بالصور.. أساطير "أنس الوجود" و"الحبيبة" و"فيلة" في حضن النيل
أكبر معابد الجزيرة تم تشييده لتخليد أسطورة "إيزيس"، حيث كان هناك اعتقاد بأنها وجدت فيه قلب زوجها "أوزوريس".
على بعد نحو 899 كيلومتراً من العاصمة القاهرة تقع جزيرة "فيلة" في قلب النيل بمدينة أسوان، في جنوب مصر. وعلى بعد 4 كيلومترات من خزان أسوان، حيث تنتصب معابد فيلة.
في عام 1974 وبالتعاون مع منظمة التربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» وخبراء دوليين في نقل المعابد تم تفكيك المعابد بجزيرة فيلة"، وإعادة تشييدها فوق جزيرة نيلية على بعد 500 متر تدعى جزيرة "أجيليكا"، بعد إعدادها بحيث تكون مشابهة للجزيرة الأصلية بقدر الإمكان، واكتمل حزام النجاة حول الجزيرة الجديدة، وأصبحت معابد "فيلة" في وضع آمن إلى اليوم من مخاطر المياه.
هذه الجزيرة تبدو كبوتقة لانصهار الديانات والحضارات التي مرت على المصريين، فقد شيدها المصريون القدماء في بدايات القرن الرابع قبل الميلاد، وأضاف لبنائها البطالمة والرومان، وامتدت هذه الإضافة حتى القرن الثالث الميلادي، على يد المسيحيين الأوائل.
تسميتها "فيلة" أو "فيلاي" تعود إلى اللغة اليونانية والتي تعني "الحبيبة"، أما الاسم الذي أطلقه العرب عليها فهو "أنس الوجود"، نسبة لأسطورة "أنس الوجود" الواردة في قصص "ألف ليلة وليلة" الشهيرة. أما الاسم القبطي لها فهو "بيلاك"، وهو الاسم الذي يعني الحد أو النهاية، لكونها كانت آخر حدود مصر في الجنوب وبوابة مصر لإفريقيا.
تتمتع الجزيرة بمناخ معتدل جاف نظراً لوقوعها على الضفة الشرقية للنيل، مما جعلها من أهم المشاتي المتميزة في الجنوب.
وللوصول إلى الجزيرة على الزائرين استخدام المراكب النيلية والتي تتركهم عند قاعة "نيختنبو"، لينتقل منها الزوار إلى قاعات ومعابد الجزيرة الفسيحة، مارين بتجار التحف والمشغولات اليدوية التي تشتهر بها الثقافة النوبية.
أكثر معابد فيلة شهرة وإثارة هو معبد "إيزيس" الذي يقع شمال الجزيرة، ويشغل حوالي ربع مساحة الجزيرة.
فناء المعبد تحده صفوف الأعمدة من الجانبين، ومن بعده نصل إلى أبراج الصرح الأول من المعابد، لنشهد "الماميزي"، أو ما يعرف ببيت الولادة، الذي كان مكرساً وفقاً للأساطير للمعبود حورس.
وفي هذا البيت كانت تجرى الطقوس احتفالاً بميلاد "حورس"، فيما كان الملوك يحرصون على الاشتراك في هذه الطقوس تأكيداً على انتمائهم لسلالة الابن.
الصرح الثاني يتمتع بدهليز كبير في داخله حرم داخلي مقدس "لإيزيس"، فيما يوجد سلم بالناحية الغربية من هذا الحرم يصعد به الزائرون إلى حجرات زوجها «أوزوريس»، وهي حجرات مزينة بمشاهد للنادبات ونقوش «لإيزيس» وزوجها وابنهما «حورس» ومعبودات أخرى.
والثابت تاريخياً أن المعبد تم تشييده لتخليد أسطورة "إيزيس"، حيث كان هناك اعتقاد بأنها وجدت فيه قلب زوجها "أوزوريس"، بعد أن قتله وقطعه أخوه داعية الشر "ست".
المعبد شاهد على عبادة "إيزيس" في اليونان وروما ومختلف أنحاء الإمبراطورية الرومانية، حتى عندما تم تطبيق الحكم الروماني في مصر حاول الحكام تجميل الجزيرة المقدسة لكونها تضم معبد «ايزيس»، فضلا عما بناه الإمبراطور «أوغسطس» بنفس الجزيرة من معبد له في الطرف الشمالي منها حمل اسمه، وذلك في القرن التاسع قبل الميلاد.
كما أضاف عدد من الملوك الرومانيين واليونانيين معابد صغيرة بجانب المعابد الكبيرة اتسمت بنقوش وألوان زاهية، واستمر العمل فيها حتى القرن الرابع الميلادي.
ومن بين الآثار الأخرى التي يمكن للزائر المرور فيها ومشاهدتها، مقصورة الملك "نختنبو الأول"، من الأسرة الثلاثين، واثنان من صفوف الأعمدة التي ترجع إلى العصر الروماني، ومعبد "أريسنوفيس" وهو يوناني روماني، ومعبد ماندوليس، من العهد الروماني.
كما يمكن لزائر الجزيرة زيارة معبد آخر من عصر الفراعنة وهو معبد "أمنحتب"، مما يؤكد أن الموقع الأثري (الجزيرة) كان مستخدماً لعبادة الفراعنة قبل أن يسكنها البطالمة والرومان.
ويعد معبد "حتحور" بجزيرة «فيلة» واحداً من أبرز المعابد التي يحرص الزائرون على زيارته وتأتي أهميته في مرتبة تالية لمعبد «ايزيس»، ويعد آخر أثر بطلمي بالموقع الأثري، ويشيد الزائرون بنقوشه وبخاصة التي أضافها إليه «إيورجيتس الثاني» قبل العام 116 قبل الميلاد.
وحسب السياق التاريخي، فإن معابد «فيلة» اكتسبت مكانة خاصة في العبادات عند القدماء لدرجة أن حشداً من أتباع تلك العبادة كانوا يجتمعون لإحياء قصة موت وبعث «أوزوريس».
وعندما جاء الإسلام اعتبر أصحاب العصر الإسلامي المملوكي، الفاطمي، العثماني "فيلة" حصناً أسطورياً ممثلاً في إحدى قصص "ألف ليلة وليلة"، واكتسبت اسم "أنس الوجود" تيمناً باسم بطل إحدى هذه القصص.