الاعتمادات البلاستيكية.. أداة تمويل "انتقالية" نحو اقتصاد دائري

يحتاج سوق الائتمان البلاستيكي إلى توليد الثقة والمصداقية، عندها فقط يُمكن أن يرتقي كأداة فعّالة لمعالجة تسرب البلاستيك.

النفايات البلاستيكية

مع استمرار اندلاع المشكلات المتعلقة باستخدام النفايات البلاستيكية للشركات تستكشف إيدي edie -الرائدة بمجال صناعة الوسائط التجارية لتمكين أعمال المتخصصين في الاستدامة والطاقة والبيئة- ما إذا كان الاستخدام المتقدم لائتمانات البلاستيك يمكن أن يحقق تقدمًا ملموسًا نحو اقتصاد دائري.

وفي هذا الإطار، وجد بحث جديد نشرته EA Environmental Action يوم الجمعة 26 مايو/أيار 2023، أن أكثر من 40٪ من سكان العالم يعيشون حاليًا في مناطق تجاوزت فيها النفايات البلاستيكية الناتجة بالفعل القدرة على إدارتها، فضلًا عن أنه من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 60٪ بحلول 28 يوليو/تموز 2023، مما يعني أن يوم التجاوز البلاستيكي سيستمر في المضي قدمًا في التقويم.

علاوة على ذلك، تُقدر مؤسسة Ellen Macarthur Foundation أن 95٪ من قيمة مواد التعبئة والتغليف البلاستيكية التي يتم إنتاجها كل عام تُفقد من خلال التلوث أو دفن النفايات أو الحرق أو إعادة التدوير، بما تُعادل نحو 80 مليار دولار على الأقل.

• النفايات البلاستيكية.. أرقام مفزعة لـ"خطيئة البشر المناخية"
• الشركات الخليجية تنضم للجهود العالمية لمعالجة النفايات البلاستيكية

الحد من المواد البلاستيكية

يُعّد الحد من المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام (SUPs) أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع والشركات، وقد وضعت العديد من الشركات أهدافًا طموحة للتخلص التدريجي من SUPs والانتقال إلى نماذج الأعمال الدائرية.

لا يمكن إغلاق الصنبور البلاستيكي بين عشية وضحاها، وبينما تكون بعض الشركات على استعداد لتمويل التغيير، هناك فهم بأن سلاسل التوريد وأنظمة إدارة النفايات ستحتاج إلى الإصلاح للوصول إلى هذه الرؤية.

وفي هذا الصدّد، تعتقد الأمم المتحدة أن العالم سيظل ينتج حوالي 100 مليون طن متري من البلاستيك من المنتجات ذات الاستخدام الفردي والمنتجات قصيرة العمر بحلول عام 2040. وعلى هذا النحو هناك أيضًا حاجة إلى استثمارات موسعة في أنظمة إدارة النفايات؛ حيث تحتاج الدول النامية على وجه الخصوص إلى الاستثمار في أنظمة الجمع والفرز.

الائتمانات البلاستيكية

يحمل الخطاب الحالي حول الائتمانات البلاستيكية بحرًا مذهلاً من المعايير إلى جانب الآراء المتضاربة. في جوهرها، الأرصدة أو التعويضات البلاستيكية عبارة عن مدفوعات مقابل خدمات جمع النفايات البلاستيكية أو استردادها. عادةً ما تكون الأنشطة المؤهلة للحصول على ائتمانات بلاستيكية هي تلك التي تحدث خارج سلسلة قيمة المنتجين، بدءًا من تنظيف الشواطئ إلى جمع النفايات البلدية.

يرفض النقاد الائتمانات البلاستيكية باعتبارها طريقة أخرى لتهرب الشركات Green Washing والذي يُعرف بأنه الادعاءات الخاطئة التي قدمتها منظمة حول التأثير الإيجابي لشركة أو منتج أو خدمة على البيئة. فضلًا عن أنهم يحولون الانتباه عن الحلول الهادفة لتقليل بصمتهم البلاستيكية. في حين يروج آخرون للائتمانات البلاستيكية كأداة تحفيزية لتوجيه الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في قطاع النفايات الذي يعاني من نقص مزمن في التمويل.

بغض النظر عن الخطاب، تستمر الجهود الطوعية لتولي الإشراف على البلاستيك الذي تطرحه الشركات في السوق. تكون هذه الجهود أكثر تأثيرًا عندما تحدث في مناطق ذات تسرب مرتفع وقدرة تجميع منخفضة، وفي كثير من الأحيان حيث لا تكون هذه الأنشطة مجدية اقتصاديًا بخلاف ذلك. ومع ذلك، قد يكون قياس التأثير الحقيقي لهذه الأنشطة أمرًا صعبًا نظرًا لعدم وجود طريقة مقبولة عالميًا وموحدة وذات مصداقية للإبلاغ عن هذه الجهود.

في عالم مثالي، سيتم تكليف المنتجين بالامتثال لمخططات مسؤولية المنتج الممتدة (EPR) مع تقليل النفايات عند المصدر. رغم ذلك، من الناحية الواقعية، تستغرق مخططات EPR الإلزامية عادةً خمس سنوات للتنفيذ. ومن ثم، فإن أسواق الائتمان الطوعية للبلاستيك هي أداة مؤقتة قيمة لحشد استثمارات القطاع الخاص مع استكمال الجهود المبذولة لإنشاء مخططات إلزامية.

لذا، فإن السؤال ليس ما إذا كان ينبغي السماح بالائتمانات البلاستيكية، ولكن بدلاً من ذلك، كيفية تطوير سوق ائتمان بلاستيكي عادل وفعال، أي السوق الذي يساهم بشكل ملموس في استعادة المواد البلاستيكية المتعلقة بالوضع الراهن، ويحفز المنتجين على تصميم النفايات عند المصدر، ويوفر الشفافية والمقارنات الموثوقة بين مختلف المنتجين الذين يسعون للتخفيف من بصمتهم البلاستيكية؟

إعادة النظر في أساسيات الاعتمادات البلاستيكية

إن المنظمات التي تقدم خدمات استعادة النفايات (على سبيل المثال، Seven Clean Seas، Second Life) مؤهلة للحصول على أرصدة بلاستيكية. تُباع الأرصدة البلاستيكية التي تم إنشاؤها مباشرةً إلى المشترين أو من خلال منصة (على سبيل المثال، تبادل البلاستيك أو RePurpose أو Verra). عادة ما يكون مشترو الائتمانات البلاستيكية من المنتجين مثل مالكي العلامات التجارية الرئيسين ولكن يمكن أن يكونوا أيضًا أفرادًا يسعون إلى تعويض بصمتهم البلاستيكية.

وفي هذا الإطار، وضع الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) عدة مبادئ توجيهية لإنشاء نظام ائتمان بلاستيكي موثوق به، يتطور من النظام المجزأ الحالي. من بين هذه المبادئ، هناك ثلاثة مبادئ هي الأكثر أهمية:

التأثير الإضافي القابل للقياس:

يجب على بائعي الاعتمادات البلاستيكية إثبات أن أنشطتهم تساهم في إحداث تأثير إضافي يتجاوز خط الأساس، سواء كان حجم النفايات المستعادة أو العمالة. بعبارة أخرى، يجب أن تكون الأرصدة البلاستيكية الموثوقة لعبة إيجابية وليست صفرية.

 وبالتالي، تعد الأسواق أو السجلات مكملاً هامًا للائتمان البلاستيكي للمصادقة على التعويضات من السوق وتسجيلها ونقلها وسحبها. بمجرد أن يدفع المشتري النهائي (على سبيل المثال، أصحاب العلامات التجارية) التعويض واستلامه، يحصل المشتري على ائتمان للتأثير الناتج (تقليل النفايات أو الانبعاثات)، ولا يمكن إعادة بيع التعويض. كما يجوز للمشتري أيضًا تمويل نشاط تعويض محدد مسبقًا من خلال استثمارات في تكاليف التأسيس مقابل حجم محدد من الائتمانات على مدى فترة متفق عليها.

سلسلة التوريد الأخلاقية:

تُعد مهمة اجتماعية على نفس القدر من الأهمية لمهمتها البيئية. يجب أن يكون تسعير الائتمانات البلاستيكية مرتفعًا بما يكفي لدعم أجر معيشي للعمال المشاركين في أنشطة التعويض. وبالتالي، يجب أن تضمن عملية التصديق على الائتمانات البلاستيكية عمليات فحص صارمة عبر سلسلة التوريد لتعزيز ظروف العمل المستقرة والآمنة لجميع العمال المعنيين.

الائتمانات البلاستيكية كاستراتيجية أوسع

بينما يُمكن أن تصبح الأرصدة البلاستيكية أداة متكاملة لإدارة البصمة البلاستيكية للعلامة التجارية، يجب التأكيد على أنها يجب أن تكون جزءًا فقط من استراتيجية أوسع تهدف إلى تصميم النفايات. كما يجب على الشركة إعطاء الأولوية للحد من النفايات البلاستيكية من خلال اعتماد مواد تغليف قابلة لإعادة الاستخدام أو مواد بديلة أو تصميم عبوات بلاستيكية قابلة لإعادة التدوير أو قابلة للتحلل بنسبة 100 في المائة على تعويض البلاستيك.

ومع ذلك، فإن عملية تحويل العبوات، خاصة بالنسبة للصناعات الكبيرة، هي عملية بطيئة. يجب تغيير خطوط المصانع، ويجب تطوير نماذج جديدة للبيع بالتجزئة، كما يجب تسويق التقنيات المبتكرة. عمليات التنظيف الملطفة وتوسيع خدمات جمع النفايات الأساسية، للأسف، لا تزال ضرورية في هذه الأثناء.

إذا التزم سوق الائتمان البلاستيكي بالمبادئ الأساسية المشتركة (مثل/ التأثيرات الإضافية وسلسلة التوريد الأخلاقية)، فيمكنه تسريع تحول الشركات نحو الإنتاج الدائري. كما يمكن أن تؤدي تكلفة الأرصدة البلاستيكية، عند استيعابها، إلى تسريع رحلة الشركة لتصميم النفايات.

هناك حاجة إلى إرشادات لضمان توصيل الاعتمادات البلاستيكية في سياق مناسب. على سبيل المثال، تهدف المبادئ التوجيهية للإشراف على البلاستيك للشركات من قبل مبادرة 3R إلى وضع معيار للإبلاغ المعياري عن البصمات البلاستيكية وطرق التخفيف.

مبادرة R3

بالعودة إلى عام 2019، أطلق كبار مستخدمي ومنتجي العبوات البلاستيكية، بما في ذلك شركات Danone وVeolia وNestlé، مبادرة عالمية أُطلق عليها اسم مبادرة R3؛ تهدف إلى توحيد إجراءات الشركات وتسريعها فيما يتعلق بالبلاستيك، مع التركيز على استخدام الائتمانات.

تم تشغيل المبادرة من خلال شراكة بين شركتي Verra و BVRio غير الربحيين - اللتين وضعتا معايير بيئية دولية وتساعدان في تطوير الأسواق الخضراء على التوالي- يتيح المخطط للشركات الوصول إلى أداة رقمية تتيح لها تداول الاعتمادات البلاستيكية الصادرة عن مقدمو خدمات إعادة التدوير والاسترداد في جميع أنحاء العالم. يمكن بعد ذلك استخدام هذه الاعتمادات لإثبات الامتثال و 'تعويض' استخدام البلاستيك للشركات.

هذا، وقد أطلقت مبادرة R3 بعد عامين من إنشائها، معيار الحد من النفايات البلاستيكية، المصمم لتهدئة بعض المخاوف بشأن الشفافية واستخدام ائتمانات البلاستيك، والذي يُدار من قبل شركة فيرا، التي واجهت انتقادات في الأشهر الأخيرة بشأن صلاحية أرصدة الكربون الخاصة بها.

تجدُر الإشارة إلى إن شركة فيرا، التي تصادق على الاعتمادات للشركات الكبرى بما في ذلك شل وديزني، اعترضت بشدة على النتائج ولكنها وافقت على تقييم نظام التصنيف الائتماني الخاص بها.

هذا، وتتمثل إحدى عوامل الجذب الرئيسة لخطط الائتمان البلاستيكية، في أنها توجه التمويل بشكل أساسي إلى إدارة النفايات والبنية التحتية في الدول التي هي في أمس الحاجة إليها. هذا وتدعو المنظمات غير الحكومية إلى إدراج تكلفة تلك البنية التحتية المطلوبة في تكلفة الائتمان، جنبًا إلى جنب مع إرشادات المستخدم لضمان عدم لجوء الشركات إلى الائتمانات إلا بعد أن تفعل كل ما في وسعها لتقليل استخدام البلاستيك.