ترجمة عربية للمسرحية الألمانية "الخوف والبؤس في الرايخ الثالث"
المترجم سمير جريس يقول إن المجتمع الألماني أعاد اكتشاف هذه المسرحية عقب تنامي الاتجاهات اليمينية في ألمانيا.
تصدر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، الترجمة العربية لمسرحية "99 في المئة.. الخوف والبؤس في الرايخ الثالث"، للكاتب الألماني برتولت برشت (1898 – 1956)، وهي مسرحية تعالج تأثير الفاشية على عقول الناس، وترجمة المصري سمير جريس، والشاعرة المغربية ريم نجمي.
ويقول المترجم سمير جريس، لـ"العين الإخبارية": إن المجتمع الألماني أعاد اكتشاف هذه المسرحية عقب تنامي الاتجاهات اليمينية في ألمانيا، بعد موجة اللاجئين الكبيرة التي شهدتها البلاد في 2015".
وأضاف: "المسرحية كانت منسية إلى حد كبير، وهي تعرض آليات القمع في النظم الفاشية، وكيفية السيطرة على الجماهير".
ووفقاً للمترجم، كان اكتشاف المسرح الألماني هذه المسرحية بمثابة رسالة تحذير مما يستطيع اليمين الشعبوي أن يفعله في الناس.
وكشف جريس عن أن مسرح دورتموند اختار من هذه المسرحية بعض المشاهد، وأضاف إليها مشاهد أخرى، ثم طلب منه ترجمة هذه المشاهد كي تعرض الترجمة على شريط ضوئي يصاحب عرض المسرحية، وذلك لإتاحة الفرصة للاجئين الجدد، ومعظمهم من العرب، أن يشاهدوا المسرحية ويفهموها، وهكذا اكتشف هذا النص المؤثر.
وتابع: "عرضت المسرحية بعد ذلك على مسرح برشت في برلين (برلينر إنسامبل)، وشاهدتها هناك مع شريكتي في الترجمة ريم نجمي، وذلك في يوم لن ينساه الحضور".
وعبر جريس عن سعادته بصدور الترجمة الكاملة لهذه المسرحية، التي رشحتها للهيئة العربية للمسرح المترجمة والممثلة المصرية نورا أمين.
ومن المعروف أن النازيين لاحقوا برشت منذ عام 1930، وعندما اقتحمت الشرطة أحد عروضه في عام 1933، واتهم منظم العرض بالخيانة العظمى، أدرك أن عليه الرحيل.
وفي 28 فبراير/شباط 1933، أي بعد شهر على انتخاب هتلر وتولي النازيين السلطة، وبعد يوم واحد من حريق الرايخستاغ (البرلمان الألماني) ، غادر "برشت" وطنه، وأخذه قطار المنفى في البداية إلى براغ وفيينا، ثم إلى زيورخ، ومنها إلى الدنمارك، حيث عاش عدة سنوات.
وفي عام 1941 حصل على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، فرحل إلى هناك، حيث اشترى بيتاً واستقر في سانتا مونيكا بالقرب من هوليوود.
ولكن حقبة الكارثية والتحقيقات التي أجريت معه بتهمة الشيوعية، وضعت حداً لهذا الاستقرار، فهاجر من جديد إلى سويسرا، ثم حاول السفر إلى برلين الغربية، إلا أن سلطات الاحتلال الأمريكية منعته، فدخل برلين الشرقية في أكتوبر/تشرين الأول 1948، وسرعان ما احتضنته قيادة الدولة الجديدة في الشطر الشرقي من ألمانيا المقسمة، وعهدت إليه بإدارة مسرح "برلينر إنسامبل"، الذي أصبح اسمه "مسرح برشت".
ويشير مترجم المسرحية إلى أنها طُبعت لأول مرة في ألمانيا عام 1948، وأطلق برشت على عمله في البداية عنوان "ألمانيا – حكاية وحشية"، وهو عنوان يحيل بالطبع إلى قصيدة هاينريش هاينه المشهورة "ألمانيا حكاية شتوية".
وفي 21 مايو/أيار 1938، شهدت باريس العرض الأول (بالألمانية) لـ8 مشاهد من المسرحية، تحت عنوان "99 في المئة – صور من الرايخ الثالث"، وقامت بدور البطولة هيلينه فايجل، زوجة برشت.
ويسخر العنوان مما روجته الدعاية النازية عن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الـ10 من أبريل/نيسان 1938 (أي عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية)، حيث أشاعت أن نسبة الألمان الذين انتخبوا هتلر بلغت 99%، أما العنوان الذي اختير بعد ذلك في طبعة الأعمال الكاملة لـ"برشت" فهو "الخوف والبؤس في الرايخ الثالث".
ويأمل المترجم أن تساهم هذه الترجمة في إعادة الاهتمام العربي بمسرحيات برشت، التي ترجم معظمها إلى العربية في الستينيات، ومُثلت في عدد من المسارح العربية.
وربما يقترن اسم "برشت" عربياً باسم الدكتور عبدالغفار مكاوي، الذي نقل إلى العربية عدداً كبيراً من قصائده، وكان أول من عرّف القراء العرب بمسرحه، فترجم "الاستثناء والقاعدة" عام 1958، وتلتها ترجمات أخرى عديدة، مثل "بعل"، و"السيد بونتيلا وتابعه ماتي"، و"قائل نعم وقائل لا"، و"أوبرا صعود وسقوط مدينة مهاجوني". كما اهتم دكتور نبيل الحفار بمسرح برشت، فكتب عنه وترجم له عدداً من الأعمال، وترجم عبدالرحمن بدوي "دائرة الطباشير القوقازية"، وأصدر أحمد حسان مختارات شعرية شاملة له.
تأثير "برشت" في المسرح العربي كان هائلاً، ومن الكتاب الذين اقتبسوا أعماله أو استلهموها ألفريد فرج، في مسرحيته "على جناح التبريزي وتابعه قفه"، المقتبسة عن "السيد بونتيلا وتابعه ماتي"، ونجيب سرور في "ملك الشحاتين"، المقتبسة عن "أوبرا القروش الثلاثة".
سمير جريس ولد في القاهرة عام 1962، ودرس اللغة الألمانية وآدابها في القاهرة وجامعة ماينتس بألمانيا.
ترجم سلسلة من الأعمال الأدبية الألمانية المعاصرة إلى العربية، منها "عازفة البيانو"، للكاتبة النمساوية إلفريده يلينك، الحائزة على جائزة نوبل عام 2004، و"الكونتراباص" للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، و"الوعد" للكاتب السويسري فريدريش دورنمات، و"صداقة" للكاتب النمساوي توماس برنهارد، و"رجل عاشق" للروائي الألماني مارتين فالزر.
صدر له في مطلع عام 2016 كتاب ألفه عن الكاتب الألماني الكبير جونتر جراس، الذي حصل على جائزة نوبل عام 1999، ونُشر الكتاب لدى دار "الكتب خان" المصرية بعنوان "جونتر جراس ومواجهة ماض لا يمضي"، ويعتبر أول كتاب نقدي بالعربية عن جراس.
وحصل "جريس" في عام 2014 على جائزة الترجمة الأدبية من الألمانية إلى العربية من معهد جوته بالقاهرة، كما نال في عام 1996 الجائزة الأولى في ترجمة القصة من المجلس الأعلى للثقافة في مصر.
أما ريم نجمي فهي شاعرة مغربية مقيمة في برلين، وتعمل مع "دويتشه فيلا"، وسبق لها أن نشرت ديوان شعر بعنوان "كأن قلبي يوم أحد"، وصدر لها هذا العام ديوان بعنوان: "كن برئياً كذئب"، وترجمت رحلات باولا للكاتب باول مار، وهو كتاب للأطفال صدر عن دار تنمية بالقاهرة.