طالبان باكستان.. حلم "الملاذ الآمن" يتلاشى في أفغانستان
ظنت حركة طالبان الباكستانية المتشددة، أن سقوط أفغانستان بيد حركة طالبان في أغسطس/آب 2021، سيجعل هذا البلد ملاذا آمنا لقادتها وعناصرها.
فالحركة التي تقاتل الحكومة الباكستانية في مناطق حدودية وقبلية مختلفة، وجدت واقعا مختلفا على خلفية تزايد عمليات الاغتيال ضد قادة الحركة دفعها لتوجيه اتهامات ضد طالبان الأفغانية.
- "طالبان" ترفض دعوة باكستان إرسال قوى "عاملة" إلى أفغانستان
- نجاة قيادي في طالبان باكستان من هجوم بطائرة مسيرة
وفي أحدث ضربة تلقتها طالبان باكستان، قتل "ياسر بركي" القائد البارز والنافذ في الحركة، والذي لقي مصرعه في مدينة قندهار جنوب غرب أفغانستان، وفقاً لمصادر أفغانية تحدثت لموقع صحيفة (إندبندنت) البريطانية بالنسخة الفارسية.
المصادر الأفغانية قالت للصحيفة البريطانية إن "ياسر بركي لقي مصرعه على أيدي مسلحين مجهولين وسط مدينة قندهار مساء الثلاثاء الماضي".
وقال "أحرار نيازي"، أحد عناصر طالبان الأفغانية للصحيفة، إن "جهاز المخابرات العسكرية الباكستاني، اخترق صفوف طالبان الأفغانية وبدأ بجمع معلومات عن طالبان الباكستانية وتحركات قادتها".
واعتبر نيازي أن "المخابرات العسكرية الباكستانية تحاول أيضًا خلق جو من عدم الثقة بين الباكستانيين وطالبان الأفغانية، مطالباً عناصر طالبان الباكستانية بعدم السفر إلى أفغانستان في ظل الأوضاع الحالية".
كما لفت نيازي إلى أن "مقتل قادة حركة طالبان باكستان لا علاقة له بإمارة طالبان الأفغانية"، مبيناً أن "طالبان الأفغانية وطالبان الباكستانية لديهما نفس الفكرة ولا فرق بينهما"، محذراً حركة طالبان الباكستانية من السفر إلى أي مكان دون التنسيق مع قيادتها.
وعقب مقتل ياسر بركي انتقد عدد من أعضاء وأنصار طالبان باكستان حركة طالبان الأفغانية وكتبوا على تويتر أن إمارة طالبان تخون من سماهم بـ"المجاهدين".
كما نقل موقع الصحيفة البريطانية عن مصدر في ولاية هلمند جنوب أفغانستان "إن الملا عبد الله، وهو قائد آخر في حركة طالبان باكستان، قتل أيضا في اشتباك مع حركة طالبان الأفغانية في مدينة ناوا بإقليم هلمند يوم الثلاثاء".
ووفق المصدر الأفغاني فإن هذا الصراع اندلع في قرية شينبول التابعة لمدينة ناو وقتل إلى جانب الملا عبد الله ثلاثة أعضاء آخرين من حركة طالبان باكستان".
ولم تعلق أي مصادر رسمية في باكستان وأفغانستان حتى الآن على مقتل ياسر بركي والملا عبد الله.
فيما أفاد موقع "راديو داري" الأفغاني، في وقت متأخر من مساء الأربعاء، بمقُتل "حافظ جول بهادر" أحد قادة طالبان الباكستانية، مساء الثلاثاء الماضي، بالتزامن مع اغتيال "ياسر بركي" مع 3 من أقاربه في هجوم مسلح في قندهار. وحتى الآن لم يعلق مسؤولو طالبان على هذا الأمر.
ما هي "حركة طالبان باكستان"؟
هي مجموعة من المسلحين الباكستانيين، مكونة من عدة جماعات مسلحة أطلقت على نفسها اسم "تحريك طالبان باكستان" ومنذ عام 2007 وهم يقاتلون الحكومة الباكستانية من أجل ما يسمونه "إقامة نظام إسلامي في باكستان".
ويقود هذه الجماعة حالياً "المفتي نورولي محسود" يقال إن هناك حوالي 4000 من مسلحيها داخل أفغانستان.
وفي العام الماضي حاولت الحكومة الباكستانية عدة مرات التوصل إلى اتفاق سلام مع شبكة حقاني، لكن المفاوضات فشلت في كل مرة.
وحصلت حركة طالبان باكستان، التي استضافت طالبان الأفغانية في شمال وزيرستان وبلوشستان الباكستانية لسنوات عديدة، على معدات عسكرية متطورة مع انهيار الحكومة الأفغانية السابقة، وذهب جزء من قوات الجماعة إلى أفغانستان.
وهذه المجموعة التي تصف نفسها بأنها جزء من حركة طالبان الأفغانية، تقاتل الآن بقوة أكبر ضد الحكومة الباكستانية.
وحتى الآن انطلقت 3 جولات من محادثات السلام بين الحكومة الباكستانية و"تحريك طالبان باكستان" في كابول، لكن هذه المجموعة لم تتراجع خلال الـ3 مرات عن مطالبها، وأهمها المفهوم الغامض لـ"إقامة نظام إسلامي في باكستان".
كم عدد مسلحيها في أفغانستان؟
وكشف تقرير صادر عن مراقبي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نُشر في مطلع يونيو/حزيران الماضي، أن نحو 4 آلاف مسلح من حركة طالبان الباكستانية موجودون في أفغانستان.
وفي 7 أغسطس/آب الجاري، قُتل عمر خالد خراساني، القائد البارز لحركة طالبان باكستان، إلى جانب 3 مسلحين تحت إمرته في انفجار لغم على جانب الطريق في مدينة بارمال بإقليم بكتيكا شرقي أفغانستان.
وحملت حركة طالبان باكستان الحكومة الباكستانية مسؤولية هذا الهجوم، لكن لم تعلن أي جماعة أو شخص مسؤوليتها حتى الآن عن مقتل خراساني وثلاثة من رفاقه.
وتنفذ حركة طالبان الباكستانية هجمات في باكستان منذ 14 عاما، وغادر خراساني، الحركة في عام 2014 ليشكل جماعته المتشددة تسمى "جماعة الأحرار"، والتي انضمت لاحقا إلى حركة طالبان الباكستانية.
وأعلنت الولايات المتحدة جماعة الأحرار جماعة إرهابية في عام 2016، وهذه الجماعة المتشددة متهمة بتنفيذ عدة هجمات ضد القوات الباكستانية والأقليات الدينية.
وكان خراساني أيضا جزءا من مفاوضي حركة طالبان باكستان الذين أجروا محادثات مع السلطات الباكستانية اعتبارا من مايو/أيار 2022.
تعثر المفاوضات مع حكومة باكستان
ويعتقد خبراء سياسيون في باكستان أنه إذا ثبت أن الحكومة الباكستانية مسؤولة عن مقتل القائد بـ"تحريك طالبان باكستان"، ياسر بركي فإن عملية مفاوضات السلام ستواجه مشاكل.
ولم توضح قيادة "تحريك طالبان باكستان" بعد موقفها الرسمي من مقتل قادتها، لكن في الأيام الأخيرة انتشرت مقاطع فيديو من مراكز تدريب هذه المجموعة تظهر أن مقاتليها مزودون بأسلحة متطورة.
وبعد انهيار الحكومة الأفغانية السابقة استولى عدد من قادة طالبان الأفغانية على قواعد عسكرية وباعوا بعض الأسلحة والمعدات الأمريكية المتطورة التي تركها جيش الحكومة الأفغانية السابقة لمهربي الأسلحة إلى جانب "تحريك طالبان باكستان".
واشترت العديد من الشبكات الإرهابية والإجرامية في أفغانستان وباكستان مثل هذه الأسلحة من أسواق غير مشروعة في البلدين المذكورين.
وبحسب التقارير فإن حركة طالبان الأفغانية، خاصة شبكة حقاني التي يقودها وزير الداخلية في أفغانستان "سراج الدين حقاني"، حاولت إحلال السلام بين طالبان باكتسان والحكومة الباكستانية بعد وصول طالبان إلى السلطة في كابول.
وكانت حركة طالبان الباكستانية مسؤولة عن الهجمات المميتة في باكستان قبل سنوات، مما دفعها إلى المناطق الحدودية في جنوب شرق أفغانستان.
مكانة المناطق القبلية
وفي عام 2018، ضم البرلمان الباكستاني 7 مناطق قبلية حرة تتمتع بالحكم الذاتي إلى ولاية خيبر باختونخوا شمال غرب باكستان.
وفي غضون ذلك، وصل 53 عضوا من المجالس القبلية الباكستانية إلى كابول في 11 يونيو/حزيران الماضي للقاء مسؤولي طالبان والتوسط في عملية محادثات السلام بين ممثلي حركة طالبان باكستان والحكومة الباكستانية، ورحب السفير الباكستاني منصور أحمد خان بأعضاء هذا المجلس.
وقال أعضاء هذا المجلس إنهم التقوا سابقا مسؤولين باكستانيين في بيشاور وسافروا إلى كابول للتحدث مع طالبان الباكستانية.
وقال صالح شاه، العضو السابق في مجلس الشيوخ الباكستاني وأحد أعضاء هذا المجلس، لـ"بي بي سي" إنهم التقوا السلطات الباكستانية داخل أفغانستان وكما التقوا قادة من طالبان الباكستانية.
تطبيع العلاقات مع الهند
لطالما اتهمت إسلام آباد الحكومة السابقة لأفغانستان والهند بدعم مسلحي طالبان الباكستانية، وتأمل الآن أن يتمكن البلدان بالتعاون مع حكومة طالبان من حل مشكلة انعدام الأمن في المناطق القبلية من هذا البلد.
وفي يونيو/حزيران الماضي، سافر مسؤول كبير بوزارة الخارجية الهندية إلى كابول والتقى وزير خارجية طالبان أمير خان متقي وزار مدرسة حبيبي الثانوية (المدرسة الثانوية) في كابول ومستشفى إنديرا غاندي للأطفال في كابول.
ولأول مرة قال وزير دفاع طالبان محمد يعقوب في مقابلة مع قناة "سي إن إن نيوز 18" الهندية: إننا "نحاول" إقامة علاقات اقتصادية وسياسية مع أمريكا والهند ودول أخرى".
وأكد أن الاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة ينص بوضوح على أنه لا ينبغي استخدام أراضي أفغانستان ضد الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وأن طالبان تعتبر تنفيذها "مسؤوليتها الوطنية الصادقة".
وقال يعقوب: "طلبنا من الهند إعادة فتح سفارتها في كابول وإرسال سفير والاتفاق مع سفير طالبان في الهند، العلاقات الدبلوماسية يمكن أن تكون بداية للدفاع والتعاون الآخر، وطالبان توفر لهم الأمن".