"مد وردي" بأمريكا اللاتينية في 2022.. ما وراء صعود اليسار؟
بانتصار لولا دا سيلفا على الرئيس اليميني جايير بولسونارو عززت البرازيل في 2022 "المدّ الوردي" في المنطقة للزعماء اليساريين المنتخبين، حيث انضمت إلى كولومبيا والمكسيك والأرجنتين وتشيلي وبيرو وبوليفيا، في كتلة يسارية متنامية.
"المد الوردي" مصطلح استخدم لأول مرة لوصف موجة من الحكومات اليسارية التي سيطرت على السلطة في شتى أنحاء أمريكا اللاتينية أوائل العقد الأول من القرن الـ21، في رفض جماعي للإجراءات الليبرالية المتقشفة إلا أن الحركة لم تصمد، وبعد نحو 10 سنوات أطاحت غالبية تلك الدول بقاداتها اليساريين وانتخبت حكومات محافظة، إلا أن الوضع يبدو أنه يتغير مجددا.
وبحسب صحيفة "التايمز" البريطانية فإنه قبل 20 عاما، عندما تم انتخاب قادة مثل هوغو تشافيز في فنزويلا ولولا في البرازيل، بأغلبية هائلة، قدموا تعهدات أيديولوجية لاقت صدى واسعا لدى الناخبين، إلا أنه يبدو أن رفض الرئيس الحالي هو ما قاد هذا التحول.
ويعد انتخاب لولا مثالا على ذلك، فنجاحه يبدو تخبطا كبيرا لليسار من قبل أكبر دولة بالمنطقة، التي تضم نصف الأمريكيين الجنوبيين، حيث أدلى ما يقرب من نصف الناخبين، أي ما يقدر بنحو 57 مليون نسمة، لزعيم محافظ متشدد دافع عن ملكية السلاح، وحارب ضد الإجهاض.
إضافة لذلك فإنه تم انتخاب العديد من أعضاء الكونغرس اليمينيين، الذين سيحدون من قدرة لولا على الحكم راديكاليا، فبدلا من تغيير يميني-يساري بحت، يبدو أن ما يحدث في أمريكا اللاتينية هو اتجاه رفض ملحوظ، ضد الحكومات التي تكافح مع اقتصاداتها بعد الجائحة.
ويعتبر جايير بولسونارو الزعيم الخامس عشر على التوالي في أمريكا اللاتينية الذي تتم الإطاحة به في انتخابات حرة بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة، والحكومات اليسارية التي ظهرت منذاك الحين مختلفة في الواقع عن بعضها بعضا.
مرحلة لن تستمر طويلا
ونقلت التايمز عن المحلل السياسي جيلهيرمي كاساريز أنه توجد حكومات استبدادية في فنزويلا ونيكاراجوا وهناك شعبوية يسارية بالمكسيك، وحكومات ضعيفة نوعا ما في كولومبيا وتشيلي والأرجنتين.
وأضاف: "يوجد بعض الأشياء التي يمكن أن تتفق عليها الحكومات اليسارية بأمريكا اللاتينية، والتي ستغير من ديناميكيات المنطقة خلال الفترة المقبلة وأبرز مثال هي فنزويلا".
وأشار إلى أنه في 2019، أجمع غالبية القادة المحافظين في المنطقة على عدم الاعتراف بشرعية نيكولاس مادورو بحجة أنه سرق الانتخابات التي أجريت في 2018، إلا أنه الآن أعادوا جميعهم تقريبا العلاقات مع فنزويلا، ويحثون واشنطن على تطبيع العلاقات.
وأوضح أنه ربما يكون هناك ضغط مشابه من القادة، من بينهم لولا، لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتخفيف العقوبات على كوبا أيضا.
فيما اعتبر أن حلم المد الوردي الأصلي لاتحاد أمريكا اللاتينية سيظل صعب المنال على الأرجح، ومع أول موعد وجولة جديدة للانتخابات قد يتغير كل شيء مجددا.
سياسات النيوليبرالية
فيما اعتبرت واشنطن بوست أن فوز لولا دا سيلفا يعد رفضا للشعبوية اليمينية إلا أنه غير واسع، عززه فشل حكومة بولسونارو في التعامل مع أزمة كورونا وكذلك تداعيات حرب أوكرانيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن عودة لولا تعزز المد الوردي في المنطقة التي كانت تعتبر سابقا بمثابة حديقة خلفية لأمريكا، ومن ثم ستخسر واشنطن موقعا سيمثل صداعا سياسيا، نظرا لمكانة البرازيل وحجمها سياسيا واقتصاديا.
وأوضحت أنه بذلك لن يكون لأمريكا الجنوبية حكومات محافظة سوى في أوروجواي وباراجواي والإكوادور بزعامة ويليام لاسو، الذي يواجه معارضة يسارية شرسة.
ولفتت إلى أن فوز لولا يعزز مكانة بريكست التي تقودها روسيا، كما يمكن لأكبر لاقتصادات المكسيك والأرجنتين وكولومبيا والبرازيل التناغم وتحدي موقف منظمة الدول الأمريكية التي تسيطر عليها واشنطن.
واعتبرتها مرحلة لن تستمر طويلا، حيث ساهم فيها سياسات النيوليبرالية وتزامنها مع أزمة اقتصادية عالمية والقرارات الأخيرة من خفض الدعم والتوسع في الخصخصة.