العالم يُجنّب خلافاته ويخطو نحو أول معاهدة للحد من التلوث البلاستيكي
اتفقت نحو 170 دولة على وضع مسودة أولى، بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري، لأول معاهدة عالمية للحد من التلوث البلاستيكي والتي من المحتمل أن تخرج للنور بحلول نهاية العام المقبل.
واجتمعت وفود الدول والمنظمات غير الحكومية وممثلو صناعة البلاستيك في مقر اليونسكو بالعاصمة الفرنسية، باريس، هذا الأسبوع في الجولة الثانية من محادثات الأمم المتحدة بشأن وضع اتفاقية ملزمة قانونًا للحد من نفايات البلاستيك، والتي من المتوقع أن تتضاعف ثلاث مرات تقريبًا بحلول عام 2060، وينتهي المطاف بنصفها في مكب النفايات، وأقل من خمسها يعاد تدويره، وفقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2022.
كانت اجتماعات باريس هي الخطوة الثانية في العملية التي بدأت في فبراير/ شباط 2022، في الدورة الخامسة المستأنفة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، عندما تم اعتماد قرار تاريخي لتطوير معاهدة دولية ملزمة قانونًا بشأن التلوث البلاستيكي، وتبعها اجتماعًا أوليًا عقد في أوروجواي نهاية ديسمبر الماضي.
على الرغم من أن النصف الأول من اجتماعات باريس، التي استمرت خمسة أيام، قد شهد جدلًا حول القضايا الإجرائية، حيث انقسمت الوفود إلى مجموعتين لمناقشة مجموعة تدابير الرقابة التي يمكن اتخاذها لوقف التلوث البلاستيكي، وكذلك ما إذا كان يتعين على البلدان وضع خطط وطنية أو تحديد أهداف عالمية لمعالجة المشكلة، جاء التوافق بحلول الجلسة الختامية يوم الجمعة، حيث وافقت الدول على إعداد "مسودة أولية" لما سيصبح أول معاهدة بلاستيك ملزمة قانونًا، والتزمت بالعمل بين جلسات المفاوضات حول مسائل رئيسية مثل نطاق ومبادئ المعاهدة المستقبلية.
وسيعكس نص "المسودة الأولى" مجموعة من الخيارات بشأن المواقف واسعة النطاق لمختلف البلدان بحلول بداية الجولة التالية من المحادثات التي ستعقد في نيروبي، بكينيا، في نوفمبر/ نشرين الثاني.
اعتراضات وانقسامات
بعد عقود من النشاط والدعوات لمواجهة التلوث البلاستيكي، وافق برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEA) في مارس/ آذار من العام الماضي على قرار يدعو إلى معاهدة من شأنها، من بين أمور أخرى، أن تحتوي على "صك دولي ملزم قانونًا بشأن التلوث البلاستيكي" على أساس " النهج الذي يعالج دورة الحياة الكاملة للمواد البلاستيكية ".
لكن وسط التأييد الساحق للمعاهدة من معظم دول العالم البالغ عددها 193 دولة، والتفاؤل بين النشطاء والمراقبين غير الحكوميين بشأنها، اعترضت مجموعة من الدول في البداية على قواعد صنع القرار المتفق عليها سابقًا، وأعادت فتح النقاش بشأنها، وحاولت أيضًا إقرار استخدام حق النقض (الفيتو) والإعفاءات لنفسها من أي معاهدة ملزمة.
تسبب الاعتراض على النظام الداخلي للمحادثات في تعثر عملية بدء المفاوضات لأكثر من يومين، حيث أعلنت الصين والهند وروسيا والمملكة العربية السعودية عن اعتراضها بشأن آلية اتخاذ تبني القرارات بالمعاهدة.
تقر الآلية الحالية بتبني القرارات بأغلبية الأصوات، بينما طالبت البلدان المعترضة بإقرار آلية الإجماع، معللة ذلك بأن المعاهدات الكبيرة والمعقدة من هذا النوع لا يجوز إقرار بنودها سوى بالتوافق.
نجحت الدبلوماسية الفرنسية، التي تدير هذه المرحلة من الاجتماعات، في نقل المفاوضات من مربع الجدل بشأن النظام الداخلي إلى مربع المناقشات الأساسية حول المحتويات المحتملة للمعاهدة.
لم تحل هذه القضية بالكامل خلال جولة المفاوضات الثانية، وسوف تطرح مرة أخرى للنقاش في الجولة القادمة من المحادثات.
في الجزء الأخير من الأسبوع، انقسم المندوبون إلى مجموعتين لبدء العمل على العناصر الأساسية للمعاهدة، بما في ذلك الالتزامات والآليات المالية وتدابير التنفيذ الأخرى.
في ليلة الأربعاء، تمكن المفاوضون من المضي قدمًا في جوهر المحادثات، وحددوا مواقفهم بشأن مبادئ المعاهدة.
انقسمت الدول خلال المفاوضات حول مبدأ أساسي: إما تقليل المواد البلاستيكية عند المصدر، من خلال مطالبة الصناعة بخفض الإنتاج، أو التركيز على إدارة وإعادة تدوير البلاستيك بشكل أفضل بمجرد التخلص منه.
دعمت الصين والولايات المتحدة والهند ودول أخرى المبدأ الأخير، باعتبارهم من أكبر منتجي البلاستيك في العالم.
دعت الدول الثلاث إلى معاهدة عالمية تشجع إعادة التدوير، مع ترك أي تدابير أكثر صرامة، مثل حظر المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد أو المواد الكيميائية الخطرة المستخدمة في التصنيع، للدول بمفردها.
بمعنى أن تحدد المعاهدة أهدافًا وطنية أو تسمح للدول بتحديد أهدافها الوطنية، وخططها الخاصة، فيما يخص التدابير الصارمة، وألا تكون أهداف المعاهدة عالمية.
في المقابل، دعت 135 دولة إلى قواعد عالمية ملزمة لتقليل إنتاج البلاستيك، والتي من شأنها أن تنطبق على جميع البلدان بالتساوي بدلاً من الاتفاق الطوعي حيث يكون للحكومات خيار انتقاء واختيار الإجراءات.
ترى هذه الدول أن إعادة تدوير النفايات وحده لا يكفي، وأن معاهدة البلاستيك يجب أن تتضمن قيودًا عالمية على سلسلة التوريد الكاملة، بهدف تقليل كمية البلاستيك الجديد في العالم حتى قبل أن يتحول إلى نفايات بالإضافة إلى قيود على بعض المواد الكيميائية الخطرة.
من بين هذه الدول مجموعة من 55 دولة، تطلق على نفسها "تحالف الطموح العالي ضد التلوث البلاستيكي (Hac)، بما في ذلك الإمارات وفرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك وأستراليا.
يتبنى التحالف الوصول لحظر على البلاستيك غير الضروري، مثل الأكواب والأواني التي تستخدم لمرة واحدة، بالإضافة إلى قيود على المواد التي تدخل في صناعة المواد البلاستيكية إذا كانت تضر بالبشر أو البيئة.
إلا أن الدول الأخرى، خاصة الهند والولايات المتحدة وبعض دول آسيا، أصروا على خيار تدوير النفايات وحده، فيما أيدت مجموعة قليلة من الدول إقرار الخيارين معًا.
على جانب آخر، دعت 94 دولة إلى أن تعطي المعاهدة الأولوية لحظر البوليمرات والمواد الكيميائية والمنتجات البلاستيكية عالية المخاطر أو التخلص التدريجي منها.
كل هذه البنود ستكون محل نقاش وتفاوض خلال الشهور المقبلة، وحتى الاجتماع المقبل في نيروبي بنوفمبر/تشرين، حيث تسلم الأطراف المسودة الأولى من المعاهدة.
3 دورات أخرى
اتفقت لجنة التفاوض في جلستها الختامية على عقد الدورة الرابعة من الاجتماعات في أبريل/ نيسان 2024 بكندا، بينما تعقد الدورة الخامسة والختامية، والتي من المقرر أن تشهد إقرار وإعلان المعاهدة الدولية، في نهاية 2024 بكوريا الجنوبية.
قال الدكتور محمد خشاشنة أمين عام وزارة البيئة في الأردن وعضو هيئة المكتب المشرفة على المفاوضات باسم مجموعة آسيا والمحيط الهادئ، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية": "تبقى لنا ثلاثة دورات، بعد عقد دورتين واحدة في أوروجواي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والثانية هنا في باريس، ونتطلع إلى إنهاء المفاوضات والوصول الى صك متوازن وملزم للحد من التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040".
وحول سير المفاوضات أضاف: "تم تقسيم الوفود إلى مجموعتين عمل، الأولى ناقشت الأهداف والغايات والسياسات لهذه الاتفاقية المحتملة، إضافة الى الإجراءات الملزمة التي ستتضمنها، والثانية معنية بإجراءات التنفيذ والآلية المالية وبناء القدرات وخطط العمل التي ستكون على المستوى الوطني".
وحول الخلافات والانقسامات تابع: "شهدت المفاوضات خلافات في وجهات النظر بين بعض الدول، بشأن النهج الذي ستقر به المعاهدة، بعض الدول تريد البدء من القاعدة إلى القمة، تشير القاعدة إلى ضرورة اتخاذ اجراءات دولية منسقة وملزمة لكل الدول، بينما الاتجاه الآخر يريد البدء من القمة للقاعدة، أي اتخاذ إجراءات وطنية في البداية، ولا يزال الخلاف قائمًا، وسيحسم في الاجتماعات المقبلة".
وعن رأيه في أي النهجين أنسب علق: "باعتقادي أن هاتين الطريقتين يكملان بعضهما البعض، ونحن بحاجة الى النهجين في الحقيقة حتى نستطيع الوصول إلى اتفاقية قوية تحقق الأهداف المرجوة، وهي الحد من التلوث البلاستيكي عام 2040".
وعن مستقبل المفاوضات قال: "بطبيعة الحال، لا زلنا نؤسس آليات العمل والتفاوض بين الدورات، الآن تجري مفاوضات مع بعض الدول المهمة حتى يتم التوصل إلى الطابع الفني للمفاوضات وطريقة إجراءها بين الدورات، لتسهيل الأمور في دورة الاجتماعات الثالثة التي ستعقد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بناء على ذلك، سنتمكن من المضي قدمًا في تحقيق الهدف وصياغة الاتفاقية بالشكل الذي تتطلع إليه العديد من الدول، خاصة الدول النامية وغير المنتجة للبلاستيك ولكنها تستهلكه بشكل كبير".
التمويل
وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تضاعف الإنتاج العالمي من البلاستيك من عام 2000 إلى عام 2019 ليصل إلى 460 مليون طن، وتضاعف إنتاج النفايات البلاستيكية العالمية أكثر من الضعف من عام 2000 إلى عام 2019 إلى 353 مليون طن.
يعاد تدوير 9٪ فقط من النفايات البلاستيكية (يتم جمع 15٪ لإعادة التدوير ولكن يتم التخلص من 40٪ منها كمخلفات). وتحرق 19٪ أخرى، و 50٪ ينتهي بها المطاف في مكب النفايات و22٪ يتهرب من أنظمة إدارة النفايات ويذهب إلى مكبات غير خاضعة للرقابة، أو يحرق في حفر مفتوحة أو ينتهي به الأمر في بيئات أرضية أو مائية، خاصة في البلدان الفقيرة.
تتراوح التقديرات الحالية للتكاليف الخارجية للتلوث البلاستيكي من 293.5 مليار دولار أمريكي إلى أكثر من 500 مليار دولار أمريكي كل عام، وهو بالضبط ما ينفقه العالم بسبب التلوث البلاستيكي على تنظيف المحيطات، وخدمات النظام البيئي البحري، والتنظيف الكيميائي الخطير، والتدابير لتعويض ثاني أكسيد الكربون وتلوث الهواء.
لذا من المتوقع أن يكون التمويل قضية رئيسية خلال جولات المفاوضات المقبلة، حيث تطلب الدول النامية، وتحديدًا في إفريقيا، المال والتكنولوجيا من الدول الغنية من أجل معالجة التلوث البلاستيكي.
وهو ما أشار إليه الدكتور سام إدوكومي، أحد المراقبين للمفاوضات، من غانا، لـ"العين الإخبارية"، قائلًا: "نحن كدول أفريقية وبلدان نامية، نعاني كثيرا من مشكلة التلوث البلاستيكي، وفي نفس الوقت لا يمكننا العمل بمفردنا، ونحتاج إلى شركاء آخرين في مناطق أخرى لحل أزمة التمويل، من أحل الوصول إلى علاج حاسم لمشكلة البلاستيك، لذا طرحنا، كبلدان نامية، مخاوفنا على الطاولة، خاصة فيما يتعلق بالدعم، وتحدثنا عن رؤيتنا في ضرورة التوصل لاتفاقية أو معاهدة عالمية شاملة وقوية للغاية وقابلة للتنفيذ".
يعد نهج القاعدة إلى القمة المقترح، والذي يشير إلى معاهدة ذات أهدافًا عالمية، مع ضرورة اتخاذ اجراءات دولية منسقه وملزمه لكل الدول، هو الضمانة الوحيدة للدول النامية ودول إفريقيا للحصول على التمويل الكافي من أجل معالجة التلوث البلاستيكي، كما أوضح إدوكومي.
وحول رؤيته لمستقبل المفاوضات قال: "لضمان نتائج قوية لاجتماعات المفاوضات المستقبلية، على الدول التصرف بشكل استباقي وإحداث تقدم في المسائل الفنية بين اجتماعات التفاوض الرسمية، ودعم التماشي مع رؤية عالمية واحدة لمعاهدة عالمية عالية الطموح للتلوث البلاستيكي".
تابع: " الإفراط في إنتاج واستهلاك البلاستيك يخنق أنهارنا ومحيطاتنا، ويقتل الحياة البرية ويلوث الطعام والهواء والماء، وكل يوم نتأخر فيه عن هذه المعاهدة نتسبب في تسرب 30.000 طن من البلاستيك إلى المحيط، هذه أزمة عالمية ملحة تحتاج إلى استجابة عالمية عاجلة، والأمر يزداد سوءًا مع الوقت. هذه المعاهدة العالمية الجديدة لإنهاء التلوث البلاستيكي هي فرصتنا الوحيدة لتغيير ذلك".
aXA6IDE4LjExOC4xNDAuNzgg جزيرة ام اند امز