«ثورة المسيّرات».. لماذا تتأخر أمريكا؟

على مدار عقود، كان الجيش الأمريكي هو الأول في مجال الابتكارات العسكرية إلا أنه يعاني اليوم من تراجع واضح في مجال المسيرات.
ففي حروب اليوم باتت المسيرات هي السلاح الأكثر انتشارا والأكثر خطورة أيضا حتى إن الجنرال جيمس مينغس، نائب رئيس أركان الجيش، شبه تهديدها بخطر العبوات الناسفة في العراق قبل عقدين حينما كلفت هذه الأسلحة البسيطة مئات الأرواح الأمريكية.
ولم يتم التعامل مع العبوات الناسفة بجدية إلا بعد تدخل وزير الدفاع روبرت غيتس عام 2006 الذي فرض إدخال المركبات المضادة للألغام واليوم يرى النقاد أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تكرر الخطأ نفسه مع المسيّرات وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
سباق المسيّرات
في يوليو/تموز 2025 تم الإعلان عن قوة مهام جديدة، ثم كشف وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسِث عن مبادرة بعنوان "إطلاق هيمنة المسيّرات الأمريكية"، مشددًا على أن المسيّرات تمثل "أكبر ابتكار ميداني منذ جيل".
ومع ذلك اعترف هيغسيث بأن الوحدات الأمريكية لا تزال تفتقر إلى المسيّرات الصغيرة الفعالة التي أصبحت أساسية في ساحات القتال الحديثة، محمّلًا إدارة الرئيس السابق جو بايدن مسؤولية التأخير.
ودعا هيغسِث للتعامل مع المسيّرات باعتبارها ذخائر رخيصة قابلة للإنتاج الكثيف، وليست مشروعات باهظة كالطائرات المقاتلة كما منح صلاحيات أوسع لقادة ميدانيين لشراء وتشغيل طائرات صغيرة مثل المسيّرات الانتحارية أو رباعية المراوح.
خلال حربها مع روسيا، أظهرت أوكرانيا قدرة مذهلة على الابتكار السريع في تطوير مسيّرات انتحارية برية، وحتى منظومة مسيّرات لنقل طائرات أخرى إلى خلف خطوط العدو لكن الخبراء يؤكدون أن الترسانة الأمريكية لا تقترب بعد من هذا المستوى.
ويقول بعض الأكاديميين مثل بنيامين جِنسِن إن المشكلة ليست نقص النوايا بل البيروقراطية المتغلغلة داخل وزارة الدفاع في حين يرى آخرون أن المسيرات الأمريكية أغلى وأضعف من نظيراتها الصينية مثل"دي جيه آي" التي تستخدمها أوكرانيا.
المشكلة أنه حتى البرامج الأمريكية القليلة مثل "بلو يو إس ايه" فشلت في تقليص الاعتماد على المكوّنات الصينية فالبطاريات والمحركات والمغانط يتم استيرادها في الغالب من الصين، ما يجعل الولايات المتحدة مكبلة في سباق إنتاج المسيّرات.
ترتيب الأولويات
ويشير المحللون إلى أن الكثير من قادة البنتاغون لا يزالون يفكرون بعقلية حروب العراق وأفغانستان أو حرب الخليج، مما يوجه الميزانيات إلى برامج كبرى مثل المقاتلة "إف-35" والسفن الحربية، بدلا من الاستثمار في مسيّرات رخيصة ومرنة.
وعلى الرغم من ميزانية البحث والتطوير القياسية التي بلغت 179 مليار دولار، لا تزال الأولويات غامضة.
وإلى جانب التكنولوجيا، هناك بطء في تحديث العقائد القتالية ففي حين أصبح كل جندي أوكراني تقريبًا مدرَّبًا على تشغيل المسيّرات أو تفاديها، لم يبدأ الجيش الأمريكي حتى الآن في تعميم هذا التدريب.
وعندما نفذ الجيش الأمريكي أول تجربة لإلقاء قنبلة يدوية من مسيّرة عام 2025، سخر المعلقون بأن أوكرانيا وروسيا سبقتاه بذلك منذ سنوات.
وتعمل البحرية الأمريكية الآن على خطط طويلة الأمد لاستخدام أسراب ضخمة من المسيّرات الجوية والبحرية وتحت البحرية لردع هجوم صيني محتمل على تايوان، لكنها لا تزال في المراحل الأولى.
أما قوات المارينز فبدأت مؤخرًا فقط بتطوير كتيبات تدريبية لاستخدام مكثف للمسيّرات الانتحارية الصغيرة.
ومع ذلك لم تتجاوز ميزانية برنامج "ريبليكاتور" الذي أُطلق في عهد بايدن لإنتاج مسيّرات منخفضة الكلفة 500 مليون دولار أي (0.05% من ميزانية البنتاغون)، وهو ما اعتبره الخبراء إهمالًا صارخًا مقارنة بأهمية الحرب المسيّرة التي كشفتها أوكرانيا.
ويخلص الخبراء إلى أن البنتاغون بحاجة إلى قيادة حازمة تعيد رسم الأولويات كما فعل غيتس مع برنامج المركبات المضادة للألغام قبل عقدين أي أن المطلوب هو تبسيط البيروقراطية والاستفادة من التصنيع التجاري الجاهز والاستثمار بكثافة في أسراب من المسيّرات الرخيصة والذكية التي يمكن نشرها بسرعة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTM4IA==
جزيرة ام اند امز