واشنطن وباكستان.. هل تبتلع الفيضانات "تسونامي" التوتر؟
جهود الإغاثة من الفيضانات في باكستان تزامنت مع تطور سياسي لافت؛ استئناف بسيط لكنه ثابت في التواصل رفيع المستوى بين إسلام آباد وواشنطن.
وذكر تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن حساب التكلفة الإنسانية والاقتصادية الكاملة لآخر كوارث المناخ في باكستان ستستغرق وقتا، لكن يبدو أن الأزمة وفرت لإدارة الرئيس جو بايدن المبرر الضروري لإعادة الالتزام الدبلوماسي للدولة ذات الموقع الاستراتيجي والمسلحة نوويا.
وهذا يمثل تحولًا عما كان عليه الوضع قبل عام، بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، حيث رأى قادة باكستان أن الخروج الأمريكي تم تنفيذه بشكل سيء.
فيما أعرب مسؤولون أمريكيون عن إحباطهم من باكستان لأنها لم تضغط أكثر على حركة طالبان الأفغانية للتوصل على تسوية سلام تفاوضية مع الحكومة السابقة بقيادة أشرف غني.
واعتبرت إسلام آباد المقترحات التالية للمسؤولين الأمريكيين حول احتمال تراجع العلاقات معها بمثابة عقاب؛ من ناحية بسبب عدم بذل مزيد من الجهود لمساعدة واشنطن في أفغانستان، ومن ناحية أخرى بسبب زيارة رئيس الوزراء السابق عمران خان إلى روسيا عشية الحرب على أوكرانيا والتي جاءت في وقت سيء.
لكن عندما بدأ خان في اتهام الولايات المتحدة بمحاولة هندسة تغيير في النظام بباكستان، الأمر الذي تسبب في أزمة سياسية شاملة في إسلام آباد، أصبح قرار واشنطن للتوقف عن مزيد من المعاملات حكمة دبلوماسية وليست انتقاما.
ولم يتحرج خان من فسخ علاقة بلاده مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام. وبعد تصويت حجب الثقة الذي أجرته أحزاب المعارض في باكستان، بدأ رئيس الوزراء المخلوع في تنظيم تجمعات حاشدة في شتى أنحاء المدن.
ومع أن ما قاله خان بشأن تغيير النظام بتحفيز أمريكي احتمال بعيد، إلا أنه لا يزال هناك بعض الحقيقة في أن سحب الجيش الباكستاني لدعمه لخان هو ما دفع إلى تغيير الحكومة في أبريل/ نيسان الماضي.
ففي البداية، مهد الجيش الطريق أمام انتصار خان الانتخابي في 2018، لكن يقال إنه غضب على نحو متزايد من التكلفة المرتفعة لسياساته الشعبوية، التي كثيرًا ما استخدمت المشاعر المناهضة لأمريكا لتحفيز الدعم المحلي.
وعلى النقيض من خان، يعتبر الجيش الباكستاني العلاقات مع الولايات المتحدة محورية في الأهمية الجيوسياسية لباكستان، وعاملًا أساسيا في استقرار الاقتصاد المتدهور وأزمة السيولة الحادة.
إحياء العلاقات
ولهذه الغاية، كان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذتها الحكومة الائتلافية بقيادة شهباز شريف التي حلت محل حكومة خان، هو إلغاء دعم خان للوقود والكهرباء؛ وذلك حتى تتمكن باكستان من استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بعد توقف دام سبعة أشهر، على برنامج بأكثر من 6.5 مليار دولار.
ومن جانب واشنطن، بالإضافة إلى استئناف برنامج صندوق النقد الدولي، هناك مؤشرات أخرى على استعداد لإعادة إحياء العلاقات.
واقترنت الفيضانات المدمرة بموجة من الزيارات الرسمية من واشنطن: كانت الأولى لمستشار وزير الخارجية ديريك شوليت، الذي أعلن عن جسر جوي إنساني لمدة عشرة أيام إلى باكستان، وحزمة إغاثة بقيمة 30 مليون دولار.
ولاحقا، أجرت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامنثا باور، زيارة استراتيجية إلى البلد الآسيوي.
وبالرغم من أن الحجة في الزيارتين كانت إنسانية في طبيعتها إلى حد كبير، إلا أن المسؤولين تحدثا عن أهمية 75 عاما من العلاقات الثنائية بين البلدين بالإضافة إلى أهمية تعزيز العلاقات.
وفي الوقت نفسه تقريبا، أعلنت وزارة الخارجية الموافقة على صفقة بيع محتملة لمعدات خاصة بطائرات إف-16 في صفقة وصلت قيمتها 450 مليون دولار، ترمي إلى خدمة الأهداف المشتركة في مكافحة الإرهاب.
ويلغي هذا القرار قرارًا سابقًا لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بإنهاء برنامج الدعم التكنولوجي والفني للأسطول الباكستاني. كما جرى تعيين سفير بدوام كامل في باكستان بالصيف بعد فجوة استمرت أربعة أعوام.
وطبقًا لتحليل "فورين بوليسي"، يكاد يكون من المستحيل فصل التغيير الظاهري في رغبة أمريكا بالتواصل مع باكستان عن التغيير في الحكومة الذي حدث هذا الصيف.
ويقال إن خان يفكر الآن في تخفيف نهج حزبه المتشدد بشأن الولايات المتحدة، ربما في محاول لإعادة بناء العلاقات مع المؤسسة الباكستانية.