نهيل الشرافي.. من عتمة الإعاقة إلى أهم دار نشر في غزة
نهيل الشرافي دخلت المدرسة ككل بنات جيلها، وعندما اكتشفت أن جسدها غير طبيعي لم تستسلم، إذ شكلت الكتابة الإبداعية لها طوق نجاة.
لم تقتنع الشابة الفلسطينية نهيل نافذ الشرافي، بأن العقل السليم حكرا على أصحاب الأجساد السليمة، وأثبتت أن إعاقتها السبب الرئيس لتميزها في مجال الكتابة الإبداعية، وأنها قادرة على أن تعطي أكثر مما يعطي الكثير من الأسوياء، وأن الإعاقة عقبة أمام تحريك الجسد، لكنها تمنح قوة خفية لمواجهة نظرات الشفقة تلك.
ومع صدور أول رواية لها عن أهم دار للطباعة والنشر في قطاع غزة، تكون الشرافي قد وضعت عكازيها على طريق التحدي.
الإعاقة قدر والتحدي إرادة
تقول الشابة نهيل الشرافي، 24 سنة، إنها دخلت المدرسة ككل بنات جيلها، وعندما اكتشفت أن جسدها غير طبيعي، ترددت بمعية والدتها على الأطباء ومراكز العلاج الطبيعي، حتى اكتشفوا أن لديها مشكلة، وهي نقص الأكسجين في أثناء الولادة، وتعاملت مع حالتها كأي طفلة مصابة بمرض ما، وعليها أن تأخذ علاجها، حتى تطور أمرها فصار جسدها يتحول إلى الإعاقة.
لم تعد قدماها قادرتين على حملها، وأصيب النطق عندها بشبه شلل، ودخلت حالة صعبة من حياتها، حتى اقتنعت أنها معاقة، ومع الأدوية والعلاج ونظرات الشفقة والدعوات لم تستسلم لحالتها، وبمعية والدتها، وجدت أن الكتابة الإبداعية التي اكتشفتها بالصدفة شكلت لها طوق نجاة من كل شيء، حتى من نفسها التي أصبحت أسيرة الإحباط، فبدأت بكتابة الشعر، وكانت أختها الكبيرة تلقيه على مسامع الحاضرين، ولاقى استحسانا وبل تشجيعا ممن يعيشون معها، لتذوق نشوة الانتصار بعد كل ما طرأ.
للبداية همّة وللتحدي سلطة
تقول نهيل الشرافي عن بداية مشوارها الأدبي لـ"العين الإخبارية": "والدتي اقترحت علي أن أكتب السرد، وأحضرت لي مجموعة من الروايات العربية والمترجمة، وفي أثناء فراغي شغلت نفسي بالقراءة، حتى أدمنت عزلتي وجليسي الكتاب، ورحت أكتب عن أول حرب عاشها الناس في غزة، أواخر عام 2008، وما سمعته من حكايات في أثناء القصف، وما رأيته بأم عيني من النافذة المطلة على الخراب، وحمم النيران وهي تغلق المدى، وما قرأته من أسماء للضحايا، والأحياء المدمرة".
وتضيف: "خبأت كل ما كتبته حتى عن أمي، ورغم بطء يدي الشديد وصعوبة مسك القلم وضبط الأوراق وحبري ينزف، إلا أنني استطعت بعد سنة واحدة، أن أكمل فكرتي، وأفرغّ كل ما كتبته على الحاسوب، وأعدت تنقيح اللغة، وفكرت بغلاف للكتاب، وعندما استوى الأمر وصار واقعا، كشفت لوالدتي ولشقيقتي ما أنجزته، فأعجبوا كثيرا بما كتبت، وبدأت والدتي تسلك طريق الأدباء والكتّاب واتحادهم في غزة، حتى أرشدوها لدار طباعة ونشر، وقدمت عملي لهم دون أن يعرفوا شيئا عن وضعي الصحي، وأجازوا الرواية، وعندما وقعت معهم العقد اكتشفوا إعاقتي فزادت رغبتهم بتبني العمل وطباعته بعد عرضه على لجنة للتدقيق والمراجعة".
الثمرة قطاف والشجرة ولّادة
في حفل توقيع روايتها الأولى (انتظار) جلست نهيل الشرافي أمام جمهرة من الكتّاب والأدباء والمثقفين في غزة، لم تتكلم لأنها لا تستطيع إلى ذلك سبيلا، لكنها تسافر في عينيها بين الوجوه الكثيرة، لتصطاد إعجابهم الشديد بما حققته، وكما حُملت لتوضع على المنصة، جاء من يكتب عنها الإهداءات لتوقيع كتابها.. تقول: "انتصرت اليوم على نفسي التي كانت تدعوني إلى الانزواء، ومجالسة العتمة، وانتظار الموت، وحققت أول أهدافي في الحياة، وكتابي الأول كان أول ثمرة أجنيها من بعد زرع طويل استمر سنة كاملة، ولا فضل لي إلا بالله، ومن بعده سبحانه لأمي وشقيقتي، وأصدقائي الذين شجعوني، ولم يتعاملوا معي بالشفقة والعطف، بل بكل قناعة إنني قادرة على تحقيق ذاتي السوية رغم الإعاقة الجسدية".
الطموح سهام والرماية عزيمة
لا تعترف الشرافي بعد صدور روايتها الأولى أنها وصلت إلى نهاية المشوار، بل تؤكد أن مشوارها بدأ اليوم، وطموحها أن تصبح واحدة من أهم الكاتبات في فلسطين والوطن العربي، وأن تكتب رواية لا يكون غلافها أسود، ولا أحداثها عن الدمار والخراب والموت، بل عن الحياة الجميلة والسعادة الممكنة، وكما أنها تعترف لوالدتها بالفضل عليها، وتتمنى من الله أن يطيل عمرها لأنها سندها المتين في الدنيا، ولا تريد شيئا أكثر.
وفق المركز الفلسطيني للإحصاء كشفت بيانات التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت، في العامين الماضيين أن عدد الأفراد الذين يعانون من صعوبة واحدة على الأقل في فلسطين قد بلغ 255,228 فردا، أي ما نسبته 5.8% من مجمل السكان، منهم 127,266 في الضفة الغربية، يشكلون ما نسبته 5.1% من مجمل السكان في الضفة الغربية، في حين بلغ عدد الأفراد ذوي الصعوبات في قطاع غزة 127,962، أي ما نسبته 6.8% من مجمل السكان في قطاع غزة.