الشاعرة السورية رشا عمران لـ"العين الإخبارية": الكتابة ساعدتني على التسامح
الشاعرة السورية رشا عمران تقيم في مصر وتتحدث لـ"العين الإخبارية" عن أثر الغربة على تجاربها الأدبية.. ماذا قالت؟
تقيم الشاعرة السورية رشا عمران في القاهرة، منذ سنوات، ولم تكن الحياة سهلة في بدايتها، ولا حتى مع مرور سنوات، ثمة شعور بالوحدة يتعاظم داخلها، وبافتقاد الأهل والوطن والأشياء التي اعتادتها، لكنها بالكتابة أصبحت تقاوم الفقد.
لرشا ست مجموعات شعرية، آخرها "التي سكنت البيت قبلي"، أنجزت اثنتين منها أثناء إقامتها بالقاهرة.
رشا عمران في حوارها مع "العين الإخبارية" تكشف عن أنها تعكف الآن على إعداد مجموعتها السابعة للطباعة، وهي لا ترى في ذلك أنها شاعرة مقلة، وبالنسبة لها، فإن قصيدة واحدة فقط يمكنها أن تدل على أهمية شاعر ما، فهناك من لديهم عشرات الكتب ولم يسمع بهم أحد، أو لم تتطور تجربتهم، المهم أن تتطور تجربة الشاعر وتفترق، وليس عدد الدواوين.
تؤمن رشا أن الفن لا يغير الواقع، بل يعيد تشكيله في الذات الشخصية، سواء ذات من ينتجون الفنون أو من يتلقونها، من هنا أيضا، لا يبحث الفن عن الجمال في العالم، هو يسعى ليقدم مساحة من الجمال عبر المتعة، مساحة شبه مفقودة في الواقع.
انتهيتِ من ديوان جديد لكنه لم يصدر خلال معرض القاهرة للكتاب.. لماذا؟
بدأت هذا الديوان منذ 3 سنوات، تحديدًا في عام 2016، وهو لا يشبه الديوان السابق "التي سكنت البيت قبلي" رغم أنهما لا يبتعدان كثيرًا أيضًا. الوحدة موجودة، غير أن الحس النسوي طاغٍ على أجواء الديوان الجديد، لم أبتعد عن الأنثى فيه، لكنني تنوعت في مواضيع النصوص، وانفتحت أكثر على الحب النفسي والجسدي وعلى الفقد وقسوته، وعلى تجربة المرض، أتمنى أن أكون به قد تجاوزت ديواني السابق، لم أختر للديوان اسمًا حتى الآن، وكنت على وشك إصداره خلال المعرض، ولكني وجدته لا يزال في حاجة لإعادة ترتيب، القصائد أيضًا تحتاج لمراجعة أخيرة، وأنا عادة لا أفضل التعامل باستسهال أو تعجل في هذه الأمور، كي يخرج الديوان في النهاية كما أريد له بشكل ما.
نشأت في بيت به مكتبة ضخمة، ما شكل لك عالما ساحرا لا ينتهي.. لماذا اتجهتِ لكتابة الشعر تحديدًا وليس الرواية أو القصة؟
كثيرون يقولون لي إن اهتمامي بالتفاصيل بنصي الشعري يدل على أنه ثمة روائية ما مختفية خلف الشاعرة، الحقيقة أنني لم أسأل نفسي هذا السؤال أبدا، لماذا كتبت الشعر لا الرواية؟ لا أعرف، مع أن قراءاتي الأولى كانت في معظمها روائية، قرأت عددا هائلا من روايات الأدب العالمي والعربي، أهم ما تمت ترجمته إلى اللغة العربية من روايات العالم، قرأت أيضا سلسلة المسرح العالمي كلها تقريبا، قرأت القصص القصيرة، قرأت شعرًا مترجمًا وشعرًا عربيًا، قديما وحديثا، لا أعرف لماذا كتبت الشعر فقط، يوما ما تخيلت نفسي سأصبح ممثلة لا شاعرة، لكنني لم أفعل شيئا غير كتابة الشعر، ربما تأثرًا بوالدي! لا أعرف، لا أتخيل نفسي روائية، رغم أنني منفتحة على كل أنواع الكتابة.
في ديوانك الأخير "التي سكنت البيت قبلي" تبدو القصائد شخصية تمامًا، غير أنها ليست منفصلة عن سياقها العام، هذا الحضور الكثيف للوحدة، هل هو احتفاء بها؟ أم تعبير عن الخوف منها؟
لأول مرة في حياتي أعيش وحدي تماما سنوات متتالية، خرجت من سوريا واخترت مصر للعيش، ابنتي الوحيدة تعيش في أوروبا، شقيقتي أيضا، باقي أفراد عائلتي مازالوا في سوريا، لم أجرب يوما ما هي الوحدة، أن يكون المرء وحيدا إلى هذا الحد، في بلد غير بلده، لدي أصدقاء طبعا في مصر، سوريون ومصريون، لكنني أعيش وحدي، دخلت الخمسين وأنا وحدي، سأصبح بعد أشهر في منتصفها وأنا وحدي، الخمسين، أخطر سنوات المرأة وأكثرها احتياجا لرفقة، كانت فرصة لي لتأمل عزلة النساء الخمسينيات، صحيح ربما كتبت عن تجربتي الشخصية، لكنني أدرك تماما أنني كتبت عن تجارب آلاف النساء مع الوحدة، حتى من كانت منهن تعيش مع أسرتها، أراقب انفعال قارئات مع ما أكتب وأدرك أنه ما تجربة محض شخصية، نحن صدى لتجارب الآخرين، أو استكمال لتجارب غيرنا.
يشغلني سؤال الفن.. هل على الفن أن يقوم بتجميل الواقع؟ أم التعبير عنه؟ أم خلق واقع بديل؟ أم وظيفته هي المتعة فقط، والبحث عن مواطن الجمال في العالم مهما بدا خربًا وقاسيًا؟
الفن لا يغير في الواقع، لا يمكنه فعل ذلك، وإذا كان صورة عن الواقع فهو ليس فنا، والفن أيضا لا يخلق عالما بديلا، هو بالضبط، كما أراه، يعيد تشكيل الواقع في الذات الشخصية، سواء ذات من ينتجون الفنون أو من يتلقونها، من هنا أيضا، لا يبحث الفن عن الجمال في العالم، هو يسعى ليقدم مساحة من الجمال عبر المتعة، مساحة شبه مفقودة في الواقع، ما معنى الفن إن لم يكن ممتعا؟! المتعة هنا لا تعني السعادة إطلاقا، قد تقرأ نصا شعر يا أو سرديا يتلف قلبك لفرط ما فيه من الحزن، لكنك تستقبله بمتعة استثنائية، قد ترى عملا مسرحيا أو سينمائيا أو تشاهد لوحة ترسم خراب العالم لكنها تحقق لك متعة النظر أو السمع أو الإحساس، على الفن أن يشعل الحواس كلها، هذا الإشعال هو المتعة بحد ذاتها، نعم أبحث في الفنون جميعها عن المتعة، لا تعنيني الوظائف الأخرى، لأنها لن تتحقق، الفن ليس بيانا سياسيا، ولا حزبا اجتماعيا، يكفي أنه يدرب على تعلم الجمال عبر المتعة، التعود على الجمال يمكنه أن يساعد في تغيير شيء ما.
لديك 6 دواوين فقط.. هل تعتبرين نفسك مقلة نوعًا ما؟
لا أبدا، أحيانا أشعر أنني أكتب أكثر مما يجب، أنا لا أخطط للكتابة، أكتب حين أشعر أن شيئا ما يريدني أن أكتبه، هذه حالة قد تتوقف لمدة ما، تطول أو تقصر، لا أعرف، لكنها غالبا ما تتوقف، صادف أنني بعد استقراري بالقاهرة لأكثر من عام، كتبت مجموعتين وأصدرتهما، وأنا الآن بصدد إصدار الثالثة، وما زلت أكتب، لم تكن هذه حالتي في السابق، كنت أكثر بطأ في الكتابة، كنت مقلة جدا، ربما هي صدمة ما حدث في سوريا، مع الاصطدام بمجتمع آخر، مع الاصطدام بالعزلة، مع التغيرات الكثيرة التي حدثت لحياتي. بالعموم، لست مشغولة كثيرا بموضوع أنني مقلة أو لا، ولا يعني شيئا أن يكتب الشاعر 20 ديوانا أو ديوانا واحدا فقط. هذا ليس دليلا على شاعريته من عدمها.. قصيدة واحدة فقط يمكنها أن تدل على أهمية شاعر ما، هناك من لديهم عشرات الكتب ولم يسمع بهم أحد، أو لم تتطور تجربتهم، المهم أن تتطور تجربة الشاعر وتفترق، وليس عدد الدواوين.
تقيمين في وسط البلد بالقاهرة، وجئت من سوريا، وتتنقلين بين حين وآخر إلى بعض الدول.. هل تعتقدين أن استقرار الكاتب في مكان واحد يضيف إليه أم يأخذ منه؟
بالتأكيد، التنقل والسفر والاصطدام بثقافات أخرى يضيف للكاتب ولتجربته، لكن لا أعتقد أن العيش في مكان واحد يأخذ من الكاتب، وإلا ماذا نفعل بمئات المبدعين حول العالم الذين لم يغادروا مدنهم الصغيرة وقدموا أدبا أو فنا عالميا بكل معنى الكلمة؟! أحيانا القراءة والسينما يشبهان السفر ويعوضان عنه، العلاقة معهما تشبه الاصطدام بثقافات أخرى، المهم أن يكون خيال الكاتب خلاقا، وموهبته محصنة بثقافة قوية، وعقله منفتح لتقبل الاختلاف، السفر إضافة بالتأكيد، لكن انتفاءه لا يعني أبدا أن انتفاء الأهمية أو الإبداع.
وما مدى تأثير المكان وثقافته على وعي الكاتب وإنتاجه الأدبي؟
المكان هو مفردات ولغة وحوار متواصل، تخيل أنني أسكن في القاهرة مثلا وتكون نصوصي خالية من مفردة الرمل؟ أو أسكن في الإسكندرية ولا أذكر البحر في كتاباتي؟! يمكنك أن تكتب عن أشياء غير موجودة حولك؟ لكنك إن لم تتفاعل مع الموجود فثمة نقص ما في كتابتك، ثمة ما هو ليس حقيقيا، ثمة افتعال، لن يصدقه القارئ الحقيقي ولن يتفاعل معه، سيكتشف زيف كتابتك باكرا ويغادرها، كيف ستخلو كتابتي من الألوان وأنا ابنة قرية خضراء في الشتاء والصيف وملونة في الربيع؟! كيف ستخلو من مفردة الجدران وأنا المفتونة ببيوت دمشق القديمة ذات الجدران العالية؟!
أجريت عملية قلب مفتوح منذ فترة.. كيف كان دور الكتابة وقت الأزمة؟
كانت الكتابة لي بمثابة العلاج النفسي من أثر تلك العملية الصعبة والخطيرة، بعد يومين من خروجي من غرفة العناية المركزة طلبت جهاز الكمبيوتر وبدأت بالكتابة، لم يصدق أحد من أصدقائي ومن المشرفين على علاجي أنني أفعل هذا! لكنني لو لم أفعل ذلك ربما كنت انتهيت، ساعدتني الكتابة على العيش والتسامح مع الحياة التي اختبرتني أقسى أنواع الاختبارات الشخصية.