ليس مستبعدا أن تفشل الحكومة الفلسطينية الراهنة في بناء تفاهمات سياسية حقيقية ليس بين القطاع والضفة الغربية، بل في داخل قطاعات السلطة.
لن يعدم العالم العربي البحث عن بدائل عملية وواقعية للتعامل مع أي قرارات، أو مخططات للتسوية الأمريكية المرتقبة سواء صدرت مباشرة عقب تشكيل الحكومة الإسرائيلية رسميا، أو بعدها بأسابيع، خاصة أن الإدارة الأمريكية ما زالت تدرس وتقيم، وتبحث عن المسارات البديلة في حال الرفض الفلسطيني المتوقع رسميا والذي سبق أن أعلن من قبل مرارا. ومع ذلك ما زالت الضغوط الأمريكية من مبعوثي الإدارة تحاول الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بجميع الوسائل والطرق، وحصاره بما سيطرح، وإلا فإن البديل الآخر قائم ومطروح سواء بالدفع بعدد من القيادات البديلة في الضفة أو غزة، مع التأكيد على وجود مسارات يمكن الانتقال إليها في الفترة المقبلة منعا للاصطدام الكامل وهو ما قد يتم في الأفق المنظور.
الحقيقة المؤكدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو سيتحرر بعد تشكيل حكومته الجديدة من أي ضغوطات سياسية، وسيكون ذلك مدخلا لبدء مرحلة جديدة من السياسات الإسرائيلية من جانب واحد هدفها اختبار نوايا الجانب الفلسطيني، ومن الطبيعي أن يعمل نتنياهو بتنسيق أمريكي لافت
مبدئيا قد تبدو الصورة سلبية بالنسبة للعالم العربي خاصة بالنسبة للفلسطينيين، وهو ما قد يدفع بالقفز من حالة الخيارات الصفرية الحقيقية إلى حلول إبداعية في ظل قدرات فلسطينية على المناورة، ومواجهة ما سيجري من خلال استدعاء نمط جديد للمواجهة بعيدا عن الخيارات الراهنة، وهو أمر يحتاج إلى موقف عربي حقيقي في الوقت الراهن، خاصة أن إسرائيل لن تستمر على خطها الراهن، وإنما ستعمل على الاتجاه المقابل واتباع السيناريوهات البديلة فعليا، كما ستجسد الحكومة الإسرائيلية القادمة برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، حالة التوجه نحو اليمين في المجتمع الإسرائيلي، وحالة التطرف ضد العرب، وكراهية السلام، وتطبيق لفكر التحويل والطرد كما لن يغير نتنياهو كثيراً في توجهاته السياسية، التي تعبر عن مواقف يمينية متطرفة تجاه الفلسطينيين بشكل عام وتجاه عملية التسوية بشكل خاص، ولن يسارع نتنياهو للتفاوض مع السلطة الفلسطينية بشروطها المعلنة، ولن يقدم على إجراء أي تسوية سليمة. وستعمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة على فرض السيادة الإسرائيلية، على التجمعات الاستيطانية الكبرى بالقدس والضفة، وسيراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على الدور الأمريكي على الصعيد السياسي تجاه السلطة الفلسطينية، مقابل الحفاظ على الوضع القائم من الناحية الأمنية بالضفة الغربية، وحق إسرائيل في كامل أرض إسرائيل التاريخية في فلسطين وشرقي الأردن وفق التصور اليهودي.
كما ستقوم الحكومة الإسرائيلية الجديدة ببناء مزيد من المستوطنات وبتهويد القدس، ودعم قانون القومية اليهودي، وفي هذا السياق، يدرك تكتل الليكود الذي فوض بتشكيل الحكومة الجديدة أن أي تسوية سلمية مع الفلسطينيين تقوم على إنشاء دولة فلسطينية ستؤدي إلى تفتيت الائتلاف الجديد المتشدد وانهيار الحكومة مبكرا، وهو الأمر الذي يمكن أن يحدث فيما لو تم طرح صفقة القرن من قبل الإدارة الأمريكية في ظل متطلبات أمنية وسياسية حصلت عليها إسرائيل مسبقا.
وفي المقابل ومع تشكيل حكومة فلسطينية جديدة برئاسة محمد أشتيه واستمرار الأوضاع في قطاع غزة على ما هي عليه -في ظل تمسك حركة حماس بخياراتها السياسية والاستراتيجية للتعامل مع الواقع الإسرائيلي الجديد بعد استمرار اليمين الإسرائيلي في سدة الحكم، وتصدره المشهد السياسي في الفترة المقبلة- فإن السلطة الفلسطينية ستشرع في البدء بتنفيذ ما تم الإعلان عنه في المجلس الوطني، والاتجاه للخيارات الانفرادية.
كما سيستمر تركيز حركة حماس على العمل على جزئيات، وليست كليات في ظل مسعاها لاستمرار الوضع الراهن من خلال تفاهمات أمنية واستراتيجية، مع الجانب الإسرائيلي بصورة غير مباشرة، وعدم وجود مؤشرات على وجود رؤية كاملة للتعامل مع المشهد الراهن داخل القطاع وخارجه، وستراهن حركة حماس على عدة أمور منها إقدام الإدارة الأمريكية على طرح مشروع التسوية في الشرق الأوسط انطلاقا من الواقع الراهن؛ ما سيعطي لحركة حماس دورا في قبول أو رفض ما سيطرح.
وليس مستبعدا أن تفشل الحكومة الفلسطينية الراهنة في بناء تفاهمات سياسية حقيقية ليس بين القطاع والضفة الغربية بل في داخل قطاعات السلطة في ظل بعض التحفظات على المهام والأولويات التي ستعمل عليها السلطة في الفترة المقبلة، وغياب البعد الاستراتيجي في طرحها وتوسيع دائرة التحرك تجاه الجانب الفلسطيني بصورة واضحة، وعدم اقتصارها على القطاع فقط؛ ما سيعطي لحركة حماس قدرة على المناورة والتسويف في تقبل أو رفض بعض ما يطرح سياسيا واستراتيجيا خاصة أن أطرافا -مثل فرنسا وروسيا- أبدت الرغبة في المشاركة في إدارة التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
في هذه الأجواء ستكون أمام الحكومة الإسرائيلية عدة خيارات في التعامل مع المشهد الفلسطيني العام، الخيار الأول: استمرار حالة المواجهة المفتوحة، وهو الخيار الأرجح لحين بناء تفاهمات سياسية جديدة وبناء تصور إسرائيلي جديد يعلي من خيار التهدئة الطويلة والممتدة.
الخيار الثاني: توصل الجانبين لحالة من التوافق المصلحي سواء في الوقت الراهن واتضاح الصورة جليا وسيرتبط هذا الخيار بعدم تكرار المواجهات بصورة غير دورية، وهو أمر سيحتاج إلى ضوابط حقيقية قد لا تتوافر في الوقت الراهن مع الحفاظ على سياسة الأمر الواقع على ما هي عليه، وإن كان ذلك سيكون صعبا للغاية في ظل الرؤية العسكرية المتنامية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
ومن المتوقع أن يعمد الجانب الإسرائيلي في الفترة المقبلة على دفع حركة حماس إلى تبني خيارات محدودة دون أن تؤدي بالحركة لحافة الهاوية في ظل حرص إسرائيلي على تكريس سياسة الأمر الواقع في القطاع والإبقاء على حالة الانقسام الراهن بين القطاع والضفة، كما لا يستبعد أن تقدم حركة حماس بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في الدخول في تفاهمات حقيقية، خاصة إذا ارتبطت بمشروع التسوية الأمريكي المرتقب.
ومن المتوقع أن تقوم الحكومة الإسرائيلية الراهنة باختبار وجس نبض الحركة في مواقف محددة انطلاقا من مبدأ التهدئة مقابل التهدئة مع عدم كسر حالة الوضع الراهن إلا عند الضرورة بهدف التأكيد على وجود كل الخيارات، وعلى رأسها الخيار العسكري.
في هذه الأجواء يمكن التأكيد على أن توجهات المشهد الإسرائيلي الجديد ستلقي بتداعياتها على الداخل الفلسطيني، ولن تكون المسألة متعلقة بأمن إسرائيل فقط، والتزام حركة حماس في القطاع بالقبول باستمرار حالة التهدئة؛ إذ إن إسرائيل ستعمل على الاستمرار في نهج تكريس الأمر الواقع، والعمل وفقا لاستراتيجية الضغط على الجانبين لمواجهة أي خيارات غير متوقعة، مع الحرص على اتباع سياسات استراتيجية واستشرافية لمواجهة أي متغيرات قد تجري في الساحة الفلسطينية.
وفي حال قيام الإدارة الأمريكية بصياغة مشروع تسوية أو صفقة وبصرف النظر عن بنودها، فإن الهدف الذي ستعمل على صياغته الحفاظ على مواقف أمريكية إسرائيلية متماسكة ومستقرة، بما في ذلك التوافق بشأن الترتيبات الأمنية والاستراتيجية المتفق بشأنها في الجولان والضفة الغربية، وهو ما يعني أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستتعامل مع أي طرح أمريكي من منظور أمني وحسابات سياسية حقيقية يمكن التأكيد على مضمونها في أي تسوية مرتقبة.
والحقيقة المؤكدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو سيتحرر بعد تشكيل حكومته الجديدة من أي ضغوطات سياسية، وسيكون ذلك مدخلا لبدء مرحلة جديدة من السياسات الإسرائيلية من جانب واحد هدفها اختبار نوايا الجانب الفلسطيني، ومن الطبيعي أن يعمل نتنياهو بتنسيق أمريكي لافت، وهو ما يجب الاهتمام والإشارة إليه، في ظل رهانات حقيقية على ضرورة العمل وفقا لاستراتيجية جديدة تقوم على ترويج لمصالح إسرائيل في الإقليم بأكمله وليس فقط تجاه الجانب الفلسطيني، الذي ما زال يعمل على تبني سياسات تستهدف محاصرة وتضييق الخيارات على السلطة الفلسطينية بالأساس، مع الترويج لأن الرئيس محمود عباس لا يريد تقديم أي تنازلات، وأنه رئيس منقوص الشرعية، وأنه لم يعد شريكا حقيقيا يمكن الاعتماد عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة