السودان 2020.. عودة الطيور "المنفية" بأجنحة السلام
كثيرة هي البُشْرَياتٌ التي حملها عام 2020 للسودانيين رغم قسوته، لكن السلام الذي أنهى عقودا من الحرب نثر الفرح بمستوى يفوق غيره.
ومع اقتراب 2020 من إسدال ستاره على أيام حُبلى بأحداث مثقلة فاقمها فيروس كورونا، تستعرض "العين الإخبارية" ضمن سلسلة تقارير بعنوان "حصاد العام"، اتفاق السلام التاريخي الذي أعاد الطيور المنفية إلى السودان بعد رحلة كفاح مسلح دامت طويلا ضد نظام الرئيس الإخواني المعزول عمر البشير.
ويرى مراقبون، أن اتفاق السلام الذي تم إبرامه في العاصمة جوبا مع تحالف الجبهة الثورية وبدأ تنفيذه حاليا، يشكل واحدا من أهم إنجازات السلطة الانتقالية بمكونيها العسكري والمدني خلال عام 2020، إذ عمل الجميع بجدية لوقف الحرب التي أشعلتها جماعة الإخوان البائدة في ربوع البلاد.
ورغم توقف أصوات البنادق في السودان، إلا أن الفرحة ما تزال منقوصة بسبب وجود فصيلين مسلحين خارج العملية السلمية، وهما حركة "تحرير السودان" قيادة عبدالواحد محمد نور والحركة الشعبية بزعامة عبدالعزيز الحلو.
ودخلت حركة الحلو، التي تسيطر على مناطق واسعة بولاية جنوب كردفان، في مفاوضات مع الحكومة، ولكن تعثرت بسبب تمسكها بعلمانية الدولة السودانية أو اعطاء حق تقرير المصير "للمنطقتين"، في حين رأت الخرطوم أن هذه القضية يجب حسمها في مؤتمر دستوري.
أما حركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور، التي تتمركز في جبل مرة بإقليم دارفور غربي البلاد، فلم تدخل في مفاوضات سلام مطلقا، واشترطت لانخراطها في العملية السلمية، إجراء المحادثات داخل الخرطوم بمشاركة كافة السودانيين.
مفاوضات طويلة
طريق طويل سلكته الحكومة السودانية في سبيل التوصل لاتفاق سلام ينهي الحرب الأهلية في البلاد، إذ واصلت مفاوضات جادة مع تحالف الجبهة الثورية في العاصمة جوبا لأكثر من عام حتى تكللت بالنجاح في مسعاها.
وفي يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهدت العاصمة جوبا توقيع اتفاق تاريخي بين الحكومة الانتقالية وتحالف الجبهة الثورية الذي يضم 7 فصائل مسلحة، ليضع الطرفان بذلك، البلاد على مصاف الأمن والاستقرار، وطي صفحة الحرب.
وفي الوقت الذي استشرى فيه اليأس والإحباط بالمشهد السوداني إزاء التوصل لاتفاق سلام، كانت الأطراف وقتها تمضي بثبات لحياكة بنود تطوي صفحة الحرب إلى الأبد، من خلال مخاطبة جذور الأزمة.
وتضمنت اتفاقية السلام، المبرمة في العاصمة جوبا وكواحدة من إنجازات 2020، بنودا تتيح عودة نحو 4.5 مليون لاجئ ونازح سوداني لديارهم، ومشاركة قادة الحركات المسلحة في كل مستويات السلطة الإنتقالية.
وقضت أيضا، بدمج وتسريح قوات الحركات المسلحة في الجيش السوداني ضمن بروتوكول الترتيبات الأمنية، بجانب تعويضات لضحايا الحرب، وتمييز إيجابي لمناطق النزاع.
وبحسب المحلل السياسي عمرو شعبان، فإن اتفاق جوبا وما تبعه من خطوات يؤسس لسلام مستدام في البلاد حال تم تنفيذ كافة بنوده التي خاطبت جذور الأزمة والأسباب التي أدت لاندلاع الحرب في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وأضاف شعبان، في حديث سابق لـ"العين الإخبارية"، أن الخطوة بمثابة إنجاز تاريخي للسودان وشعبه، وينبغي استكمال هذه الخطوات بإلحاق حركتي الحلو وعبدالواحد نور بالعملية السلمية، لأن من دونهم لم يكن هناك سلام شامل في السودان من واقع ثقلهما السياسي والعسكري".
وتابع "الفرصة مواتية حاليا وينبغي استغلال زخم السلام وقيادة اتصالات قوية مع هذه الفصيلين لبدء مفاوضات معهما للتوصل لاتفاق سلام".
فيما أكد المحلل السياسي، حافظ المصري، أن "الاتفاق يمثل خطوة كبيرة في مسار وقف عقود من الحرب الأهلية في السودان، وكان لزاما الاحتفاء به".
وشدد المصري، على أن الاتفاق سيحقق الاستقرار في دارفور، وسيسهم في عودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم وهو خطوة تاريخية في مسار العملية السلمية في السودان.
عودة الطيور المنفية
وإثر إتفاق جوبا، الذي أتى بجهود محلية وإقليمية، عاد قادة الكفاح المسلح في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى الخرطوم بعد عقود من المنفى إثر معارضتهم لنظام الإخوان المعزول.
وبعد استقبالات حاشدة لهم في العاصمة الخرطوم، يتأهب قادة الحركات المسلحة وأطراف العملية السلمية، للمشاركة في كافة مستويات السلطة الانتقالية، إذ يمنحها الاتفاق 5 وزارات و3 مقاعد بمجلس السيادة، و75 مقعدا بالمجلس التشريعي.
وعلى إثر ما تحقق، فقد كان العام 2020 عنوانا للسلام والاستقرار في السودان، حيث توقفت أصوات البنادق في إقليم دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بعد سنوات من القتال الضاري، بينما وجدت العدالة الانتقالية طريقها لمرتكبي جرائم الحرب.