"من تدمع عيناه على عهد لا بد أن يتحرك ضميره لغيرها.. قتيل كل يوم من السوريين بنيران الجندرمة التركية ولا قبر يأويهم".
خرجت حسناء فلسطين من سجنها وما استطاع السجان الإسرائيلي كسر هيبة شبوبيتها ولا إيمانها بدولتها وحقوق نظرائها من أبناء جلدتها الفلسطينيين، وحطمت بقوة إرادتها رغم غضاضة عودها الكيان الغاصب لأرضها وناسها، وأسمعت صرختها من كان به صمم أن الحق لا يضيع ووراؤه مثل عهد وغيرها الكثير من الفلسطينيات والفلسطينيين، الذين إن وجدوا وسيلة لمقاومة المحتل سخروا أمعاءهم الخاوية أصلا من شدة الحصار ليخلقوا منها ساحة معركة استطاعوا غير مرة الانتصار بها على الإسرائيليين.
لا بد من تحذيرك يا عهد وغيرك من أبناء العروبة من الذئاب التي تجيّر مواقفكم البطولية وتستثمرها لصالح نهمها وحبها للظهور والسلطة معا، فلا فرق كبير بين هؤلاء ومن كانت يده تقبض على الزناد يوم ناديت بالحرية.
عهد، يا أخت الأحرار مبروك عليك حريتك المنقوصة على لسانك بتركك أسيرات كثيرات لا يعلم حالهن إلا الله، ثمانية أشهر قضيتيها ووالدتك، لا شك أنها صعبة جدا على شابة في مقتبل عمرها فكيف باللواتي يقبعن داخل السجون منذ سنوات.
حريتك ما هي إلا نقطة البداية التي ستتوالى بعدها نسائم الحرية لزميلاتك الأخريات ورفاقك الشباب الذين ما رضوا بأن تهيمن عليهم إسرائيل وتسلب حقوقهم، ولكن حذاري يا أختاه من الذين يريدون استغلالك لمخططاتهم، والصيد في مائك النقي واستثمار ذلك ليرفعوا من قدر أنفسهم لا أنت.
لم يكن مفاجئا حجم التضامن العربي والغربي مع الشابة عهد، بل هذا متوقع من التواقين للحرية على مساحة العالم من شرقه إلى غربه، وهذا ما تجلى منذ اللحظة الأولى لاعتقال أيقونة فلسطين.
اللافت الأصوات التي ارتفعت حين خرجت وكانت صامتة، وهي قادرة ليس على حل قضيتك فحسب وإنما أكثر من ذلك، ولكنها لا تريد بل تغض الطرف وتعمل بوجهين الأول يناصر الفلسطينيين ويدعو لمؤتمرات وقمم إسلامية وغيرها لمساندتهم، ووجه يشوح به عن الحقيقة ويمرغ به عتبات جدار الهيكل المزعوم صباح مساء.
بالطبع حالة عهد بالنسبة للرئيس التركي كانت قيد المراقبة، فالرجل اتصل بها عام 2012 عندما كان رئيسا للوزراء حين صفعت الجندي الإسرائيلي بينما لم يوقف تجارته ولا المناورات العسكرية بين قواته وجيش الاحتلال الإسرائيلي، فقط أراد استثمار لحظة الشجاعة لدى الشابة الفلسطينية ليقول للعالم الملاحق إياه أنا ها هنا.
ليس هذا فحسب، الجميع يستذكر لحظة ترك أردوغان منصة الحوار في مؤتمر دافوس في التاسع والعشرين من يناير عام 2009 عندما كان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على يساره، اعتراضا على ما كانت تقوم به الأخيرة ضد الفلسطينيين في غزة، ولكن لماذا اقتصر الدور التركي على مشهدية الانسحاب وتسمية أردوغان ببطل دافوس بينما حكومته آنذاك كانت تتمتع بشراكة اقتصادية هي الأقوى في الشرق والمؤشرات الاقتصادية تكشف عن نمو حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب عام 2014 إلى نحو 5.8 مليار دولار؟.
ناهيك أن تركيا هي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، لتتوالى بعدها الصفقات منها ما هو للعلن والباقي الكثير طي الكتمان.
من تدمع عيناه على عهد لا بد أن يتحرك ضميره لغيرها، قتيل كل يوم من السوريين بنيران الجندرمة التركية ولا قبر يأويهم، فقط الجنسية التركية تُهدى لمن يحمل مالا وتجارة تدر الخيرات على حكومة حزب العدالة والتنمية.
ازدواجية الرئيس التركي ومعايير سياسته لا يمكن السكوت عليها أو الإيمان بها، فهو يعمل على كسب الشارع العربي مرة عبر إيديولوجيته الإخوانية وأخرى عبر تعاطفه الشكلي مع حالات انتقائه يختارها فريقه السياسي ويحشد لها وسائل الإعلام، فتجده مرة يستقبل لاجئا وأخرى يقبل طفلة، ومواقف كثيرة على هذه الشاكلة، ليترك المجال واسعا أمام الشباب العربي المغرر به لا التركي ليروج له على أنه القائد الملهم الفاتح الذي إذا ما أراد شيئا فقط عليه الإيماء بأصبعه، وهذا مناف للحقيقة، فما زالت يد الرئيس التركي ملطخة بدماء الكثير من الشباب السوري الذي خدعه في حلب وغيرها، وما زالت جثث أبناء مدينة الباب شمال سوريا شاهدة على تصرفات عسكره، وكذلك أشلاء الفتاة السورية الكردية التي مثلت العناصر المتطرفة المدعومة من جيشه بجسدها في عفرين.
أن تطعم بيد وتقتل بأخرى لهو أعلى قمم المتاجرة بقضايا الناس واحتياجاتهم، خاصة الباحثين عن الأمن والسلم، وعليه لا بد من تحذيرك يا عهد وغيرك من أبناء العروبة من الذئاب التي تجيّر مواقفكم البطولية وتستثمرها لصالح نهمها وحبها للظهور والسلطة معا، فلا فرق كبير بين هؤلاء ومن كانت يده تقبض على الزناد يوم ناديت بالحرية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة