باريس تواجه أزمة عقارية غير مسبوقة.. وخبير يحذر من «تحول هيكلي»

تشهد العاصمة الفرنسية باريس أزمة عقارية غير مسبوقة، إذ أصبح العديد من ملاك العقارات يجدون صعوبة في تحقيق أرباح عند إعادة بيع ممتلكاتهم، بل يُضطر كثير منهم للبيع بخسارة.
هذه الظاهرة، التي تعكس تحولات اقتصادية هيكلية عميقة، تهدد توازن السوق العقاري في فرنسا، وقد تمتد تداعياتها إلى المشهد الأوروبي الأوسع.
ذكرت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية في تقرير حديث أن أكثر من واحد من كل 5 ملاك في باريس يُجبر اليوم على بيع عقاره بخسارة، خصوصاً أولئك الذين اشتروا ممتلكاتهم بعد عام 2020.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأسعار تراجعت بنسبة 11% خلال أربع سنوات فقط، متأثرةً بارتفاع معدلات الفائدة التي تراوحت بين 3.2% و3.5%، إضافةً إلى انخفاض القدرة الشرائية للعائلات الفرنسية.
وبحسب دراسة صادرة عن منصة Se Loger العقارية، فقد بدت المفارقة واضحة: من اشترى عقاراً في عام 2015 وباعه في 2020 حقق مكاسب قياسية، بينما يتكبد من دخل السوق بعد 2020 خسائر ملموسة عند البيع.
وفي حديثه لـ"العين الإخبارية"، أكد الخبير العقاري الفرنسي ونائب رئيس قسم البيانات في مجموعة Se Loger/Meilleurs Agents، توماس لوفيفر، أن ما يحدث اليوم ليس مجرد تصحيح دوري للسوق، بل تحول هيكلي عميق.
وقال: "منذ عام 2020، فقدت السوق الباريسية جاذبيتها للمضاربين وأصبحت أكثر هشاشة أمام الضغوط المالية العالمية"، موضحا أن ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو الاقتصادي قلّصا بشكل مباشر القدرة الشرائية للأسر الفرنسية، وهو ما انعكس سلباً على الطلب العقاري.
وأضاف لوفيفر: "الكثيرون يُضطرون الآن للبيع بخسارة، وهو أمر نادر الحدوث في باريس التي طالما اعتُبرت ملاذاً استثمارياً آمناً".
وتابع قائلاً: "الخطر الأكبر يكمن في استمرار هذا الاتجاه. وإذا لم يتم ضبط التوازن بين العرض والطلب عبر سياسات دعم قوية، فقد نشهد موجة ركود ممتدة مشابهة لما حدث في إسبانيا عقب أزمة 2008".
وأشار في المقابل إلى أن هذا الانخفاض في الأسعار قد يشكل فرصة سانحة للمشترين الجدد، لكن ذلك سيكون على حساب خسائر المستثمرين القدامى.
وأكد الخبير العقاري ضرورة تركيز السياسات العامة على تحفيز العرض السكني من خلال التسهيلات الإدارية لمشاريع البناء، وتثبيت أسعار الفائدة أو تقديم برامج دعم للمقترضين الجدد، إضافةً إلى حماية الملاك الصغار الذين يشكلون الفئة الأكثر تضرراً من هذه الأزمة. وأضاف: "الرهان اليوم يتجاوز مجرد إنقاذ السوق الباريسية، إذ يتعلق أيضاً بالحفاظ على مكانة فرنسا كوجهة عقارية مستقرة في أوروبا".
وحذر لوفيفر من أن استمرار الخسائر بالمعدل الحالي قد يؤدي إلى فقدان الثقة في السوق العقاري الفرنسي، ما سينعكس سلباً على قطاعات اقتصادية أخرى مرتبطة به، مثل البنوك والبناء والاستهلاك الأسري.
وأكد أن التدخل العاجل بخطط إصلاحية متوازنة أمر حيوي للحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني ومكانة فرنسا الاستثمارية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg2IA== جزيرة ام اند امز