زيارة تطوقها التحذيرات والمخاطر تحمل رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، في مقامرة تأتي في زحام سيناريوهات صينية مفتوحة.
وقبل قليل حطت طائرة نانسي بيلوسي في تايوان وسط توترات بين واشنطن وبكين على خلفية زيارة تفتح سيناريوهات مختلفة من الجانب الصيني.
وترى الصين في الزيارة "استفزازا" لها، وأكدت أن جيشها "لن يقف مكتوف الأيدي" في حال إقدام نانسي بيلوسي عليها، فيما يترقب العالم ردة الفعل الصينية مع وصول بيلوسي إلى تايوان.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، حذر أيضا، قبل أيام، بيلوسي، من إتمام هذه الزيارة، قبل أن يتغير الموقف على ما يبدو إلى داعم للخطوة المثيرة للجدل.
لقاء منتظر
صحيفة "فينانشيال تايمز" البريطانية، نقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة، قولهم إن بيلوسي ستلتقي رئيسة تايوان تساي إنج ون بمدينة تايبيه، في إطار زيارة موسعة لآسيا بدأت الأحد بسنغافورة.
وأشارت الصحيفة إلى أن بيلوسي لم تُدرج تايوان في خط الزيارة الرسمي بسبب المخاوف الأمنية، لكنها ستكون أول رئيسة لمجلس النواب الأمريكي تزور تايوان منذ 25 عامًا.
وذكرت أن الرئيس جو بايدن بعث كبار المسؤولين في الإدارة، بما في ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، لتوضيح المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها بيلوسي،
لكن المصادر قالت إن بيلوسي قررت المضي قدمًا في الرحلة التاريخية، وسط تشجيع من عدد كبير من النواب الجمهوريين، وعدد قليل من الديمقراطيين، مؤكدين أن أي قرار بالتأجيل أو الإلغاء سيكون بمثابة استسلام للصين.
الموقف يتغير
أمام هذا الإصرار، بدأ الموقف الرسمي الأمريكي يتحول من تحذير بيلوسي إلى دعمها، حيث أعلن المتحدّث باسم البيت الأبيض للقضايا الاستراتيجيّة، جون كيربي، الإثنين، أنه من "حقّ" رئيسة مجلس النواب أن تزور تايوان.
وأوضح كيربي، في تصريحات إعلامية، أن "لرئيسة مجلس النواب الحقّ في زيارة تايوان. ولا يوجد سبب يجعل بكين تحول زيارة محتملة تتفق مع سياسات الولايات المتحدة طويلة الأمد إلى نوع من الأزمة".
ومضى يقول: "يبدو أن الصين تتموضع لاتخاذ مزيد من الخطوات المحتملة في الأيام المقبلة"، ما "قد يشمل استفزازات عسكرية مثل إطلاق صواريخ في مضيق تايوان أو حول تايوان".
كما أشار أيضًا إلى "احتمال دخول جوي على نطاق واسع إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية".
سيناريوهات الرد
يتفق عالم السياسة الأمريكي الصيني والخبير في الشؤون الصينية، مينكسين بي، مع تحليل كيربي، إذ كتب في مقال لصحيفة "نيكاي آسيا" في طوكيو، يقول: "قد تصل التوترات في مضيق تايوان إلى مستوى مرتفع جديد إذا اتخذت الصين إجراءً عسكريًا في حالة شروع بيلوسي في زيارتها".
وتابع: "لا تزال الصين تعتبر رحلة بيلوسي المخطط لها بمثابة استفزاز، وحذرت من عواقب وخيمة إذا تم المضي قدمًا في الرحلة".
ويبدو أن بكين تتجه إلى الرد العسكري، حيث ذكر تلفزيونها الرسمي، بالتزامن مع وصول بيلوسي إلى تايوان، أن مقاتلات صينية عبرت مضيق تايوان.
وأفادت قناة "سي جي تي" التلفزيونية الرسمية، بأن "مقاتلات صينية من طراز Su-35 تعبر مضيق تايوان"، دون الكشف عن تفاصيل أخرى.
ومستدركا: "لكن من غير المرجح أن تلغي بيلوسي زيارتها: فالقيام بذلك سيعتبر رضوخًا للضغط الصيني ويشير إلى ضعف أمريكي".
وسبق أن توقع مينكسين بي سيناريوهات من هذا القبيل، بالقول إن مضي بيلوسي قدمًا في الرحلة سيؤدي إلى رد فعل صيني قوي، ومن "المرجح أن يشمل ذلك عمليات اقتحام عميقة للمجال الجوي والمياه الإقليمية لتايوان".
ولفت إلى أنه "في أسوأ السيناريوهات، قد تؤدي تكتيكات الضغط الصينية في المنطقة الرمادية الحدودية إلى نزاع عسكري مباشر بين تايوان والصين".
لكنه قدم حلا واقعيا، إذ قال "سيكون من الأفضل للصين والولايات المتحدة وتايوان، محاولة احتواء التداعيات السياسية لهذه الرحلة".
لماذا الغضب الصيني؟
لا تمثل زيارة بيلوسي سابقة تاريخية وليست حدثا غير مسبوق، إذ سبق لنيوت جينجريتش، رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق، زيارة تايوان في عام 1997.
كما سافر ميلوس فيسترسيل، رئيس مجلس الشيوخ التشيكي، إلى تايبيه قبل عامين في زيارة رسمية. بينما أجرى نائب رئيس البرلمان الأوروبي نيكولا بير، محادثة هاتفية مع مسؤولين في تايوان في وقت سابق من هذا الشهر.
ورغم أن الزيارة ليست سابقة، إلا أن رد الفعل الصيني القوي أثار تساؤلات حول الأسباب. وفي هذا الإطار، يقول بي إن "الصين تشعر بالقلق من أن رحلة بيلوسي قد تشجع المزيد من كبار المسؤولين الغربيين على القيام بهذه الرحلة، مما يرفع مكانة تايوان الدولية".
وأضاف: "كما أن توقيت زيارة بيلوسي حساس للغاية، ويأتي قبل بضعة أسابيع من المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، حيث سيسعى الرئيس شي جين بينج لولاية ثالثة كسكرتير عام".
وأوضح أنه "نظرًا لأن تايوان هي القضية الأكثر حساسية في السياسة الداخلية الصينية، فمن المفهوم أن الرئيس شي لا يمكن أن يبدو ضعيفًا عندما يحتاج إلى إظهار صورة للقوة".
سابقة خطيرة
صحيفة "فايننشال تايمز"، استعرضت سابقة في هذا الإطار، ما يساعد في استشراف ردة الفعل الصينية.
ففي منتصف تسعينيات القرن الماضي، أعربت بكين عن غضبها من زيارة غير رسمية إلى الولايات المتحدة قام بها الرئيس التايواني ذو العقلية الاستقلالية، لي تنج هوي، من خلال اختبار صواريخ في البحر بالقرب من الجزيرة. وردت واشنطن في ذلك الوقت، بإرسال حاملتي طائرات إلى مضيق تايوان.
ورغم أن الصين أنهت في ذلك الوقت اختبار الصواريخ بعد رد الفعل الأمريكي، إلا أن الأزمة دفعتها إلى إطلاق تحديث استمر لعقود من الزمن لقواتها المسلحة لتزويد قيادتها بخيارات عسكرية ذات مصداقية لمواجهة مستقبلية.
وبالتالي، فإن أزمة جديدة بمضيق تايوان، في حالة حدوثها، ستكون أكثر خطورة من أزمة التسعينيات بكثير، لأن الصين تعتقد أن بإمكانها تحمل مخاطر أكبر بفضل قدراتها الجديدة، وفق بي.
ووفق عالم السياسة الصيني والأمريكي، يمكن للولايات المتحدة، ولا سيما بيلوسي ووفدها، القيام بدورهم للمساعدة في نزع فتيل التوترات.
وأوضح أن "الابتعاد عن لفت الأنظار أثناء الرحلة سيكون أمرًا مهمًا في هذا الإطار بشكل خاص، ويمكن أن يشمل ذلك الحد من الأحداث العامة المجدولة وتقليل الاتصال بالصحافة إلى الحد الأدنى".
وتابع "يجب أن تكون بيلوسي حذرة أيضًا في الإدلاء ببيانات عامة حول وضع تايوان، وسيكون من الحكمة التمسك بالخط الرسمي لإدارة بايدن بشأن تايوان".
كما أن هناك مسؤولية كبيرة على الجانب التايواني أيضا، إذ قال بي "سيحتاج القادة السياسيون في تايوان إلى الانضباط الخطابي أيضًا، فأي محاولة لتصوير زيارة بيلوسي على أنها انتصار دبلوماسي يمكن أن تستدعي رد فعل عنيف من القادة الصينيين الذين يكرهون بشكل خاص فقدان ماء الوجه".