هل ينزلق الفلسطينيون والإسرائيليون إلى حل الدولة الواحدة؟
يتساوى الفلسطينيون والإسرائيليون عددا ما بين البحر والنهر، وفي غياب أفق لحل الدولتين فإن الطرفين قد يجدا أنفسهما أمام حل الدولة الواحدة.
ويرفض الإسرائيليون حتى الحديث عن فكرة الدولة الواحدة، فيما يبدو الفلسطينيون متمسكين بحل الدولتين باعتباره الحل المتوافق عليه دوليا وتدعمه الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن المفاوضات ما بين الطرفين حول الحل النهائي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي متوقفة منذ عام 2014، وفي ظل تشكيل حكومة يمينية في إسرائيل فإن حل الدولة الواحدة عاد للظهور.
وعمليا فإن حل الدولة الواحدة يعني أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون على أرض واحدة، وأن تجرى انتخابات ديمقراطية لبرلمان واحد يفضي إلى تشكيل حكومة واحدة تمثل الجميع.
ويقول الباحثان الإسرائيليان أودي ديكل ونوي شاليف، في دراسة لمعهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب: "إن الابتعاد عن حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، سواء كان مقصودا أم غير مقصود يسرع من اتجاه الانزلاق نحو واقع الدولة الواحدة".
وأضافا في الدراسة التي تلقتها "العين الإخبارية": "ومع ذلك فإن الافتراض القائل بأنه بعد عقود من الصراع وإراقة الدماء يمكن للشعبين أن يعيشوا معا يتناقض مع المنطق السليم".
وتقدر أعداد الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، بنحو 5.4 مليون فلسطيني و1.7 مليون عربي في إسرائيل، فيما يبلغ عدد الإسرائيليين اليهود نحو 7.2 مليون نسمة.
وفي السنوات الأخيرة برزت تحذيرات غربية عديدة من أنه في غياب حل الدولتين فإن الطرفين قد ينزلقان إلى حل الدولة الواحدة.
وقال ديكل وشاليف: "انتهت الانتخابات الإسرائيلية الخامسة في العامين ونصف العام الماضيين، دون نقاش حول مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وأضافا: "سلسلة من التطورات على مر السنين: الإخفاقات المتكررة في تحقيق اتفاق الوضع الدائم، الانقسام في المعسكر الفلسطيني بين فتح وحماس، ترسيخ الرواية الإسرائيلية حول عدم وجود شريك فلسطيني للتسوية، موجات الاشتباكات العنيفة، دفعت الجمهور في إسرائيل، مثل صانعي القرار، إلى فقدان الثقة بإمكانية التوصل إلى اتفاق حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بروح فكرة الدولتين".
وتابعا "تحاول الحكومات الإسرائيلية، التي تتعرض لضغوط شديدة لاتخاذ قرارات صعبة وتنفيذها والبقاء على قيد الحياة، كسب الوقت وتحقيق الهدوء في ساحة الصراع لأطول فترة ممكنة، لكن غياب التقدم نحو التسوية والالتزام الأعمى بـ"إدارة الصراع" يزيدان من تعقيد الوضع إلى أن يصبح من غير الممكن تشكيل تسوية لكيانين، يهودي وفلسطيني، منفصلين سياسيا وجغرافيا وديموغرافيا. وهذا يعني تهديدا لطبيعة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وآمنة ومزدهرة".
وبالمقابل فقد أشارا إلى أن "الجمهور الفلسطيني فقد أيضا الثقة بالنهج السياسي، وانجرف إلى أعمال العنف، ويظهر اهتماما متزايدا بحل الدولة مع الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني".
ولفتا إلى أنه "على هذه الخلفية كان هناك في السنوات الأخيرة حماس ملحوظ، لا سيما بين السياسيين، لفكرة "تقليص الصراع"، مما يعني الاستمرار في إدارة الصراع دون الوصول إلى عتبة الحرب، مع تحسين نسيج الحياة للسكان الفلسطينيين لكن دون دراسة الافتراض القائل بإمكانية قمع التطلعات الوطنية الفلسطينية ورغبة الجمهور الفلسطيني في الحقوق المدنية الكاملة".
وقالا: "مثل فكرة "السلام الاقتصادي"، فإن فكرة "تقليص الصراع" هي طريقة أخرى لكسب الوقت وتأجيل القرارات الجادة التي تتصارع مع السعي للتوصل إلى تسوية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
ولكنهما حذرا "ومن أن الوقت عامل حاسم في الانزلاق البطيء، غير الملحوظ تقريبا، إلى واقع دولة واحدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن".
وقالا: "حتى أولئك الذين يتمسكون بفكرة "تقليص الصراع" يخشون تهديدين وجوديين: (1) إنشاء دولة ثنائية القومية، (2) إقامة دولة فلسطينية، حيث من المرجح بشكل كبير أن تكون الدولة الفلسطينية فوضوية وتعمل ضد إسرائيل، إن الجوانب الإشكالية لكلا هذين الاحتمالين تمنع صانعي القرار من مواجهة تحدي الصراع".
وأضافا: "ومع ذلك، تم اتخاذ سلسلة من القرارات من قبل الحكومات الإسرائيلية دون دراسة نتائجها على المدى الطويل من حيث الاتجاه نحو الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة".
وأشار ديكل وشاليف في هذا السياق إلى أنه "في حين أن القليلين في المجتمع الإسرائيلي، سواء في اليمين أو اليسار، يدعم صراحة دولة واحدة، فإن الواقع السياسي وغياب أي رؤية سياسية أخرى تميل إلى تعزيز هذا الاتجاه".
وقالا: "تشمل هذه الديناميكية بناء آلاف الوحدات السكنية في الضفة الغربية، معظمها في مستوطنات خارج الكتل الكبيرة وشرق الجدار الأمني، والموافقة على البؤر الاستيطانية غير المصرح بها، كل هذا لا يساعد على تهدئة الاستياء المتغلغل بين الفلسطينيين، بل يزيد من التعقيد بين الشعبين في المنطقة، وفي الواقع يبدو أنه مصمم لإحباط أي احتمال لفصل إسرائيل عن الفلسطينيين".
كما أشارا إلى أن تصاريح دخول 120.000 عامل فلسطيني للعمل في إسرائيل تزيد من اعتماد الفلسطينيين على إسرائيل والعبء الفلسطيني على إسرائيل، علاوة على ذلك بقي حوالي 40 ألف فلسطيني في إسرائيل بدون تصاريح، مستغلين الثغرات الموجودة في السياج الأمني المثقوب الآن".
كيف ستبدو "دولة واحدة ثنائية القومية"؟
يعتقد ديكل وشاليف إنه "من أجل أن يعيش مجتمعان في وئام يجب تلبية شرطين أساسيين: المساواة المدنية الكاملة، التعاون الكامل والثقة المتبادلة".
وقالا: "وبشكل أكثر تحديدا، فإن قبول الطريق بين كلا الشعبين لواقع الدولة الواحدة يتوقف على الاتفاق على جميع خصائص السيادة المشتركة دستورها، واقتصادها، وجوانبها الاجتماعية، وأمنها".
وتساءلا: "كيف يمكن إقناع اليهود الإسرائيليين بالتخلي عن فكرة الدولة اليهودية مقابل ديمقراطية ثنائية القومية، بعد 74 عاما من الاستقلال والحروب الدموية؟ هل سيكون مواطنو إسرائيل على استعداد لقبول الانخفاض الكبير المتوقع في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (من 51500 دولار سنويا إلى 34500 دولار سنويًا)؟".
وأضافا: "هل سيوافق الجمهور اليهودي على مساواة شروط قانون العودة لتشمل "الحق عودة "اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي إسرائيل؟ أم بدلاً من ذلك هل يوافق الجمهور الإسرائيلي على التخلي عن الطابع الديمقراطي للدولة والعيش في دولة لا يتمتع فيها السكان غير اليهود بالمواطنة الكاملة؟ وهل سيوافق السكان الفلسطينيون على هذه الشروط حيث يتمتع جيرانهم بحقوق أكثر؟".
واستدركا: "في ضوء فحص رصين للظروف السائدة في كلا المجتمعين، شدة العداء المتبادل، واللامبالاة بمعاناة الطرف الآخر، وغياب أي رغبة حقيقية في المصالحة والتعايش، وسنوات طويلة من التطلعات الفلسطينية إلى الاستقلال، فإنه من الصعب ألا نستنتج أنه من غير المعقول، إن لم يكن من المستحيل، توقع أن يعيش المجتمعان معًا. علاوة على ذلك لن تكون الدولة الواحدة حالة وظيفية".
وأشارا إلى أنه "من أجل فهم واقع الدولة الواحدة قمنا بفحص السيناريوهات والتحديات المحتملة لمثل هذا الوضع، في معظم السيناريوهات كان هناك احتكاك شديد بين المجموعتين، لم يكن الفلسطينيون راضين عن التغييرات الأولية وطالبوا بالمساواة المطلقة في الحقوق، فضلاً عن القضاء على الفجوات الاجتماعية، استمروا في الشعور بالحرمان وألقوا باللوم على الجانب اليهودي على حالتهم، وهذه المشاعر ساهمت في العنف".
وقالا: "لذلك، فإن الاستنتاج هو أن العداء بين الشعبين سوف يزداد قوة إذا أصبح الفلسطينيون جزءا من دولة واحدة ذات هوية يهودية، دون تأكيد على هويتهم الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك، حتى في دولة بدون هوية واحدة محددة، يهودية أو فلسطينية، ستستمر هذه المشاعر والتوجهات".
ستتكون الحكومة من يهود وفلسطينيين
يرى شاليف وديكل إنه "إذا كانت التطورات المتوقعة تتجسد بالفعل في حال الدولة الواحدة، فإن إقامة مثل هذه الدولة لن تمنع انتفاضة فلسطينية عنيفة، أو انتفاضة يهود يرفضون قبول الواقع الجديد. لذلك هناك خياران: الأول هو الفصل السياسي، إلى كيانين منفصلين جغرافيًا وديموغرافيًا؛ والثاني هو منح الحقوق الكاملة والمتساوية للفلسطينيين في الدولة الواحدة".
وقالا: "من بين تداعيات منح الحقوق الكاملة والمتساوية للفلسطينيين: سيتمكنون من العيش في أي مكان يرضون داخل حدود دولة إسرائيل؛ ستكون هناك عودة جماعية للاجئين الفلسطينيين. سيكون لهم حقوق متساوية في التصويت والترشح للكنيست. وستتكون الحكومة من يهود وفلسطينيين. هذه الحكومة ستصدر قوانين لصالح الفلسطينيين وقد تغير رموز الدولة".
تعود الفائدة على المستوطنات
وأضافا: "من المفترض أن يفيد واقع الدولة الواحدة المستوطنات الإسرائيلية والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، حيث سيتمكن سكانها من الاستمرار في العيش هناك دون خوف من الإخلاء، ومع ذلك فقد تم بناء معظم المستوطنات على "أراضي دولة"، وأحيانًا على أراض فلسطينية خاصة، حيث وافق النظام القانوني الإسرائيلي والإدارة المدنية على مصادرة الأراضي الفلسطينية لأغراض الاستيطان".
وتابعا: "في حالة الدولة الواحدة سيتم تخصيص أراضي الدولة أيضًا للاستخدام لتلبية احتياجات السكان الفلسطينيين، ولن يكون من الممكن استخدام الأراضي الفلسطينية الخاصة لغرض الاستيطان اليهودي".
إلغاء قانون أملاك الغائبين
وأشارا إلى أنه "ستكون المرحلة التالية مطالب فلسطينية بإلغاء قانون أملاك الغائبين، ومطالبات بإعادة العقارات في القدس وحيفا ويافا والرملة واللد وغيرها من المدن والبلدات والقرى التي كان يعيش فيها الفلسطينيون قبل إنشاء دولة إسرائيل".
إلى أين تتجه الأمور؟
ويعتبر ديكل وشاليف أن "أولئك الذين يزعمون أن الحفاظ على الوضع الحالي، في إدارة الصراع، حتى لو كان ذلك يعني الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة أفضل من التحركات مثل الانفصال السياسي والجغرافي والديموغرافي عن الفلسطينيين، وهو في ذلك يتجاهلون حقيقة أنه ليس من الممكن التغلب على العداء المتبادل وجسر التوترات العرقية والقومية والدينية العميقة الجذور، كما أنه من غير الممكن جعل الفلسطينيين يتخلون عن تطلعاتهم المستمرة منذ عقود لتقرير المصير".
وحذرا من خطر "ظهور نسيج متشابك من الحياة اليهودية والفلسطينية المختلطة التي سيكون من المستحيل فكها وفصلها، ما يؤدي إلى مأزق سياسي لا يمكن اختراقه من أجل تنفيذ خيارات لترتيب سياسي مستقبلي، وظهور واقع الدولة الواحدة، الذي سيقوض الرؤية الصهيونية لدولة يهودية ديمقراطية وآمنة ومزدهرة، مع تداعيات خطيرة على مكانة إسرائيل الدولية، وظروفها الاجتماعية والاقتصادية، وأمنها الداخلي والخارجي".
وقالا: "الجمهور في إسرائيل قلق من الموضوع الأمني ولا يرى بديلا جذابا للوضع الحالي. فهو لا يشعر بالتهديد الفوري والملموس في الانزلاق نحو واقع الدولة الواحدة، وبالتالي فهو لا يضغط على القيادة لتغيير سياستها".
ولفتا إلى أنه "تظهر نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن ما يقرب من 60% من الجمهور (55 في المائة ممن تم تحديدهم من الجناح الأيمن للخريطة السياسية) يعتقدون أن على إسرائيل الآن اتخاذ خطوات الانفصال عن الفلسطينيين لمنع دولة واحدة ثنائية القومية من أن تصبح حقيقة واقعة".
وقال ديكل وشاليف "إن عكس الاتجاه بالانفصال عن الفلسطينيين هو التحدي الرئيسي الذي يواجه الحكومة الإسرائيلية المقبلة مهما كانت تركيبتها".