حتى الآن إنقاذ 190 راكبا فيما قُتل 30 إرهابيا. يجري العمل بحذر الشديد بسبب وجود نساء وأطفال مع انتحاريين (على متن القطار) العملية متواصلة للقضاء على باقي المسلحين».
وفي محطة قطارات في كويتا، شاهد مصور وكالة فرانس برس نحو 140 نعشا فارغا نُقلت بالقطار إلى موقع الهجوم الأربعاء.
وازدادت في السنوات الأخيرة الهجمات التي تنفذها جماعات متمردة تتهم الباكستانيين المتحدرين من مناطق خارج الإقليم بنهب الموارد الطبيعية في إقليم بلوشستان المحاذي لأفغانستان وإيران.
وأعلن «جيش تحرير بلشوستان» مسؤوليته عن العملية ونشر تسجيلا مصورا لانفجار على السكة أعقبه تدفق عشرات المسلحين من المناطق الجبلية واقتحام العربات.
وأفاد مصدر أمني في المنطقة لـ«فرانس برس»، بأن «المعلومات تشير إلى أن بعض المسلحين هربوا واصطحبوا معهم عددا غير معروف من الرهائن إلى المرتفعات».
وروى بعض الركاب المحررين الذين ساروا لساعات في مناطق جبلية وعرة قبل أن يصلوا الى بر الأمان تفاصيل إطلاق سراحهم من قبل المسلحين.
وقال العامل المسيحي البالغ 38 عاما بابار مسيح لـ«فرانس برس» الأربعاء: «ناشدتهم النساء وتركونا.. قالوا لنا اخرجوا ولا تنظروا إلى الخلف. ركضنا ورأيت الكثير من الأشخاص الآخرين يركضون إلى جانبنا».
وقال محمد بلال الذي كان برفقة والدته على متن القطار: «تعجز الكلمات عن وصف كيف تمكّنا من النجاة. الأمر مرعب».
هويات الركاب
ونفّذ «جيش تحرير بلوشستان» سلسلة هجمات مؤخرا استهدفت قوات الأمن وباكستانيين من أقاليم وولايات أخرى يتهمهم، إلى جانب المستثمرين الأجانب، بنهب المنطقة الغنية بالموارد وحرمان السكان المحليين من ثرواتها.
وطالب بمبادلة عناصر أمن بأعضائه المسجونين.
وقُتل سائق القطار وشرطي وجندي في الهجوم، بحسب المسعف ناظم فاروق والمسؤول في سكك الحديد محمد أسلم.
وأفاد عدد من الركاب لـ«فرانس برس»، بأن المسلحين دققوا بهويات الركاب لتحديد أولئك القادمين من خارج الإقليم، في خطوة مشابهة لما جرى خلال هجمات نفذها «جيش تحرير بلشوستان» في الآونة الأخيرة.
وقال راكب سار لساعات قبل الوصول إلى أقرب محطة قطارات: «أتوا وتفحصوا الهويات وبطاقات الخدمة وأطلقوا النار على جنديين أمامي وأخذوا أربعة آخرين إلى مكان أجهله».
وتابع الراكب الذي طلب عدم ذكر اسمه أن «الإرهابيين أخذوا البنجابيين»، في إشارة للمتحدرين من إقليم البنجاب.
ونقل نحو 80% من الركاب المحررين إلى مدينة كويتا عاصمة إقليم بلوشستان في ظل «إجراءات أمنية مشددة»، بحسب مسؤول في الشرطة طلب أيضا عدم كشف اسمه.
تمرّد
ويُعتبر إقليم بلوشستان غنيا بالهيدروكربونات والمعادن، إلا أن سكانه يشكون من التهميش والحرمان من الاستفادة من هذه الموارد الطبيعية، ما جعل منه أفقر منطقة في باكستان.
وشن «جيش تحرير بلوشستان» سلسلة هجمات العام الماضي للسيطرة على طريق سريع رئيسي وقتل مسافرين من مجموعات عرقية أخرى، ما أحدث صدمة في البلاد.
وأعلن مسؤوليته عن هجوم في فبراير/شباط أودى بحياة 17 جنديا من القوات المساندة للحكومة بينما قتلت انتحارية جنديا هذا الشهر.
وأفاد بيان «جيش تحرير بلوشستان» -حينذاك- بأن «الموارد الطبيعية القيّمة في بلوشستان هي ملك للأمة البلوشية»، مضيفًا: «ينهب جنرالات الجيش الباكستاني ونخبهم من البنجابيين هذه الموارد للاستمتاع بها».
وينظّم سكان بلوشستان تظاهرات منتظمة ضد الدولة التي يتهمونها باعتقال أبرياء في إطار حملتها الأمنية ضد الحركة المتمردة.
وتواجه قوات الأمن تمرّدا متواصلا منذ عقود في بلوشستان، لكنّ العام الماضي شهد تصاعدا للعنف في الإقليم مقارنة بما كان عليه الحال في 2023، بحسب مركز البحوث والدراسات الأمنية المستقل.
وتشير تقديرات المركز إلى أن عام 2024 كان الأكثر دموية منذ ما يقرب من عقد، مع ارتفاع مستوى العنف عند الحدود مع أفغانستان منذ استعادت حركة طالبان السلطة في كابول عام 2021.
aXA6IDMuMTQ3LjU1LjEg جزيرة ام اند امز