الوسطية معيار أساسي من معايير وعوامل تحقيق الاستقرار السياسي، بوصفها بيئة ضامنة لمفهوم الأمن وداعمة لتحقيق التنمية
تمثل الوسطية منهجا ومرجعية حضارية ترتبط بخاصية التوازن، لتكوّن بذلك عقيدة ونظاما أخلاقيا وسياسيا متكاملا، فالوسطية والاعتدال هما شريان محوري - حتى لا أقول رئيسيا - يسير في الجسد الفكري والثقافي للأمة الإسلامية خاصة، وذلك بالشكل الذي يعكس فعلا عمق وصلابة أسس الدين الإسلامي القائم أساسا على فكر التسامح، وتظهر تجلياته في العقيدة والعبادة والنظام الاجتماعي، بل وتمتد حتى إلى الجانبين الاقتصادي والسياسي.
كما تزداد أهمية الحديث عن الوسطية والاعتدال اليوم، خصوصا والفكر العربي السياسي والاجتماعي في مفترق طرق، إذ يبدو مستعدا ليسلك الطريق أو السبيل الذي يجعله متسقا متوافقا مع موجة التطور التي يعيشها كثير من الأقطار الإسلامية، ويسعى للانسجام مع تاريخ الوطن العربي وتطوره الاجتماعي والسياسي، ومن ثم وجبت قراءة آثار التطرف والرجعية والغلو باسم الدين في المنطقة العربية، مع ما تعايشه باقي أقطار العالم من آثار يصنعها تجار إنتاج وإعادة إنتاج الإرهاب سواء كفكر أو كسلوك منبوذ.
تعد الوسطية والاعتدال ضابطا من ضوابط مفهوم الحرية، وإطارا يضمن للمجتمع عدم الوقوع في فخ التحرر من كل شيء، كما أن الوسطية والاعتدال إذا اقترنت بصناعة القرار السياسي، تصبح مساهما في ضمان وتحقيق التناسق بين القبول الشعبي، وتعزيز الولاء والانتماء للدولة الوطن
إن الوسطية معيار أساسي من معايير وعوامل تحقيق الاستقرار السياسي، باعتبارها بيئة ضامنة لمفهوم الأمن من جهة وداعمة لتحقيق التنمية من جهة أخرى، وذلك لأن الوسطية هي فعلا منهج في فهم الدين ونهج في العمل السياسي، ومن ثم يمكن القول إن الوسطية في مجال السياسة هي اجتهاد ومجال قائم على ضمان مقاصد الدين الإسلامي الحنيف، بما يعني الالتزام مثلا بالأصل في القرار السياسي؛ وهو المصلحة العامة وما يؤدي إليها ويدعم تحقيقها، لأن الصالح العام هو ما يقودنا نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ويجسد مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بالشكل الذي يدعم الاستقرار.
الوسطية في الدين تعبر عن هوية، والوسطية بالدين هي سلوك، وحسم هذه العلاقة تجسده خيارات المجتمع، لذلك فإن ثنائية السياسة والوسطية تقوم على مفهوم التوازن، وتتصف بتوجهها الإيجابي في تفسير الظواهر أو السلوك الاجتماعي أو الاقتصادي أو حتى الثقافي ضمن منظور السببية أو توصيف العلاقة بين مختلف عوامل صناعة الاستقرار والتنمية.
لهذا تعد الوسطية والاعتدال ضابطا من ضوابط مفهوم الحرية، وإطارا يضمن للمجتمع عدم الوقوع في فخ التحرر من كل شيء، كما أن الوسطية والاعتدال إذا اقترنت بصناعة القرار السياسي، تصبح مساهما في ضمان وتحقيق التناسق بين القبول الشعبي، وتعزيز الولاء والانتماء للدولة الوطن، وتعد الوسطية أيضا ضامنا من ضمانات تكريس مبدأ قبول الآخر والتعايش السلمي، كما تعد مفهوما يتماشى ومفهوم التعددية السياسية أين يلتقي المفهومان عند حدود مبدأ التوافق.
وحسب متطلبات الاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان تعد الوسطية علاجا مجتمعيا، حيث لا يجب أن تظهر أو تحصر في كونها وسيلة أو حكرا على أشخاص أو مجموعات، لأنها تمثل غاية مجتمعية تنشد الاستقرار والتنمية هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن القيمة الحضارية لمفهوم الوسطية تساعدنا حقيقة في معرفة مقدار المسافة الفاصلة بين المنهج والواقع الذي تخلقه مفاهيم الديمقراطية اليوم، وبالتالي يمكننا أن ننتقل في مستوى تفسير الوسطية إلى منظور القيمة الروحية كمدخل علائقي، بمعنى علاقة الأنا مع الوسطية، والآخر مع الوسطية، وعلاقة المجتمع مع الوسطية من أجل ضبط رؤيتنا لمفهومها وأبعادها ضبطا صحيحا وموضوعيا، ومن أجل ذلك فإن استيعاب واحتواء الغلو في الفكر ومواجهة كل أشكال التطرف أصبحت تحتاج اليوم إلى استراتيجية متكاملة قوامها التربية والتعليم والتكوين، حتى يتم ترسيخ الوسطية كمرجع ينطلق من معايير التربية السياسية للمجتمع، وكثقافة تؤسس لإطار تشاركي وكتعبير عن روح المسؤولية الجماعية في تحقيق الاستقرار والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة