قصر محمد علي بشبرا.. كنوز تنجو من يد اللصوص
قصر محمد علي باشا، على ضفاف النيل، بالقاهرة، تعرض لمحاولة سرقة، تسببت في حالة من الهلع بوزارة الآثار
تعرض قصر محمد علي باشا، على ضفاف النيل بمنطقة شبرا، شمالي العاصمة المصرية القاهرة، لمحاولة سرقة، تسببت في حالة من الهلع داخل أروقة وزارة الآثار.
فبينما كان حراس القصر أو أعضاء اللجنة المسؤولة عن فتح أبوابه بصدد ممارسة مهامهم صباح الثلاثاء، كانت المفاجأة، فقد وجدوا باب الأمناء مكسورًا، ومثله أبواب بعض حجرات القصر العتيق، بل واختفاء بعض مفاتيح القاعات من صندوق الحفظ الخاص بها بعد كسره أيضًا.
إلهام صلاح، رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار، قالت لوسائل إعلام محلية إنه تم إبلاغ شرطة السياحة والآثار والنيابة العامة للوقوف على جميع ملابسات الحادث، بعد رفع البصمات وفتح التحقيقات لمعرفة من الذي اعتدى على القصر و مقدراته التاريخية.
وتبين لاحقاً عدم وجود أي مسروقات من المتحف، ما رجح فشل محاولة السرقة لسبب ما.
تأمين المواقع الأثرية
محمود عفيفي، الرئيس السابق لقطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار، يقول إن الوزارة تقدمت في وقت سابق بطلب للبرلمان من أجل تغليظ العقوبة على الجرائم المتعلقة بالآثار، سواء كانت سرقة أو تهريب أو غير ذلك واعتبارها جناية، وفرض غرامات مالية ضخمة ليتحقق عامل الردع، ويفترض أن يبت البرلمان المصري في الأمر في دورته القادمة.
ويشير في تصريحات خاصة لـ"بوابة العين" الإخبارية، إلى أنه كما جرت العادة فإن مناطق الآثار والمتاحف يتم تأمينها بعناصر من شرطة السياحة وأمن الآثار، فضلًا عن كاميرات المراقبة، والمفاتح الخاصة بالأبواب عادة ما يتم حفظها في موقع مؤمن تشرف عليه عناصر أمنية ويتم تسليمه تباعًا بين رؤساء "ورديات العمل" أو فترات العمل.
الخطر أحاط بالقصر عدة مرات
لم تمر الأحداث الإرهابية، التي شهدتها القاهرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، على قصر محمد علي باشا مرور الكرام، بل نال القصر ما ناله جراء استهداف مبنى الأمن الوطني بشبرا أغسطس/آب 2015 بتفجير إرهابي، فتعرضت بعض لوحاته وتُحفه للكسر والتصدع، فضلا عن تهشم النوافذ الزجاجية، وحدوث شروخ في المبنى الأثري واتساع الشروخ القديمة.
كذلك في العام 2009، أعلنت زارة الثقافة عن سرقة تسع لوحات فنية أثرية من القصر، تعود جميعها إلى عصر أسرة محمد على باشا.
وفي العام 2011، أُغلق القصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الأول لدواع أمنية، ومع تراجع الاهتمام بالصيانة والظروف الأمنية غير المستقرة، بدأت حالة القصر في التدهور.
قصر الاستجمام مطمعًا للخارجين على القانون
المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي، يقول إن قصر محمد علي باشا بشبرا يعد مطمعًا للخارجين على القانون، فبرغم أنه كان مخصصًا للتنزه والتريض وقضاء أوقات الراحة والاستجمام، إلا أنه مليء بالتحف والآثار التي لا تقدر بثمن، فقطعة واحدة به يمكن أن تنقل سارقها إلى وسط اجتماعي مختلف.
وأشار إلى ضرورة أن تختار الجهات المعنية حراس القصور التاريخية بعناية شديدة، لتضمن قدر الإمكان عدم المساس بهذه المقدرات التي لا يضاهيها ثمن.
وفي حديث خاص لـ"بوابة العين" الإخبارية، قال الدسوقي إنه بينما كان حكام مصر، منذ عهد الإسكندر الأكبر، بمجرد أن يحلوا بمصر فاتحين يشيدون مدنا محصنة خاصة بهم لا يمكن أن يدخلها أحد إلا بإذن الحاكم، كان قصر محمد علي باشا بشبرا هو الخروج على هذا النظام.
ويوضح أن حكام مصر في العصور السابقة كانوا كلهم "وافدين"، لذلك كانوا يخشون على أنفسهم من المصريين، ولذلك كل منهم بنى مدينته الخاصة التي يأمن بإقامته فيها من الخطر الذي يخشاه، ومحمد علي باشا كان يقيم في القلعة التي تحصن بها حكام مصر منذ عهد صلاح الدين الأيوبي وحتى العهد العثماني.
ويضيف أن محمد علي باشا قرر بناء قصر خاص به في طرف القاهرة بمنطقة شبرا، نشأ حوله فيما بعد مبان فاخرة سكنها في ذلك الوقت أكابر وأعيان مصر ومثقفوها وهي ما تعرف الآن بشبرا مصر.
وأشار إلى أن القصر كان مخصصًا للاستجمام فقط خاصة وأنه يطل على نهر النيل مباشرة، فلم يُقِم فيه محمد علي باشا إقامةً كاملة.
حقائق رقمية عن قصر محمد علي باشا
المراجع التاريخية تشير إلى أن بناء القصر تم على مراحل استمرت حوالي 13 عاما، ابتداء من عام 1808 م حتى عام 1821م، وأضيفت إليه سرايا الجبلايا عام 1836 م.
القصر يحتل مساحة مستطيلة أبعادها 76.5 متر × 88.5 متر، ويتكون من طابقٍ واحد ويفتح بأواسط أضلاعه أربعة أبواب محورية يتقدم كل باب سقيفة، ويشغل كل ركن من البناء حجرة تبرز من الواجهة كأنها برج، ويتوسط البناء حوض تتوسطه نافورة تنخفض عن أرضية البناء، عرفت بـ "الفسقية"، بل إن القصر نفسه عرف أحيانًا بهذا الاسم.
وفي عام 1836، أنشئ مبنى ملحق بالقصر الرئيسي، وهو قصر "الجبلاية" أو الضيافة، وهو مبنى من طابق واحد به خمس غرف، تُفتح إلى ساحة صغيرة تتوسط القصر.
وتحيط بالقصر حديقة شاسعة، جمع فيها محمد على الكثير من النباتات النادرة من أنحاء العالم، وزُرعت في حديقة هذا القصر أول أشجار المانجو واليوسفي والمامبوزيا في مصر.
لكن السور المحيط بالقصر حاليا لا يشي بعظمة هذا البناء، الذي كان تحفة معمارية غير مسبوقة في عصره. كما اقتطعت مساحة من حديقة القصر لإنشاء كلية للزراعة، ومعهد زراعي، فتقلصت مساحة القصر إلى 13,700 متر مربع.
جاءت عمارة القصر على نمط جديد لم تعرفه مصر من قبل، وساعدت المساحة الشاسعة للموقع على اختيار طراز معماري تركي، هو طراز قصور الحدائق الذي شاع في تركيا علي شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة.
يعتمد التصميم في جوهره على الحديقة الشاسعة المحاطة بسور ضخم تتخلله أبواب قليلة العدد، وتتناثر في هذه الحديقة عدة مبان، كل منها يحمل صفات معمارية خاصة.
للوصول إلى القصر أطلق محمد على باشا أوامره بإنشاء شارع شبرا الشهير، وفي عام 1847م كانت بداية المشروع الذي كان يستهدف محمد علي به استحداث شارع يتم تخصيصه بالكامل للتنزه والترويح خارج عاصمته مصر، ولذلك صدر الأمر بأن يكون الشارع أعرض شوارع مصر وأكثرها استقامة في ذلك الوقت.